النائبة نجاة عون صليبا لـ "هي": أصبحت خطوات المرأة العربية سريعة وواثقة في مختلف المجالات
بيروت: ليندا عيّاش
تصوير: فاتشيه أباكليان
وصلت اللبنانية نجاة عون صليبا إلى الندوة البرلمانية آتية من صفوف التغييريين في الانتخابات الأخيرة بحماس كبير، حاملة راية لبنان الجديد والمزيد من الثقافة والبناء والحب، داعية إلى دفن البغض وسنوات الحرب الأليمة.
صليبا هي أستاذة الكيمياء التحليلية في الجامعة الأمريكية في بيروت، ومديرة مركز حفظ الطبيعة في الجامعة نفسها، وتقود العديد من المشاريع ذات الصلة محليا وعالميا في مجال "كيمياء الهباء الجوي المستنشق والغلاف الجوي وتغير المناخ". وتركز على المشاريع البيئية التي يقودها المجتمع، والتي تستند إلى الإنتاج المشترك للمعرفة لإيجاد الحلول الأكثر ملاءمة للتحديات المحلية.
وما إن حصلت على شهادة البكالوريوس في عام 1986 من الجامعة اللبنانية حتى انتقلت إلى الولايات المتحدة لاستكمال دراساتها العليا، حيث حصلت على درجة الماجستير في التحاليل الكيميائية لتلوث المياه في جامعة ولاية كاليفورنيا- لونغ بيتش، ومن ثم أكملت دراسات الدكتوراه في جامعة جنوب كاليفورنيا.
اهتمت صليبا بداية بطرق تخفيف تلوث الهواء، وعملت على أطروحة عن موضوع “تلوث المياه ودراسة التحفيز” ثم استمرت بعد حصولها على الدكتوراه كباحثة في جامعة كاليفورنيا، إرفين. كما أنها المؤسس المشارك والمدير التنفيذي لـ"خضّة بيروت" Khaddit Beirut ومديرة ومؤسسة أكاديمية البيئة EA في عام 2021.
تم ترشيحها من قبل منصة Apolitical لأكثر 12 شخصا تأثيرا في العدالة المناخية، و100 شخص الأكثر نفوذا في سياسة النوع الاجتماعي. وفي مجال الإعلام والصحافة والنشر العلمي، الدكتورة صليبا هي محررة معتمدة في "بيرج" PeerJ، وهي مجلة علمية كبيرة تغطي البحوث في العلوم البيولوجية والطبية.
وفي عام 2019، حصلت نجاة عون صليبا على جائزة"لوريال-يونسكو"الدولية للمرأة في العلوم لعام 2019، ووسام الأرز الوطني من رئيس الجمهورية اللبنانية، ودرع الأرز الفخري من رئيس مجلس النواب اللبناني وزميل "بول هاريس- دبوس" من "نادي روتاري بيروت سيدارز". أيضا في عام 2019 تم التصويت لها من بين أفضل 100 امرأة مؤثرة من قبل “بي بي سي”. وفي عام 2016 نالت جائزة المجلس الوطني اللبناني للبحث العلمي عن فئة البيئة.
"هي" كان لها لقاء مع النائبة والدكتورة التي تحمل في قلبها وبين يديها الكثير من المخططات والأحلام الكبيرة للوطن.
نكون اليوم نتيجة البذرة التي زرعت في داخلنا منذ صغرنا، أخبرينا عن نشأتك
تربيت في بيت رصين للغاية، فوالدي كان إنسانا جديا للغاية في التعاطي مع أولاده، وخصوصا أنه أسس نفسه بنفسه منذ صغره، إلى أن أصبح واحدا من أكبر ملاك الأراضي في منطقة الدامور. أما جدي لوالدتي، فقد كان أمياّ، لكنه كان أيضا من أكبر تجار الموز في لبنان والمنطقة، وبإصراره ومثابرته تعلم القراءة والكتابة. العديد من أفراد عائلتي كانوا نماذج للنجاح بإصرارهم وبأحلامهم الكبيرة، وزرعوا في داخلي هذا الأمر.. فتربيت في هذه الأجواء، وتأثرت بها، وبنت في داخلي تحديا كبيرا وإصرارا على مواجهة صعوبات الحياة بقوة.
اخترت علوم الكيمياء بداية للتخصص الجامعي، ما الذي دفعك بداية إلى هذا المجال؟
كنت أريد أن يعرف والدي قدراتي العلمية وشغفي بالعلم، فلجأت إلى الاختصاص الأصعب، لأثبت له ذكائي، وثابرت على دراسة المواد العلمية بشغف من باب التحدي، لأقول لوالدي بطريقة غير مباشرة إني بذكاء إخوتي الشبان. وفتح هذا التحدي والنجاح لاحقا الباب بسهولة أمام شقيقاتي الصغيرات بعدما لمس والدي نجاحي في هذا المجال الأصعب، فانطلقت بقوة وإصرار من بيئة لا تؤمن بذكاء أو نجاح المرأة.
تخرجت في الجامعة اللبنانية في عام 1986 ثم انتقلت إلى الولايات المتحدة لاستكمال الدراسات العليا والحصول على درجة الماجستير، وعملت على أطروحة عن تلوث المياه ودراسة التحفيز. ماذا عن هذا الطريق العلمي الذي سلكته؟
كنت منغمسة بداية في عالم الكيمياء، وبعيدة عن مسألة تلوث الهواء أو الاختصاص البيئي، وحصلت على درجة الماجستير في التحاليل الكيميائية لتلوث المياه في جامعة ولاية كاليفورنيا، لونغ بيتش، أما اختصاصي في شهادة الدكتوراه، فقد كان عبارة عن بحث علمي فيزيائي كيميائي في جامعة جنوب كاليفورنيا. وما إن انتقلت إلى جامعة كاليفورنيا- إرفين، حتى اتجهت نحو التخصص البيئي.
وبالتدريب العلمي ركزت على مواد صعبة للغاية، وهي الكيمياء التحليلية، والكيمياء الفيزيائية، ثم اتجهت إلى مجال البيئة بعد سنوات طويلة من الدراسة.
إلى أي مدى تجدين نفسك اليوم في المكان الصحيح في عملك العلمي؟
أنا أعشق عملي، وأكرس كل طاقاتي وقدراتي له، وأقول إنه من الضروري جدا أن نؤمن بما نقوم به في حياتنا وعملنا المستقبلي الذي يحدد مسيرتنا بتفاصيلها، أما مجال البيئة، فكان محطة مهمة في حياتي لها جذور تعود لأيام طفولتي، حيث كنا نرافق الوالد وبإصرار كبير منه إلى متابعة تفاصيل عمله في الأرض، لأنه كان يرفض حينها ألا نشعر بقدراتنا وإنتاجياتنا اليومية، فإما أن نكبر علما أو عملا في كل يوم نعيشه. فكنت على علاقة مميزة مع الأرض والسماء والأمطار والغيوم، وتأثرت بعوامل الطبيعة وتفاعلها في تلك الفترة.
ساعدتِ في تأسيس "مركز إبصار" لحماية التنوع البيولوجي في لبنان، ما الإنجازات التي حققها؟
ساعدت في تأسيس "مركز إبصار" سنة 2002 لحماية الطبيعة وترسيخ منظومات مستدامة، بهدف حماية التنوع البيولوجي في لبنان، وأنا اليوم مديرة “مركز إبصار”، التي تم تغيير اسمه منذ ذلك الحين إلى "مركز الحفاظ على الطبيعة" في الجامعة الأمريكية في بيروت، وعملت على عدة بحوث، منها بحث تناول الملوثات المحيطة في لبنان والشرق الأوسط. وفي عام 2018، اختير “مركز الحفاظ على الطبيعة” من طرف الجامعة الأمريكية في بيروت، بصفته إحدى أفضل المنظمات المؤثرة في حركة التجديد. وفي هذا المركز ركزت في مجال الكيمياء التحليلية على المنافع الطبية للأعشاب، ونفذنا الكثير من المنشورات الطبية عن منافع وأضرار الأعشاب مع فريق عمل كبير.. فالتجانس في العمل مع عدة فرق متخصصة يوسع آفاق الجميع.
ماذا عن تركيزك على الملوثات البيئية المتعلقة بالمكونات الكيميائية السامة والمسرطنة للسجائر الإلكترونية والشيشة؟
عملت مع فريق متكامل للوصول إلى تفاصيل أضرار كل أنواع التدخين، وبدأنا معا بالتحاليل الكيميائية، وخصوصا النرجيلة بطريقة علمية مهمة، وأثبتنا درجات أضرارها الهائلة، وشروحات علمية عن كيفية هذه الأضرار.
عملت أيضا على تطوير مواد وأساليب مبتكرة لدراسة الملوثات الجوية، ماذا عن وضع البيئة الحالي في لبنان؟
هناك نسبة تلوث كبيرة في لبنان، لكنها ليست أكبر من العديد من المدن المكتظة كالقاهرة. مشكلة البيئة لا تعتبر كبيرة جدا، وإنما هي بحاجة إلى تطبيق وتفعيل قوانين وإيجاد قوانين أخرى تضبط الوضع. والأهم أن هناك توعية بيئية شاملة في لبنان واهتماما بيئيا بين شباب اليوم، وتركيزا أساسيا على أسباب تغير المناخ في العالم، وألمس ذلك من خلال حواري مع طلابي في الجامعة، حيث أكتشف إلمامهم، وأحس بفضولهم لاكتشاف المزيد من المعلومات البيئية. المشكلة في لبنان تكمن في أن الجيل الجديد لا يشعر بأنه سيصل إلى نتيجة في ظل غياب تطبيق القوانين.
نلتِ العديد من الجوائز، ماذا تعني لك؟
سنة 2016 نلت جائزة البحث العلمي، ثم سنة 2018 حصلت على جائزة الجمعية الفسيولوجية الأمريكية للبحوث متعددة التخصصات. وصولا إلى جائزة "لوريال-اليونسكو للنساء" في العلوم 2019، ووسام الأرز الوطني في العام نفسه، كل هذه الجوائز تقول إن العالم اعترف بعملي وإنجازاتي، للأسف الكثيرون لم يقدروا الإنجازات التي قمنا بها، والتي قام بها غيرنا أيضا، في رأيي أن من الضرورة الإضاءة على جميع الأبحاث كما الباحثين والباحثات في مختلف المجالات.
ماذا تعني لك جائزة برنامج L’Oréal-UN ESCOللنساء في العلوم عام 2019؟
إنها من الجوائز الأعز على قلبي، لأني لمست مدى حماس الكثير من الشابات لمثل هذه الجائزة أثناء تهنئتهن لي بنيلها، وأعطتهن أملا بالحصول عليها يوما ما، ورددت الكثيرات على مسامعي بأن لديهن الأمل الآن بالحصول على الجائزة، خصوصا أني أول امرأة لبنانية مقيمة تنال هذه الجائزة للشرق الأوسط وإفريقيا، وقد نالتها قبلي عالمة لبنانية مقيمة في المملكة العربية السعودية. وأشير إلى أن هناك الكثير من الباحثات الرائدات في مجال العلوم لكنهن بمنزلة الجندي الصامت، يعملن من دون أي إضاءة على عملهن. أما على الصعيد العربي، فلفت انتباهي الكثير من المتخصصات في مجال العلوم من الإمارات والسعودية التقيتهن في الحفل الأخير لجائزة "لوريال".
كيف تنظرين إلى تقدم خطوات المرأة عمليا وعلميا في البلاد العربية إجمالا؟
أصبحت خطوات المرأة العربية في هذا المجال سريعة وواثقة ومميزة ببصمات متنوعة في مختلف المجالات، وذلك بناء على سياسات التشجيع المحلية المتبعة حاليا، وهذا لا يعني أنها لم تكن من قبل منتجة أو مميزة، لكن اتخذ قرار إلقاء الضوء على قدرات المرأة. وأدعو كل الرائدات في العالم العربي في السعودية والإمارات والكويت وقطر ومصر وتونس والمغرب وغيرها من البلاد إلى العمل يدا بيد، فنحن بحاجة إلى دعم بعضنا البعض وتعزيز جهودنا والوصول إلى الأعلى، لأني أؤمن بقدرات وتفوق النساء العربيات، لكن لا بد من وضع اليد باليد والركض وراء طموحنا الكبير. لنكون المثل والقدوة والدعم لكل صبية لتصل إلى المكانة التي ترسمها لمستقبلها.
تذكرين دائما أنه لا بد من دفن الحرب وإعطاء الأولوية للعلم والثقافة والاقتصاد، ما الذي تحلمين به للبنان؟
كلل الحزن قلوب اللبنانيين، وأصبحت الحياة صعبة للغاية في ظروف هذا البلد الذي يعاني على مختلف الصُعد، لذلك أقول إنه حان وقت التغيير والتخلص من الوجع الظاهر في وجوه الكثيرين. فمن حق الجيل الجديد أن يحلم ويعيش في بلد خالٍ من الفساد. ومن حق المرأة اللبنانية أن تتمتع بكامل حقوقها من إعطائها الجنسية لأولادها إلى مسألة القانون المدني والعنف ضد المرأة، وصولا إلى فرض الكوتا وغيرها. ولا بد لنا اليوم من التمسك بالثقافة والعلم وبلبنان المنفتح الذي علينا أن نعيده إلى مجده، انطلاقا من مقولة أرددها دائما، وهي أن العمل السياسي الصالح ينبثق من النزاهة والأخلاق والثقافة.
وراء كل امرأة عظيمة رجل، من الرجل الذي يدعمك؟
لا أستطيع إلا أن أقول إن زوجي هو الداعم الأول والأهم في حياتي، فعندما انتقلت إلى أميركا التقيت به وتزوجته، وأبدى استعدادا كبيرا لدعمي وإكمال دراساتي العليا، لأنه لمس في داخلي الحماس الكبير للعلم وللمعرفة والتخصص. وعندما تخرجت قال لي: "أضع العالم بين يديك، وعليك اختيار المكان الذي تحلمين بالعمل فيه"، وزوجي إنسان ناجح يعمل في مجال البترول في شركة يابانية، ويسعى لدعمي الدائم ولنجاحي ونجاحه. وأنا اليوم مؤمنة بدوري وبعطاءاتي، وعلي أن أحاول بأقصى جهدي الوصول إلى النجاح والإصلاح الذي أحلم به على الرغم من إحساسي الكبير بالصعوبات والعراقيل الكبيرة التي بدأت ألمسها من اليوم الذي ترشحت فيه. ومن خلال مهمتي الجديدة كنائبة أريد أن أنشر الثقافة والعلم والحضارة بكل طاقاتي وقوتي وعزيمتي، فنحن نريد أن نعيش في البلد الذي نحلم به بعيدا عن الحرب والبغض.. وأدعو كل المثقفين والبارعين من اللبنانيين في أنحاء العالم إلى مساعدتي لتحقيق هدفي وتقديم وطن جديد.
شاركت في تأسيس "خضة بيروت"، وهي مبادرة شعبية وطنية انطلقت في اليوم التالي لانفجار مرفأ بيروت، ما كان الهدف من ورائها؟
"خضة بيروت" هي مبادرة شعبية وطنية انطلقت في اليوم التالي لانفجار مرفأ بيروت، وتألفت من أكثر من مئة أستاذ وخبير في محاولة لإعادة الحياة لبيروت، وعملنا بطريقة منهجية، وركزنا على القطاع الصحي، ودعم المؤسسات التجارية والبيئة وغيرها. وشعرت في ذلك الوقت بحجم الفساد الهائل في لبنان في مختلف المجالات، فكانت هذه المبادرة بمنزلة خضة في قلبي دفعتني بقوة كبيرة بطريق اتخاذ قرار المشاركة في إصلاح هذا الوطن على الرغم من تنبيه إدارة جائزة "لوريال-يونسكو" الدولية للمرأة لي بخسارة ترشيحي لجائزة نوبل إذا أقدمت على العمل السياسي.
ماذا تقولين لأبناء بلدك اليوم؟
أقول للشباب: إياكم واليأس، عليكم بالمثابرة والسعي وراء أحلامكم وطموحاتكم، لتصلوا إليها بدعمي وبدعم كل مؤمن بمستقبل لبنان. كما أدعو النساء إلى دعم بعضهن البعض في كل المجالات بكل قوة وإصرار