المديرة التنفيذية لمنصة "كم كلمة" لـ"هي": نواكب كلّ جديد ونجمع بين التّكنولوجيا واللّغة العربيّة
بعد أن كانت واحدة من المعلّمات المتمرّسات والإداريّات النّاجحات في المدارس الّتي عملت فيها في الشّرق الأوسط على مدى 24 عاماً، وكإختصاصيّةِ في تكنولوجيا التَّعليم استطاعت سيرون شاميكيان أن تدعمَ المدارس بوضعِ خطط واستراتيجيّات بناء القدرات وتطويرها بهدف دمج التّكنولوجيا بالتّعليم مع التّركيز على مَهارات القرن الواحد والعشرين.
شاركت في تأسيسِ "كم كلمة" وهي حاليًّا المديرةُ التنفيذية لها، ما هي منصة "كم كلمة" وكيف تساهم في تطوير جودة التّعلم باستخدام التكنولوجيا والذكاء الصناعي؟ أسئلة كثيرة طرحناها على شاميكيان واطلعنا الى مشروعها المبهر..
أخبرينا أكثر عن مشروع "كم كلمة" وكيف نشأت الفكرة منذ البداية؟
بدأت مشواري المهنيّ كمعلّمة في عدّة مدارس محليّة في بيروت. كنتُ أحرص دائماً على أن تكون صفوفي تفاعليّة، واستخدام وسائل التّكنولوجيا في ذلك الوقت، كان إحدى الوسائل المُتاحة للتّغيير من النّمط التّقليديّ في التّعليم. ومع شغفي بالتّكنولوجيا وزيادة اطّلاعي على كلّ جديد في مجال تكنولوجيا التّعليم، عُيِّنت لاحقًا كمنسّقة للتّكنولوجيا، حيث تركّزت مهمّتي الأساسيّة على تعريف المعلّمين والمعلّمات على وسائل التّكنولوجيا المُتاحة الّتي يمكنهم استخدامها في صفوفهم. لكنّني لم أستطع إيجاد ما قد يساعد معلّمي اللّغة العربيّة تحديدًا، لأنّ أغلب تقنيات التّكنولوجيا هي باللّغة الأجنبية. وهكذا تبلورت لديّ فكرة إنشاء مبادرة مّا في هذا المجال، وذلك بمساعدة زميلتي "نسرين المكّوك"، الّتي كانت تتشارك معي رؤيتي حول أهميّة إحداث تغيير في مجال التّعليم. وقد أسّسنا "كم كلمة" معاً في العام 2015.
كيف استفدتم من التكنولوجيا اليوم لتطوير مشروع "كم كلمة"؟
في الإطار العامّ، إنّ المحتوى الرّقميّ باللّغة العربيّة شحيح، عدا عن أنّ أغلب وسائل التّكنولوجيا كما سبق وأشرت غير ناطقة باللّغة العربيّة. في "كم كلمة" بنينا على ما سبق، لنوفّر للمعلّمين موارد متنوّعة باللّغة العربيّة، وأدوات تصحيح مساعدة وعصريّة تتحدّث لغتهم.
والتّكنولوجيا ليست فقط عنصرًا تقدّمه المنصّة، بل إنّها قائمة عليه. فـ"كم كلمة" تُعتبر من المنصّات الّتي تُقدّم البرمجيّات كخدمة (saas)، وهذا ما يسمح لنا بتطوير المنصّة باستمرار وإدخال أيّ جديد في مجال التّكنولوجيا مباشرة.
ما هي الطرق الأساسية التي تعتمدها منصة "كم كلمة" لتطوير نماذج التعليم؟
تجمع المنصّة بين عنصرين رئيسيّن: التّكنولوجيا، واللّغة العربيّة، ونحن نواكب كلّ ما هو جديد فيما يتعلّق بهما. على الصّعيد التّقنيّ، إنّ المنصّة متكاملة مع جميع أنظمة إدارة التّعلّم المعتمدة في المدارس، كما أنّ عمليّة الدّخول إليها وتصفّحها هي سهلة للمستخدم، سواء المعلّم أو التّلميذ. التّقنيّات تسمح لنا بإدراج موارد متنوّعة بصيغة رقميّة عالية الجودة، وتوفير بنك أسئلة غنيّ للمعلّمين، وتزويدهم بتقارير تفصيليّة عن أداء تلاميذهم. وهذه التّقنيّات، بالمناسبة، توفّر ما يعادل 24 ساعة من وقت المعلّم شهريًّا. ونحن نعمل حاليًا على توظيف تقنيّات الذّكاء الاصطناعيّ في المنصّة، ما سيسمح للمعلّم بشخصنة عمليّة التّعليم أكثر وجعلها أكثر جدوى بحسب مستوى كلّ تلميذ.
أمّا على الصّعيد الأكاديميّ، فإن منهاج المنصّة محايد ويُناسب مختلف التّلاميذ في صفوف اللّغة العربيّة. كما أن مضمون مواردها يتّسق مع القيم الاجتماعية والأخلاقيّة ويمدّ التّلاميذ بالمهارات اللّغويّة والحياتيّة. كما يمكن للمعلّمين إضافة مواردهم الخاصّة إلى المنصّة. والأسئلة المٌلحقة بهذه الموارد مرتبطة بأهداف تعليميّة متعدّدة، ما يساعد المعلّمين في تخطيط دروسهم بشكل أفضل.
إضافة، فإنّنا في "كم كلمة" نعمل على تطوير المهارات الأربعة الأساسيّة لتعلّم أيّ لغة: القراءة، الكتابة، التحدّث، والإصغاء.
ما هي أكثر الصعوبات التي يواجهها الأطفال عند التعلّم؟ وكيف وجدتم حلولاً لذلك؟
من التّحديات الّتي تُواجه في صفوف اللّغة العربيّة على وجه التّحديد هو ضعف تفاعل التّلاميذ مع المواد المُدرّسة. لذلك فإنّنا في "كم كلمة" طوّرنا أوّلًا محتوىً رقميًّا خاصًّا بنا، راعينا في مضمونه الأحجام والأنواع والمحاور المختلفة لكي تناسب التّلاميذ على اختلاف اهتماماتهم ومستوياتهم. إضافةً، فإنّنا عرضنا هذا المضمون بشكل تفاعليّ. ففي واجبات التّعبير الكتابيّ مثلًا، يمكن إرفاق صور أو فيديوهات أو مقالات لكي يطّلع عليها التّلميذ قبل حلّ واجبه.
إحدى الاعتبارات الأساسيّة في هذا السّياق أيضًا هو أنّ الصّفّ الواحد قد يحتوي على تلاميذ من مستويات متفاوتة، وقد لا يستطيع تلميذ مّا من مجاراة زملائه. في "كم كلمة" تراعي المنصّة هذه الفروقات الفرديّة من خلال خاصيّة "إنشاء المجموعات"، حيث يمكن للمعلّم توزيع التّلاميذ في الصّفّ الواحد إلى أكثر من مجموعة بحسب مستواهم. كما أنّ التّقارير الّتي تصدرها المنصّة تبيّن المهارات الّتي يكتسبها التّلاميذ، وذلك بحسب هرم "بلوم التّعليميّ"، وبالتّالي يمكن للمعلّم تلبية احتياجات كلّ تلميذ والتّركيز على ما يحتاجه، وهذا يسهّل على المعلّم والتّلميذ معًا.
كيف حثّ فيروس "كوفيد – 19" على الاعتماد على المنصات الرقمية للتعلّم؟
في السّابق كان هناك تخوّف كبير من استخدام وسائل التّكنولوجيا في التّعليم والتّعلّم. لكن في ظلّ جائحة كورونا كان الانتقال إلى التّعليم عن بعد قسريًّا، وحقيقة لولا وجود التّكنولوجيا لحُرم الأطفال حول العالم من حقّهم الأساسيّ في التّعليم لحوالي السّنتين.
هنا أريد أن أشير إلى أن هناك فرق شاسع بين المنصّات التّعليميّة المعدّة خصّصيًا للارتقاء بمستوى التّعليم والمؤهّلة لتُناسب احتياجات إدارات المدارس والمعلّمين والتّلاميذ معًا، مثل "كم كلمة"، ووسائل التّواصل الاجتماعيّ الّتي للأسف لجأت إليها بعض المدارس كحلّ مؤقّت خلال الجائحة.
وتجدر الإشارة أيضًا إلى أنّ نسبة كبيرة من المعلّمين والمعلّمات لم يكونوا مواكبين للتّكنولوجيا وهذا أثّر على سير صفوفهم الكترونيًّا. وفي "كم كلمة" استحدثنا مؤخّرًا برنامج "همزة الوصل" لتمتين التّعلّم والتّعليم الذّي يدعم التّطوّر المهنيّ للمعلّمين والمعلّمات سيما في مجالات التّربية والتّكنولوجيا وتكنولوجيا التّعليم.
تشير الاحصاءات الى أن اللغة العربية رابع لغة الأكثر تحدثاً في العالم ورغم ذلك تشكل نسبة 3% من المحتوى الالكتروني.. كيف تعملون على تطوير اللغة العربية في المجال الالكتروني؟
برأيي الشّخصيّ إنّ اللّغة العربيّة ليست بحاجة إلى التّحديث، فهي قائمة ولها أسُسها وقواعدها الرّاسخة. لكن إن كنّا نريد لهذه الّلغة المميّزة أن تواكب القرن الواحد والعشرين، فعلينا أن نغيّر من طريقة تعاملنا معها. نحن اليوم في عصر الكترونيّ، فكيف نتوقّع للأجيال المستقبليّة أن تتقن العربيّة إن كان كلّ ما يرتبط بالتّكنولوجيا هو باللّغة الأجنبيّة؟ وعدا عن الشّكل، يجب أن يحاكي مضمون ما تقرأه هذه الأجيال الواقع من حولهم، سواء كان هذا المضمون رقميّ أو غيره.
في "كم كلمة" هناك مكتبة رقميّة شاملة، تُحدّث أسبوعيًّا بموارد جديدة. وأكثر ما يميّز هذه الموارد هو ارتباطها بالواقع الذّي يعيشه التّلاميذ. فعلى سبيل المثال، مع انتشار فيروس الكورونا، قمنا بإضافة موارد شتّى متعلّقة بالصّحة النّفسيّة والجسديّة.
ومن الخاصيّات الفريدة في المنصّة الّتي تزيد من المحتوى الالكترونيّ باللّغة العربيّة، هو أنّ "كم كلمة" تشجّع المعلّمين على نشر إبداعات تلاميذهم في التّعبير الكتابيّ في مكتبة المدرسة، ليتسنّى لهم ولزملائهم مطالعتها لاحقًا. أعتقد أن هذه الخاصيّة على بساطتها تشجّع التّلاميذ على الكتابة بالعربيّة أكثر فأكثر.
ما أهمية أن يكون المحتوى باللغة العربية؟
كما سبق وذكرت نحن اليوم في عصر التّكنولوجيا، واللّغات الّتي ستفشل في مجاراة العصر ستندثر مع الوقت. لذلك من المهم أن يكون هناك محتوى ذو قيمة باللّغة العربيّة وليس مجرّد محتوى مكرّر أو منسوخ. فالمحتوى يجب أن يعكس أيضًا قيم القرن الواحد والعشرين وأن يرتبط بمستجدات اليوم.
ومن ناحية أخرى، فإنّ هناك نسبة كبيرة من الأشخاص الّذين لا يتحدّثون إلّا بالعربيّة، وإن كنّا نهدف إلى محو الأميّة التّكنولوجيّة فإن إيجاد محتوى بالعربيّة أمر أساسيّ لإدماجهم في المجتمع الرّقميّ.
كيف تقبّل الأساتذة والتلامذة برنامجكم التعليمي؟
تلاقي المنصّة استحسان المعلّمين والتّلاميذ معًا، وذلك يتترجم فعليًّا عبر استخدامهم لها على الدّوام. فقد وصل عدد مستخدمينا إلى ما يفوق 24 ألف تلميذ هذا العام. ونحن في المنصّة نحرص على الاستماع للمعلّمين والمعلّمات لكي نعرف أكثر ما الجوانب الّتي تساعدهم وتلك الّتي يفضّلون إضافتها إلى المنصّة، ومن ثمّ ندرس هذه الاقتراحات ونوظّف الأنسب منها.
ما هي تطلعاتكم لهذا المشروع؟
نأمل أن تقدّم المنصّة المزيد من الحلول لإدارات المدارس والمعلّمين والتّلاميذ. وفي المستقبل القريب، نحن نقوم بتوظيف تقنيّات الذّكاء الاصطناعيّ في نقلة نوعيّة ستسمح لمدارسنا بمحاكاة احتياجات تلاميذهم ومعلّميهم بشكل أفضل.
وآمل أن تبقى التّكنولوجيا ركنًا أساسيًّا في عمليّة التّعليم في المنطقة بعد انحسار جائحة كورونا، وأن تغتنم المدارس هذه الفرصة وتستثمرها بشكل جيّد.