تعرفي على النوستالجيا وتأثيرها على حياتك
ربما لم تسمعين عن مُصطلح النوستالجيا من قبل، وربما قد تُلازمك وأنتِ لا تعلمين. لذا دعينا نُبحر معكِ في علوم النفس وأسرارها، لنتعرف على تاريخ ظهورها، ومن اكتشفها، وما مدى تأثيرها على حياتك، وأهم الدراسات الحديثة التي كشفت عن قدرتها على تجاوز الأزمات.
النوستالجيا هي مصطلح يُستخدم للتعبيرعن الحنين إلى الماضي، أوالعيش في الماضي، وهي مُتلازمة تُصيب الإنسان الذي يحن دائماً إلى الماضي والذكريات، والذي يرى أن الماضي جميل جداً بكل ما فيه من أحداث.
ظهرت النوستالجيا لأول مرة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وتحديداً في عام 1688، بمعنى الحنين إلى الوطن، أوالانتماء الحقيقي إلى الوطن، أوالعودة النهائية إلى الوطن. أصل الكلمة يوناني مُكونة من Nostos، وهي العودة إلى الوطن، وalga هي الألم.
اكتشفها طبيب سويسري في أواخر القرن السابع عشر، عندما لاحظ على مرضاه أنهم مهووسون بالعودة إلى الماضي، وبدأت الأعراض بالظهورعليهم وهي فقدان الشهية، والإغماء، والانتحار، والهلوسة، والأوهام، والجنون.
وفي ذاك الوقت، صُنفت النوستالجيا كثاني أكثر الأمراض العقلية بعد الهستيريا، وفي عام 1790 تم اللجوء إلى العلاج بالألم والإرهاب، وهو تخويف المرضى وتهديدهم بضربهم، أو دفنهم أحياء، ثم اختفت النوستالجيا لمدة من الزمن، وظهرت مرة أخرى تحت مسميات أخرى، إذ أصبحت تُستخدم النوستالجيا للتعبيرعن أي شيء جميل أوممتع حدثَ في الماضي.
من ناحية أخرى، صُنفت النوستالجيا بأنها مرض، أوحالة من حالات الاكتئاب، ولكن اختلف العلماء في تصنيف النوستالجيا بأنها أمر إيجابي أم سلبي.
من هذا المُنطلق، دعينا نتعرف على آخر المُستجدات حول مصطلح النوستالجيا وتأثيرها على حياتك في العصرالحالى بحسب ما أقرته الدراسات الحديثة، وأيدته استشارية الطب النفسي وتعديل السلوك والمهارات الدكتورة شريفة السيد أحمد من القاهرة.
الحنين إلى الماضي أو ما يُسمى بالنوستالجيا له أسبابه
أوضحت دكتورة شريفة، أن الحنين إلى الماضي أوما يُسمى بالنوستالجيا سلاح ذو حدين، وله إيجابياته وسلبياته. لكن بصفة عامة له أسباب مُتعددة، أبرزها التالي:
- يلجأ الإنسان إلى النوستالجيا حتى يُذكر نفسه ما كانَ عليه وما أصبح عليه الآن ليُقارن نفسه بنفسه ويعرف ما تغير به سواء كان التغيير إيجابياً أم سلبياً.
- يبدأ بالتغيير من نفسه، وهُنا النوستالجيا تُعطي الشخص الشعور بالقوة والراحة في حال كنا قادرين على استيعاب التغيير والتحكم به.
- يلجأ الإنسان إلى النوستالجيا حتى يهرب من واقعه المؤلم، فعندما يتعرض إلى حادث أو أمر حزين مؤلم، فإنه يشعر بالراحة عند التفكير في الماضي ويشعر بالأمان والاطمئنان النفسي.
تأثيرات النوستالجيا السلبية على حياتك
أشارت دكتورة شريفة، إلى أن لجوء المرأة إلى العيش في الماضي والانغماس فيه كثيراً، واللجوء إلى أساليب وحيل دفاعية مثل أحلام اليقظة، أوإنكار شيء حدث في الماضي، هذا من شأنه أن يؤدي إلى إعاقة نموها وتطورها، كما أنها ستُصبح غير قادرة على اتخاذ أي قرار في حياتها، أوأن تتطور بشكل سليم في الحياة في المُجمل العام.
والجدير بالذكر، أن معظم الدراسات أقرت ذلك وحذرت من أن تكوني عزيزتي أسيرة الماضي. ووفقاً لما نشره موقع " سيكولوجي تو داي" Psychology today فقد حذرت سوزان ديجيس وايت، أستاذة الإرشاد النفسي في جامعة إلينوي الشمالية، في مقالها عبر الموقع من الانغماس في الذكريات والأوقات التي مضت. إذ يجعل هذا الانغماس عقولنا أسيرة للماضي وعالقة في ذكرياتنا مع أشخاص فقدناهم، أوأوقات في حياتنا كانت أفضل وأكثر رفاهية، ونُفكر طوال الوقت كيف كانت الأمور سابقاً، ونرفض الواقع الحالي وتحدياته. وهو ما يؤثر سلباً على صحتك العقلية والنفسية.
النوستالجيا ومنظورها الإيجابي في حياتك
أكدت دكتورة شريفة، أن الحنين إلى الماضي أوما يُسمى النوستالجيا يتعلق عادةً بالذكريات المهمة، مثل الذكرى السنوية لحدث مهم، وأعياد الميلاد، واللحظات المميزة في حياتنا منذ الطفولة التي تشاركناها مع أفراد الأسرة والأصدقاء، وشعرنا خلالها بالدفء والرضا والحنان والفرح.
ومع استذكارها قد ينتابنا المشاعر نفسها، ونشعُر بدفء في قلوبنا ينتشر أثره في جميع أنحاء جسمنا، وقد نُدرك أننا نبتسم الآن مع تذكُر هذه اللحظات. ما يُساعد هذا الاتصال بالماضي على الشعور بالأمان والاتصال مع أحبائنا، وذلك يُعزز ثقتنا لمقاومة التحديات الحالية، ويُساعد في تخفيف المشاعر السلبية.
الذكريات وعلاقتها بتحسين صحتك النفسية
توصلت الدراسات الحديثة إلى عدة نتائج أيدتها الدكتورة شريفة، وذلك بشأن الحنين إلى الماضي أوما يُسمى بالنوستالجيا أوذكرياتنا وعلاقتها بصحتنا النفسية، وذلك على النحو التالي:
الاحساس بالأصالة
خلصت دراسة حديثة نُشرت في مجلة "علم النفس الاجتماعي التجريبي" Journal of Experimental Social Psychology العلمية، إلى أن رحلة قصيرة في ذكرياتنا يُمكن أن تزيد احساسنا بالأصالة والألفة، وذلك يُعزز الرفاه النفسي، وعرفت الدراسة الأصالة بأنها شعور المرء بالاتساق مع ذاته الحقيقية.
تُحسن الأصالة الناتجة عن الحنين إلى الماضي من صحتنا النفسية، إذ تؤثر إيجابياً على العلاقات الاجتماعية، ومستوى النشاط والحيوية، والكفاءة، وتزيد من التفاؤل، وتُساعد على امتلاك معنى للحياة، وكل ذلك ينعكس على الحالة النفسية.
تقوية العلاقة بالآخرين
وفقًا لدراسة نُشرت في المكتبة الوطنية للطب National Library of Medicine في الولايات المتحدة، فإن الحنين إلى الماضي هو عاطفة توثق علاقتنا بالآخرين، وتُعزز الترابط الاجتماعي.
إذ يُساعدكِ استدعاء الذكريات وأنتِ برفقة أهلك وأصدقائك، ومشاهدة مقاطع الفيديو لطفولتكِ وصوركِ القديمة على الشعور بأنكِ أقرب وأكثراتصالاً مع من يشاركونكِ هذه اللحظات، ويُقوي ارتباطك بهم.
تعزيز المشاعر الإيجابية وتحسين المزاج
وفقًا لدراسة نُشرت في مجلة الوعي والإدراكConsciousness and Cognition يُساعد الحنين إلى الماضي أوما يُسمى بالنوستالجيا على تحسين المزاج وتعزيز المشاعر الإيجابية، فإذا كُنتِ مغمورة بالمشاعر السلبية، فيُمكن استدعاء الذكريات السعيدة أن يُساهم في تهدئة نفسكِ وتخفيف حدة مشاعركِ مؤقتاً.
من ناحية أخرى، أوضحت المعالجة النفسية الأميركية ديانا وودهاوس لموقع "إيفري داي هيلث"Everyday health أن تأثيرالنوستالجيا في تعزيز المشاعر الإيجابية يمكن استغلاله لمساعدة الأشخاص الذين يعانون من صعوبة في تنظيم مشاعرهم، فيمكن لاستدعاء الذكريات السعيدة أن يحول المشاعر السلبية إلى مشاعر حيادية أوحتى إيجابية، وهو ما يساعدهم في تهدئة أنفسهم واستخدام آليات التأقلم الصحية.
مقياس للتطور الذاتي
وأكدت وودهاوس على أن الحنين إلى الماضي يُمكن أن يكون مقياساً يُظهر لنا مدى تقدمنا وتطورنا الذاتي والتغييرالذي حدث لنا بمرور الوقت، فلا يحدث التغيير بين عشية وضحاها. وأضافت أن " تذكر الماضي يُساعدنا على الاستفادة من التجارب السابقة ومعرفة كيف تطورنا حتى أصبحنا ما نحن عليه الآن".
الحنين الاستباقي عكس النوستالجيا
الحنين الاستباقي هوالذي يسمح لنا بالتوقف وإدراك سحراللحظات الفريدة في حياتنا والاحتفاظ بها لتساعدنا في المستقبل. على سبيل المثال: " أحيانا نمُر بحدث ما ونشعُر بالحنين إليه بينما لا نزال خلاله، فهل سبق لكِ أن كُنتِ في خضم لحظات سعيدة وراودتك أفكارأن هذه اللحظات بمشاعرها ستصبح ذكرى سعيدة وتود الاحتفاظ بها والتركيز في تفاصيلها لتبقى معك في المستقبل".
وبالتالي قد يُساعدنا الحنين الاستباقي على البقاء يقظين هنا والآن، وحاضرين بعقولنا ومشاعرنا في الوقت الحالي والاستمتاع بالحدث، ويزيد شعورنا بالتقدير للأوقات الإيجابية ولمن يشاركونا هذه اللحظات، وللأماكن التي تشهد ذكرياتنا الفارقة. وبينما قد يكون الحنين الاستباقي شعوراً يركز على المستقبل، إلا أنه يحدث في الوقت الحالي ويربطنا بالحاضر.