مرض الربو "كاتم الرتئين".. والتحسسي أكثر أنواعه شيوعًا
كما أن للماء أهميةٌ كبرى كونه "يحيي كل شيء"، للهواء أهميةٌ مماثلة كونه يمنح "النفس" للرئتين؛ ومنهما يُمنح الإنسان فرصة البقاء على قيد الحياة مع كل نفس يدخل ويطلع من صدره.
لذا فإن الأمراض الصدرية مثل مرض الربو، قد تُشكَل معضلةً كبيرة لجهة التنفس السليم؛ فهي تعيق علينا القيام بأعمال مجهدة مثل التمارين الرياضية وغيرها، كما تمنع الأطفال الصغار من ممارسة الألعاب والاستمتاع بسنوات طفولتهم البريئة مع أقرانهم.
ولهذه الغاية، اختارت منظمة الصحة العالمية شهر مايو من كل عام؛ للتوعية بمرض الربو بمختلف أنواعه ، خاصة الربو التحسسي الذي يُعد الأكثر شيوعًا بين الناس. وتعكف كافة المؤسسات الطبية والمؤسسات المعنية بموضوع الربو خلال هذا الشهر التوعوي، بالتشديد على أهمية الفحص الدوري وعدم إهمال أية أعراض مُبكرة للمرض قد تُنذر بعواقب وخيمة في حال عدم علاجها والتخفيف عنها.
لمعرفة المزيد عن الربو "كاتم الرئتين" كما يُطلق عليه، والذي يصيب 10% من سكان العالم؛ توجهنا إلى الدكتور جاسم عبدو، استشاري أمراض الرئة في "هيلث بوينت". كما قدم لنا الدكتور رونالد بورسيل، اختصاصي الحساسية والمناعة في مستشفى "كليفلاند كلينك"، أفضل النصائح الواجب اتباعها لتشخيص مرض الربو التحسسي وعلاجه.
بدايةً مع الدكتور عبدو ومعرفة المزيد عن مرض الربو..
الربو هو أكثر أمراض الجهاز التنفسي شيوعًا ويصيب الكبار والصغار. ومن أهم أسبابه الاستعداد
الوراثي، مع عوامل خارجية مُحفَزة للمرض مثل الغبار والتهابات الجهاز التنفسي كالزكام والتعرض للحيوانات.
من أبرز أعراض الربو:
- السعال المزمن.
- ضيق التنفس.
- الأزيز في الصدر خاصةً في فترة الليل.
كما يمكن أن يصاب مريض الربو بنوبات ربوية شديدة تتطلب نقله للمستشفى.
ما هي أنواع مرض الربو، وما هو الربو التحسسي تحديدًا؟
هناك العديد من الأنواع لمرض الربو مثل الربو التحسسي، والربو الموسمي، والربو الناتج عن حساسية الأسبرين، والربو الناجم عن ممارسة التمارين الرياضية، والربو المهني وغيرها. ويُعتبر الربو التحسسي أكثر أنواع الربو شيوعًا؛ وعلى الرغم من أن أسبابه غير معروفة بشكل دقيق، إلا أن أعراضه ترتبط بمُسبَبات الحساسية التي تُحفَز نوباته عند استنشاقها، مثل حبوب اللقاح، والوبر، والعفن، وعث الغبار، والحشرات وغيرها.
لماذا يُعد الربو من الأمراض التنفسية المُزمنة التي لا يمكن شفاؤها نهائياً؟
يجيب الدكتور عبدو على هذا السؤال قائلًا: "لأن مرض الربو ينجم عن استعداد وراثي مع العوامل الخارجية المُحفَزة كالتعرض للغبار وغيره. لكن تتواجد العديد من الخيارات العلاجية حسب شدة المرض للسيطرة عليه بشكل جيد.
البعض يتساءل هل الربو مرضٌ مرتبط بالطفولة فقط، أم يمكن تطوير هذا المرض مع التقدم بالسن؟
بحسب الدكتور عبدو، تبدأ أعراض مرض الربو غالبًا في مرحلة الطفولة، قبل سن الخامسة في العادة. ويعاني العديد من الأطفال من الربو الذي يُعتبر أكثر الأمراض المُزمنة شيوعًا لدى الأطفال، وقد تتفاقم حالتهم وتجبر ذويهم على نقلهم للمستشفى. إلا أن العلاجات المُتاحة اليوم يمكن أن تساعدهم في السيطرة على المرض.
إلا أن مرض الربو ليس حكرًا على الأطفال، وهنا الإجابة على التساؤل أعلاه؛ إذ يمكن للبالغين التعرض لهذا المرض وهو أمرٌ شائع. وقد تساهم بعض العوامل الحياتية في إصابة البالغين بالربو مثل التدخين، التغيرات الهرمونية لدى النساء، بيئة العمل المليئة بمُسبَبات الحساسية، زيادة الوزن، ومشاكل الجهاز الهضمي كالارتجاع المعدي المريئي.
في هذه الحالات، كيف يمكن علاج الربو والوقاية من مضاعفاته؟
يقول استشاري أمراض الرئة في "هيلث بوينت" أن العديد من الأدوية الفعالة تتوفر على شكل بخاخ لمرضى الربو ؛ وفي الحالات الشديدة، قد يعطي الطبيب حقنًا معينة للسيطرة على المرض. ويُوصى مرضى الربو بالابتعاد عن مُسبَبات الحساسية ونوبات الربو، والالتزام بالخطة العلاجية المُحددة من قبل الطبيب.
نصائح حول تشخيص الربو التحسسي وعلاجه
تُقدّر هيئات مثل منظمة الصحة العالمية، أن أكثر من 260 مليون شخص في جميع أنحاء العالم يعانون من الربو؛ رغم أن الاختبارات والفحوصات والتشخيصات تختلف من بلد إلى آخر.
وقد يعاني الأفراد الذين يصابون بالعطس وصفير أو أزيز في الصدر وضيق التنفس في آن واحد من الربو التحسسي؛ الأمر الذي يمكن أن يؤثر في جودة حياتهم اليومية. ولكن هناك العديد من الطرق التي يمكن من خلالها إدارة هذه الحالة التحسسية، وفقًا لخبير طبي.
ويوضح الدكتور رونالد بورسيل، اختصاصي الحساسية والمناعة في مستشفى "كليفلاند كلينك"، أن الربو التحسسي هو أكثر أنواع الربو شيوعاً وينجم بشكل رئيسي عن عوامل بيئية.
ويضيف: "عندما تجتمع أعراض الحساسية مع الربو؛ فإن هذه الحالة تُعرف بإسم الربو التحسسي، والتي تؤدي إلى تضيَق مجرى الهواء كلما استنشق الفرد مادة مُسبَبة للحساسية. وفي حين أن العديد من مُسبَبات الحساسية يمكن أن تؤدي إلى الربو التحسَسي؛ إلا أنها تشترك في شيء واحد وهو أن جميعها موجود في البيئة المحيطة بنا، وليس في الطعام أو الأدوية".
ولفت اختصاصي الحساسية والمناعة، إلى أن عوامل الحساسية البيئية يمكن أن تشمل وبر الحيوانات الأليفة (خلايا الجلد الميتة)، عث الغبار، الصراصير، العفن وحبوب اللقاح. وعندما تكون حبوب اللقاح أو العفن المُسبَبات التي تقف وراء هذا النوع من الحساسية، فإن هذه الحالة تحدث فقط بشكل موسمي. أما إذا تسببت الحيوانات الأليفة أو عث الغبار الموجود على الفراش في إثارة الحساسية، فقد تستمر الأعراض بالظهور على مدار العام.
أعراض الربو التحسسي.. هل تشبه أعراض التهاب الأنف التحسسي
يجيب الدكتور بورسيل على هذا السؤال بالقول: "من المرجح أن تظهر على الشخص الذي يعاني من الربو التحسسي، أعراض التهاب الأنف التحسسي وأعراض الرئة في الوقت نفسه. ويؤثر التهاب الأنف التحسسي أو حمى القش، على الأنف والجيوب الأنفية؛ وقد يُسبَب أعراضًا تشمل العطس والاحتقان وحكة الأنف والعينين. من ناحية أخرى، يؤثر الربو بشكل رئيسي على الرئتين، وقد يُسبَب أعراضًا تشمل السعال أو الأزيز (صفير في الصدر) أو ضيق الصدر أو ضيق التنفس أو سرعة التنفس".
وأشار بورسيل إلى أن أعراض الربو التحسسي عند الأطفال، يمكن أن تكون أكثر دقةً. فقد يخبر الأطفال والديهم بإنهم متعبون للغاية ولا يمكنهم اللعب؛ ولكن يجب على الآباء التحقق من وجود بعض الأعراض مثل الأزيز أو السعال أو أي صعوبات في التنفس.
إجراءات الفحوصات والعلاج الخاصة بالربو التحسسي
وفقًا للدكتور بورسيل، يمكن أن يساعد إجراء فحص أو اختبار للحساسية في تحديد مُسبَبات الحساسية؛ ويمكن أن تساعد الاختبارات الإضافية في تأكيد إصابة الشخص بالربو من عدمها. وبمجرد تشخيص الإصابة بالربو التحسسي، فإن تحديد مُسبَباته وتجنبها سيساعد في السيطرة على الأعراض.
ولتقليل مُسبَبات الحساسية في المنزل، يوصيك الدكتور بورسيل بالتالي:
- استخدام مُرشَح جسيمات الهواء عالي الكفاءة (HEPA) لتقليل المُحفَزات المحمولة جوًا.
- الحدَ من التعرض للحيوانات الأليفة أو تجنبها إذا لزم الأمر.
- استخدام أغطية خاصة لتجنب عث الغبار على الفراش، والتأكد من بقاء مستويات الرطوبة الداخلية عند نسبة 35٪ لتقليل التعرض لعث الغبار.
- التخلص من بقايا الطعام التي يمكن أن تجذب الصراصير، أو حفظها في أواني مُحكمة الإغلاق؛ وتنظيف أرضيات وأسطح المطبخ بانتظام.
- تغيير الملابس والاستحمام عند الدخول إلى المنزل؛ إذا كان المرء يعاني من حساسية حبوب اللقاح، إضافةً إلى إغلاق الأبواب والنوافذ عند وجود كميات كبيرة من حبوب اللقاح.
- التحقق من وجود أي آثار أو أشكال للعفن والتخلص منها، والتي يمكن أن تتطور وتنتشر في المساحات الداخلية، في حال وجود أي مصدر غير مرغوب فيه للرطوبة مثل السباكة المتسربة.
ماذا بشأن الأدوية المتوفرة حاليًا.. هل هي فعالة
ينوَه الدكتور بورسيل إلى أن الخبر السار هو أن علاجات الربو التحسسية المتوفرة اليوم - بالأخص الأدوية وأجهزة الاستنشاق - فعالةٌ للغاية، كما أنها سهلة الاستخدام نسبيًا وآثارها الجانبية قليلة.
وأضاف: "في حال وجود أعراض شديدة لا تستجيب معها الأدوية، أو في الحالات التي لا يمكن فيها تجنب المحفزات؛ فإن برنامج العلاج الذي يشتمل على حقن الحساسية (العلاج المناعي للحساسية) يمكن أن يكون فعّالًا للغاية، إذ تساعد هذه الحقن في بناء مناعة ضد مُسبَبات الحساسية مثل وبر القطط والكلاب وعث الغبار وجراثيم العفن وحبوب اللقاح من الأشجار أو النباتات أو الأعشاب الضارة. ويمكن لهذه الحقن أن تُخفَف من الربو التحسسي والتهاب الأنف والتهاب الملتحمة في العين".
لكن في الوقت ذاته، يحذر اختصاصي الحساسية والمناعة من "كليفلاند كلينك" على أنه في حين أن حقن الحساسية تبدو مناسبةً بشكل عام للبالغين والأطفال فوق سن الخامسة؛ إلا أنها ليست مناسبةً للجميع. على سبيل المثال، الأشخاص المصابون بأمراض شديدة في القلب، أو الذين يحتاجون لتناول بعض الأدوية مثل حاصرات بيتا لخفض ضغط الدم، فهم غير مؤهلين لإعطائهم هذا النوع من الحقن.
وختامًا، يؤكد الدكتور بورسيل على جميع الأفراد الذين يعانون من الربو التحسسي أو لديهم أحد الأقارب أو أفراد العائلة يعاني من هذا المرض؛ بعدم الاستسلام وترك هذا المرض يفسد جودة حياتهم. بل ينبغي العمل المتواصل مع مُقدَمي الرعاية الصحية من أطباء وممرضين ومختصين وغيرهم، لإدارة الحالة؛ بحيث لا تحدَ أبدًا من الأنشطة التي يحبونها. وسيساعد العمل مع الطبيب المختص على إيجاد خطة علاج مناسبة لكل مريض حسب حالته الصحية.