أسماء البدوي غيّرت قواعد اللعبة.. قصة امرأة لم تعرف لطموحها حدودا
تعرفنا اليها عندما أحرزت نقاطا في سلّة الاتحاد الدولي لكرة السلة FIBA، بعد تقديمها التماسا، ونجاحها في إقناع الاتحاد برفع الحظر عن الحجاب وأغطية الرأس في الرياضة الاحترافية. فجأة غيّرت أسماء البدوي قواعد اللعبة، وفرضت معايير جديدة، عبّدت من خلالها الطريق للنساء والفتيات الراغبات في احتراف لعبة كرة السلّة. أثبتت أسماء، الشاعرة والناشطة أيضا، أن للمرأة صوتا، وأن "لا شيء مستحيلا" شعار الحملة الشهيرة التي كانت وجهها الإعلاني. إنها لاعبة كرة السلّة السودانية - البريطانية التي لم يحدّها شيء، كسرت جميع الحواجز، وتحدّت العوائق والصورة النمطية التي رسمت للمرأة على مرّ السنين، فأثبتت جدارتها وتميّزها، وأصبحت نموذجا يحتذى به، ومصدرا لتمكين المرأة في الملعب وخارجه. وقبل أن أدعكم تتمتعون بالحوار الشائق الذي أجريناه مع أسماء، أستحضر قولا للشاعر والفيلسوف اللبناني جبران خليل جبران: "لا تقوم الأمم ولا تبنى الحضارات، إلا على أكتاف المرأة"، وقصّة أسماء شاهد على ذلك.
أنتِ معروفة بلاعبة كرة السلة المحجبة التي غيّرت قواعد اللعبة للسماح للمرأة المسلمة بارتداء الحجاب خلال ممارستها رياضة كرة السلة، ويبدو أنكِ تتحمسين عندما يتعلق الأمر بكسر الحواجز. أخبرينا المزيد عن ذلك.
ذهبت إلى مدرسة ثانوية للفتيات المسلمات في إنجلترا. وأحببت مادتين هما الفنون والرياضة. لكن كثيرا ما قيل لي إنه لا يوجد لك مستقبل في هذه المجالات، وإنني سأفشل في الحياة إذا لم أُولِ مزيدا من الاهتمام للعلوم والرياضيات. فضلا عن ذلك، اعتبر أكثر أساتذتي أن تصرفاتي لا تتوافق وصورة الفتاة المسلمة المثالية. كنت أعلم أنه لم يكن هناك أي خطأ فيما كنت أفعله، ولم يتعارض مع الشرع، وذلك من خلال أغلبية حواراتي مع والديّ والتعليم الإسلامي الذي تلقيته. كان من المستحيل أن أمتهن الطبّ أو الهندسة، لأن هذه المهن لا تُعبّر عن شخصيتي. لذلك عندما تركت المدرسة شعرت بأنني بحاجة لأن أثبت لنفسي وللآخرين أنني أستطيع أن أنجح في الفنون والرياضة. ومع مرور الوقت، أصبحت الحدود أكبر ومع كل نجاح شعرت بأنه في الواقع لا يوجد حدود لما يُمكننا فعله نحن البشر. الحدود الوحيدة هي التي نضعها لأنفسنا أو للآخرين.
قدمتِ التماسا، ونجحتِ في إقناع الاتحاد الدولي لكرة السلة FIBA برفع الحظر عن الحجاب وأغطية الرأس في الرياضة الاحترافية. ماذا يُمثّل هذا الإنجاز بالنسبة لكِ على المستويين الشخصي والمهني؟
لقد نشأت في مدينة صغيرة، لذا شكّل إجراء هذا التغيير على النطاق العالمي الذي غيّر تاريخ كرة السلة إنجازا كبيرا بالنسبة لي. لقد جعلني أدرك مدى أهمية أصواتنا، وأنه لا يهم من أين أتينا، أو عدد المتابعين لدينا، أو ما هي الخلفية، يمكننا دائما جعل الآخرين يسمعوننا ويستمعون إلينا.
فيما يتعلق بحياتي المهنية، أشعر بأنني أسهمت بشيء في الرياضة التي أحبها، وأزلت الحواجز أمام الفتيات والنساء اللواتي سيأتين من بعدي، واللواتي يعشقن الرياضة التي أحبها أيضا.
أنتِ نموذج يحتذى به للاعبات كرة السلة. ما النصيحة التي تقدميها لهن إذا كن يتطلعن إلى الاحتراف؟
النصيحة التي أود أن أقدمها للنساء اللواتي يحاولن الاحتراف هي إجراء الكثير من الأبحاث في المسارات المختلفة المتاحة في منطقتهن، والتي يمكن أن تدعم أهدافهن. ومحاولة الالتحاق بنادٍ مع مدرب يهتم بتطوير كل لاعب.
أعتقد أن نضالكِ من أجل الشمولية في عالم الرياضة لم ينتهِ بعد. ما خطوتكِ القادمة؟
قضيت معظم السنوات القليلة الماضية أمام الكاميرا، فقد كشفت لي عن رياضيين آخرين من جميع أنحاء العالم ومبدعين يشاركونني القيم نفسها. أتمنى أن أقضي المزيد من الوقت خلف الكاميرا، وأن أشارك قصص نساء ورجال آخرين من خلفيات مماثلة لي. بحيث يمكن للفتيات والفتيان الأصغر سنا رؤية المزيد من الأشخاص الذين يشبهونهم في الفنون والرياضة.
أنتِ اليوم مصدر تمكين للمرأة العربية. خلال مسيرتك المهنية من الشخص الذي منحك القوة ودفعك إلى الأمام وأخبرك أنه لا يوجد شيء مستحيل كما قلتِ للنساء في حملة "لا شيء مستحيلا" THE IMPOSSIBLE IS NOTHING؟
أثّر والداي في كثيرا. منذ صغري أجريت الكثير من المحادثات مع والدي ووالدتي حول ما أريد أن أفعله في حياتي، ودائما ما دفعاني لفعل المزيد. بالنسبة للرياضة، والدي على وجه الخصوص لم يكن يريدني أن ألعب فقط، لقد أراد مني أن أجري تغييرا خارج الملعب، وظل يخبرني أنني كفتاة سودانية أستطيع أن ألهم فتاة أخرى إذا تعلمت أن أدرِّب. والدي ينظر الى الرياضة على أنها مهارة حياتية وأداة للحفاظ على صحتنا ونشاطنا. أتاح لي والداي مساحة لمشاركة أحلامي معهما، ثم دعماني في تحقيقها.
أنتِ شاعرة ولاعبة كرة سلة وناشطة. ما شغفك الحقيقي؟
شغفي الحقيقي هو سرد القصص. خلفيتي التعليمية هي التصوير الفوتوغرافي والفيديو، وهذا جنبا إلى جنب مع الشعر يؤثر في كيفية رؤيتي للعالم، وكيف أنقل قيمي وخبراتي وتجارب الآخرين إلى المجتمع. أعتقد أنه من خلال مشاركة قصصنا وقصص الآخرين، يمكننا معرفة المزيد عن بعضنا البعض وجعل العالم مكانا أفضل.
غالبا ما يمثّل الرياضيون مثلك شخصيات خارقة وغير عادية في نظر الجمهور. غير أنهم في حياتهم الشخصية قد يواجهون الكثير من التحديات المتعلقة بصحتهم النفسية. ما رأيك؟ وهل سبق لك أن واجهت تحديا كهذا؟
ركزت على صحتي النفسية كثيرا خلال السنوات القليلة الماضية، خاصة بعد أن أصبحت تحت الأضواء. هناك الكثير من التوقعات والقواعد غير المكتوبة حول الطريقة التي من المفترض أن تتصرف بها بمجرد أن تصبح مشهورا، وأنا أجدها غير واقعية. كلما شعرت بالارتباك، أميل إلى الابتعاد والاهتمام بنفسي من خلال العلاج والمحادثات مع عائلتي وأصدقائي المقربين. لقد وجدت أن خلق حدود وتحديدها للآخرين يمنعني من المعاناة من الإرهاق، وكذلك قضاء بعض الوقت في الأسبوع لفعل أشياء أستمتع بها من دون وجود هاتفي أو الكاميرا.
ما شعاركِ في الحياة؟
شعاري هو أن أفعل ما أحبّه، وأن أسمح لله بأن يرشدني ويفتح لي الأبواب.