التجميل وتأثيره على الصحة النفسية.. إيجابي أم سلبي؟!

التجميل وتأثيره على الصحة النفسية.. إيجابي أم سلبي؟!

جمانة الصباغ

قد لا يكون ممكنًا الحديث بإنصاف عن هوس العمليات التجميلية، كون بعضها له مُبرَرات صحية ونفسية عديدة؛ لكن من الممكن التطرق للحديث عن تأثيرات هذه العمليات على الصحة النفسية، وكيف يمكن للهوس الشديد بها أن يُخرَب حياتنا ويجعلنا غير قادرين على تقبَل أنفسنا.

الجمال شيءٌ رائع، لا يختلف إثنان على هذا الأمر؛ فالله جميل ويحب الجمال، هي العبارة التي نرددها دومًا كلما لمحنا طفلًا جميلًا يضحك أو غمرتنا نفحة هواء باردة أو عبقت رائحة الورود الفواحة في أنوفنا.

كل هذه الأشياء الجميلة تجعل الحياة ممكنة وسهلة، فما بالكِ بالاختلاط بأشخاص جميلين من الخارج والداخل على حد سواء؟

الدكتورة مروة عيد طبيبة تجميل من مركز كوزموسيرج دبي
الدكتورة مروة عيد طبيبة تجميل من مركز كوزموسيرج دبي

هذا هو المعيار الذي يستند عليه الكثير منا.. تحقيق التوازن بين الداخل والخارج، مع التركيز أكثر على الناحية الجمالية الداخلية التي تبقى مهما تقدم بنا العمر والزمن. إلا أن هذا المعيار، قد يكون شهدَ بعض الاختلال في زمننا الحالي؛ مع تهافت الناس على العمليات التجميلية وطرق العناية المكثفة بالبشرة والجسم، ليبدو المرء في أحلى وأجمل صورة، وشباب على طول.

هوس التجميل لم يعدَ محصورًا على فئة معينة من الناس (وأقصد هنا النساء) بحكم طبيعتهنَ الميَالة للتمتع بالجمال والشباب على الدوام؛ بل طرقت أبواب وعقول الرجال أيضًا، الذين نجدهم اليوم يتهافتون كما المرأة على مختلف أنواع وممارسات التجميل.

كبارًا وصغارًا، وقعوا للأسف في براثن "الجمال المزيف" الذي يدغدغ عقولهم وقلوبهم؛ ويجعلهم يتخذون خيارات غير موفقة أو لا حاجة لها، للقيام بعمليات تجميلية متعددة. وكما أسلفنا في البداية، بعض هذه العمليات لها ضروراتٌ صحية ونفسية؛ لكنني أتحدثُ بشكل خاص هنا عن العمليات التي لا داعي لها، لكن الحجة دومًا أنها "تُحسَن من نفسيتي" كما يحلو للبعض التحجج.

فهل للعمليات التجميلية تأثير إيجابي على الصحة النفسية؟ وماذا عن الآثار السلبية، وكيف يتحول هوس عمليات التجميل إلى مشكلة نعاني منها على الصعيد النفسي بصورة قاتمة؟ هذا ما نستعرضه سويًا مع الدكتورة مروة عيد، طبيبة تجميل في عيادة كوزموسيرج دبي،في موضوعنا اليوم.

تأثير الطب التجميلي على الصحة النفسية

عندما نتحدث عن الجمال، فإنه يمكن أن يكون له تأثيرٌ كبير على تقدير الفرد لذاته وثقته النفسية. فالشعور بالجمال يمكن أن يُعزَز من الثقة بالنفس والرضا عن الذات، وهذا ليس محصورًا على الجانب الجسدي فقط؛ بل يشمل أيضًا الجوانب النفسية والعاطفية. من هنا جاء تطوَر مجال الطب التجميلي، كوسيلة لتحسين الجمال وبالتالي تعزيز الثقة النفسية.

تعتمد عمليات الطب التجميلي على تحسين ملامح الوجه والجسم والعديد من الإجراءات الأخرى لتحسين مظهر الفرد. وبالطبع، يمكن أن يكون لهذه الإجراءات تأثيرٌ إيجابي على ثقة الشخص بنفسه؛ حيث يشعر الفرد بأنه أكثر جاذبيةً وجاهزيةًلمواجهة العالم بثقة.

ومع ذلك، يجب أن نفهم أن الجمال ليس كل شيء، وأن الثقة الحقيقية تأتي من الداخل.فالاعتماد الزائد على الطبالتجميلي قد يؤدي إلى مشكلات صحية نفسية، مثل اضطراب نفسي تعبيري يُعرف بـ "اضطراب الاستدلال على الجسم"؛ حيث يصبح الشخص مهووسًا بتحسين مظهره بشكل مفرط.

علينا التذكير أن تحسين الجمال يجب أن يكون قرارًا شخصيًا،يستند إلى احتياجات ورغبات الفرد؛لا أن يكون ناتجًا عن ضغوط اجتماعية. كما من الضروري أن يكون هناك توازنٌ بين السعي للجمال والمحافظة على الصحة النفسية.

عمليات التجميل المعقولة تترك أثرًا جيدًا على الصحة النفسية
عمليات التجميل المعقولة تترك أثرًا جيدًا على الصحة النفسية

تأثير الجمال على الثقة بالنفس

الثقة بالنفس هي أساس الصحة النفسية؛وتُظهر العديد من الدراسات أن الأشخاص الذين يختبرون ثقة أكبر بأنفسهم، يمكنأن يكونوا أكثر نجاحًا في العديد من جوانب حياتهم. وهنا يأتي دور الطب التجميلي كمُحفَز لزيادة هذه الثقة. بعد إجراءعملية تجميلية ومشاهدة التحسين الملحوظ في المظهر، يزداد شعور المرء بالثقة بنفسه.

التحديات والأثر السلبي لعمليات التجميل

مع ذلك؛ يجب أن ندرك أن هذا الزيادة في الثقة بالنفس، قد تأتي مع تحدياتها. فبعض الأشخاص يمكن أن يبدأوا في الشعور بالضغط للمحافظة على المظهر الذي تحسَن بواسطة التجميل،والقلق من فقدان هذا التحسين قد يؤدي إلى توتر نفسي شديد. بالإضافة إلى ذلك، قد يكون هناك ضغوط من المجتمع ووسائل التواصللتحقيق معايير الجمال المثالية، ما يمكن أن يؤثر على الصحة النفسية.

إذن، كيف نحافظ على صحتنا النفسية بموازة الخضوع لعمليات التجميل؟

تؤكد الدكتورة عيد على أهمية التفكير بأمور معينة، للحفاظ على الصحة النفسية وعدم الإنجرار وراء هوس العمليات التجميلية.

وهذه النصائح يمكن تلخيصها بالآتي:

  • الاعتدال: من المهم أن يكون التجميل جزءًا من عملية العناية بالذات، وليس الهدف الوحيد. قد يكون من المفيد تذكير النفس بأهمية الجوانب الداخلية والعواطف.
  • التفكير الإيجابي: يمكن أن يساعد هذا التفكير الإيجابي، واستقبال التغييرات بإيجابية، على تعزيز الثقة بالنفس والصحةالنفسية.
  • الدعم النفسي : لا تترددي في طلب المساعدة من مختصين نفسيين، إذا كنتِ تشعرين بأي تحديات نفسية بعد الخضوع لعمليات التجميل.

معلومات إضافية عن عمليات التجميل وأثرها على الصحة النفسية

إلى ذلك، سألنا الدكتورة عيد بعض الأسئلة التي قد تكون حاضرةً لدى الكثيرات من قارءاتنا؛ مثل أكثر الأماكن المطلوبة للتجميل، هل تتحسن الصورة الذاتية من خلال التجميل، شرح السلبيات بجانب الإيجابيات لهذه العمليات.. والأهم، نصيحة الخبيرة للأشخاص الذين لديهم "هوس التجميل".

هوس الجمال قد تكون له تداعيات سلبية على الصحة النفسية
هوس الجمال قد تكون له تداعيات سلبية على الصحة النفسية

ما هي أكثر الأماكن / المناطق التي يطلب الناس إجراء عمليات تجميلية لها؟

يتباين طلب الناس على العمليات التجميلية حسب الثقافة والمجتمع. لكن غالبًا ما يكون الوجه (مثل عمليات تجميل الأنف والوجه) والصدر (زراعة الثدي) والبطن (شد البطن) من بين المناطق الأكثر شيوعًا.

كيف ساعدت عمليات التجميل التي أجريتها لبعض مرضاكِ، في تحسين صورتهم بنظر أنفسهم؟ وكيف لمستِ هذا التأثير؟

عمليات التجميل يمكن أن تكون لها تأثيرٌ إيجابي كبير على صورة الذات. وتقليل عيوب المظهر من الطبيعيأن يزيد الثقة بالنفس ويُحسَن الرفاهية النفسية. المرضى الذين يحققون نتائج جيدة عادةً، يشعرون بزيادة في الثقة والسعادة بأنفسهم.

هل تنصحين من يعانون من تشوهات في الجسم والوجه بإجراءات تجميلية، بغية تعزيز ثقتهم بأنفسهم؟

يجب أن يتم توجيه الأشخاص الذين يعانون من تشوهات في الجسد أو الوجه، إلى مختصين في طب التجميل. وفي حالات التشوه الجسدي البارز، يمكن أن تكون هذه العمليات ضرورية لتحسين الجودة الحياتية والصحة النفسية.

هل شرح سلبيات ومخاطر العمليات التجميلية قبل القيام بها، يُثني البعض عن القيام بها؛ خاصةً في حال لم تكن ضرورية؟

نعم، من المهم دائمًا شرح السلبيات والمخاطر المحتملة لعمليات التجميل قبل إجرائها. يمكن أن يساعد ذلك في توعية الأشخاص بأنه ليست هناك ضمانات 100% للنجاح، وأن هناك مخاطر وآثار جانبية ممكنة.

ما هي نصائحك للأشخاص الذين لديهم هوسٌ غير طبيعي بالعمليات التجميلية؟

للأشخاص الذين يعانون من هوس غير طبيعي بالعمليات التجميل، يُنصح بشدة بالبحث عن المشورة النفسية والتحدث مع متخصص نفسي. إذ قد تكون لديهم احتياجات نفسية،تتطلب معالجة قبل القيام بأي عمليات تجميلية.

في الختام، يمكن أن يكون للطب التجميلي تأثيرٌ إيجابي على الصحة النفسية من خلال تعزيز الثقة بالنفس والرضا عن الذات. ومع ذلك، يجب أن يتم استخدامه بحذر ووعي وبتوازن مع الاحتياجات الشخصية والقيم الداخلية. تحقيق التوازن بين الجمال الخارجي والثقة بالنفس الداخلية يمكن أن يكون المفتاح للحفاظ على صحة نفسية جيدة ورفاهية عامة. وينبغي على الفرد دائمًا أن يفهم أن الجمال الحقيقي يأتي من الداخل؛ وأن الثقة النفسية تعتمد على العديد من العوامل الأخرى بالإضافة إلى المظهر الخارجي.

كما يجب أن تُتخذ قرارات التجميل بحذر ووعي، مع مراعاة الجوانب الجسدية والنفسية؛ والعمل مع محترفين طبيين مؤهلين لضمان تحقيق النتائج المرجوة والحفاظ على الصحة النفسية.