"لوريال – اليونسكو من أجل المرأة في العلم" يحتفي بالمرأة العربية.. ولقاءات حصرية لـ"هي" مع باحثات عربيات بارزات
يتمتع العالم العربي بنصيبه من العالمات الرائدات، وقد لعب عملهن دوراً رئيسياً في معالجة القضايا التي تؤثر على المجتمع العالمي. ولكن على الرغم من الجهود الكبيرة لإشراك النساء والفتيات في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات على مدى العقود الماضية، إلا انهن ما زلن مستبعدات من المشاركة الكاملة في هذه المجالات.
لمعالجة تلك الفجوة بين النساء والرجال في مجال العلوم، يأتي برنامج " برنامج المواهب الشابة الإقليمي في الشرق الأوسط لوريال - يونسكو للمرأة في العلوم" لإنصاف المرأة وتعزيز دور النساء في العلوم وتسليط الضوء عليهنّ وجعل مواهبهنّ معروفة، كما ولإلهام الأجيال القادمة على اختيار المهن العلمية.
وتحت شعار "العالم بحاجة إلى العلم، والعلم يحتاج إلى النساء" احتفى البرنامج بالشراكة مع جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا، وبدعم سارة بنت يوسف الأميري وزيرة الدولة للتعليم العام والتكنولوجيا المتقدّمة، رئيس مجلس إدارة وكالة الإمارات للفضاء، بعقدٍ من تمكين الباحثات من دول مجلس التعاون الخليجي في مجالات علوم الحياة والفيزياء والرياضيّات وعلوم الكمبيوتر، واللاتي شققن طريقهن رغم التحديّات للإسهام في تحفيز الاكتشافات العلميّة في المنطقة.
منذ تأسيس البرنامج في دول مجلس التعاون الخليجي في العام 2014، حقّق البرنامج إنجازات كبيرة في مجال رعاية وتعزيز المساعي العلميّة لـ51 باحثة عربية من خلال تقديم منح تبلغ قيمتها 3.4 مليون درهم إماراتي ودعم نموّهن المهني.
وضمّت قائمة الفائزات العديد من الباحثات اللاتي حصلن أيضاً على تقدير عالمي، حيث فازت خمس منهنّ بجوائز المواهب العالمية الصاعدة، بينما حصلت أربع أخريات على جائزة "لوريال-اليونسكو من أجل المرأة في العلم" العالمية. ويُعتبر البرنامج الإقليمي جزءاً من مبادرة "لوريال-اليونسكو" العالمية من أجل المرأة في العلم، التي كرّمت خلال الدورات الماضية أكثر من 4100 باحثة بارزة و127 فائزة بجائزة عالمية في أكثر من 110 دول منذ انطلاق البرنامج في العام 1998. وقد شهد حفل الذكرى العاشرة هذا العام تكريم 11 باحثة من دول المجلس التعاون الخليجي يتمتّعن برؤية مستقبليّة ثاقبة وذلك تقديراً ودعماً لدورهنّ المحوري في النهوض بالمعرفة وإيجاد حلول للقضايا العالمية الملحّة.
في التقرير التالي، نتركك في الجزء الأول مع حوارات مميزة أجرتها "هي" حصريًا مع عالمات شابات عربيات سطعن في مجال العلوم، وحققّن إنجازات واختراعات علمية بارزة، وحصلن على جوائز مرموقة عالمية وجائزة "لوريال-اليونسكو من أجل المرأة في العلم" العالمية تقديراً لدورهن في ترقية وتطوير العلم.
الدكتورة الإماراتية نهى مسعد الإمام لـ"هي": تطوير المؤشرات الحيوية المبكرة لمرض سرطان الثدي سيحسّن في تقديم الرعاية الصحية للمرضى
أشارت الدكتورة نهى مسعد الإمام إلى أن البحث الذي تقوم به يهدف إلى فك شفرة التفاعل المعقدة بين السرطان والجهاز المناعي لفهم تقدم السرطان وتحديد مسارات محتملة لزيادة نسب البقاء لدى المرضى. يدور هذا المشروع بشكل رئيسي حول استكشاف بروتين معين (GPR68) الذي يظهر في سرطان الثدي والخلايا المناعية الموجودة في بيئة الورم. ويمكن أن تساعد الأبحاث في تحديد مؤشرات حيوية موثوقة إلى تعزيز التشخيص المبكر لسرطان الثدي والتنبؤ باستجابة المريض للعلاجات المتاحة، فضلاً عن كونها هدفاً علاجياً محتملاً لمرضى سرطان الثدي. بالإضافة إلى ذلك، قد تمنح النتائج الفرصة لتمكين الأطباء من اختيار علاجات مخصصة للمريض، مما يقلل من الآثار الجانبية ويزيد من فعالية العلاج. كما يمكن أن تساهم هذه البحوث بشكل كبير في تقديم رعاية صحية أفضل لمرضى سرطان الثدي وزيادة فهمنا للمرض نفسه، مما يفتح أبواباً لعلاجات أكثر فعالية وفرص أفضل للشفاء.
وعن التحديات التي واجهتها خلال أبحاثها، قالت الدكتورة الإمام: "كان هناك تحدياً كبيراً متعلقاً بتحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية. فالموازنة بين متطلبات البحث وساعات العمل الطويلة في المختبر ومسؤوليات الأسرة يمكن أن تكون صعبة. للتغلب على ذلك، أصبحت ماهرة في إدارة الوقت وتحديد الأولويات بوضوح والبحث عن دعم من عائلتي وزملائي. بالإضافة، كانت هناك تحديات تتعلق بالنتائج غير المخططة لها في مجال البحث الطبي. سعيت دائماً لمتابعة شغفي والمثابرة في مسيرتي العلمية التي حلمت بها دائماً، وقد جعلتني هذه التجارب عالمة أكثر صموداً وعزماً على المساهمة في تحقيق تغييرات إيجابية في مجتمع البحث للأجيال المستقبلية من الباحثات".
أما عن التكريم االذي تلقته الدكتورة الإمام من مؤسسة "لوريال"، اعتبرت أنه يمثل شرفاً كبيراً ومصدر إلهام وتجربة مميزة ومفعمة بالفخر، كما يعكس الاعتراف بجهود الباحثات في ميدان العلوم، ويظهر التزام مؤسسات رائدة مثل "لوريال" بدعم المرأة في البحث العلمي. "إنها فرصة لزيادة الوعي بأهمية دور المرأة في البحث العلمي في مجتمعنا وللتشجيع على المزيد من الابتكار. فهذا التكريم يذكرني دائماً بالمسؤولية الكبيرة التي نحملها كباحثات في تقديم تقنيات وعلاجات تفيد المجتمع وتعزز جودة الحياة".
وفي الختام، توجهت الدكتورة نهى مسعد الإمام برسالة للشباب والنساء اللاتي يطمحن للعمل في مجالات العلوم والبحث العلمي، وقالت: آمنوا بأنفسكم وثقوا بقدراتكم وإمكانياتكم. فكل واحد منكم لديه القدرة على التفوق في مجال شغفه. استمروا في التعلم وتطوير مهاراتكم فالعلم لا ينتهي. اختاروا مجالاً يشعل شغفكم ويثير اهتمامكم؛ حتى تكونوا مصدر إلهام دائم. كونوا مستعدين للتحديات واعتبروها فرصاً للنمو والتعلم. ابنوا شبكات قوية مع باحثين آخرين حتى تفتح أبواباً لفرص مهنية وتعاون مشترك؛ فالعمل الجماعي يمكن أن يؤدي إلى اكتشافات مبتكرة. اعملوا على ترك بصمة إيجابية في المجتمع من خلال البحث والعلم وكونوا نموذجاً يلهم الأجيال الصاعدة. فالمجالات العلمية والبحثية تقدّم فرصاً رائعة للتعلم والمساهمة في تقدم المعرفة البشرية. كونوا مستعدين للارتقاء بهذا التراث الثقافي والعلمي وتحقيق أهدافكم بشغف وإصرار". وطلبت من للمجتمع تشجيع الباحثين والباحثات الشباب بالترويج للثقافة البحثية ونشر القيمة الثقافية للبحث والابتكار في المجتمع من خلال التعليم والإعلام، ودعمهم عن طريق توفير منح دراسية وتمويل للأبحاث وإنشاء بيئة بحثية تشجع على التفكير الإبداعي والابتكار.
الباحثة الإماراتية سارة إسحاق الخوري لـ"هي": دراسة الوقود الحيوي الصديق للبيئة سيساهم في تخفيف التأثيرات السلبية على المناخ
يتضمن البحث الخاص بالباحثة الإماراتية وطالبة الدكتوراة سارة إسحاق الخوري تحسين وتصميم المواد المحفزة (مواد تقلل من طاقة التفاعل الكيميائي) لتفاعل إزالة الأكسجين من زيت النخيل لإنتاج وقود حيوي صديق للبيئة مثل البنزين الأخضر ووقود الطيران الأخضر والديزل الأخضر. وبما أن الإمارات تعتمد بشكل كبير على البترول كمصدر رئيسي لتشغيل قطاع النقل مما يهدد أمن الطاقة على المدى الطويل لكونه مصدر غير متجدد، يأتي البحث الذي يتضمن إنتاج واستخدام الوقود الحيوي من مصدر متجدد مثل زيت النخيل ليخلق خيارات آمنة ونظيفة للوقود في قطاع النقل، ويمكن أن تخفف من التأثيرات السلبية على المناخ، وهذا يتماشى تماماً مع سنة الاستدامة في دولة الإمارات العربية المتحدة وأهداف اجتماع COP28 العالمية للمناخ. من خلال تطوير تكنولوجيا لإنتاج وقود متجدد خالٍ من الكربون، ستستطيع الإمارات تحقيق تنويع اقتصادي وتقليل اعتمادها على الوقود الأحفوري، وتطوير صناعات جديدة وخلق فرص عمل.
وحول التكريم من مؤسسة "لوريال"، أعربت الباحثة الإماراتية سارة إسحاق الخوري عن مشاعرها وفرحتها الكبيرة عند معرفتها بفوزها بهذه الجائزة المرموقة وتمثيل العالمات الشابات اللواتي يسعين للتوازن بين وظائفهن ومسؤولياتهن كأمهات. واعتبرت أن نشر البحث الذي يسعى إلى حلّ تحديات حالية مثل التغيير المناخي والاستدامة، من خلال مؤسسة عريقة مثل لوريال يمكن أن يلهم الباحثين الآخرين ويسهم في تقدم المعرفة العلمية.
وعن كيفية تغلبها على كافة التحديات التي واجهتها خلال البحث، اعتبرت الخوري أن الشغف كان "النجم الذي أضاء طريقي وجعلني أتخطى كل الصعاب. هدف واضح ومحدد وكفاءات متطورة هي الدروع التي حملتها في هذه المعركة العلمية. علمتني الرحلة أن التعلم والنمو لا يأتيان دائماً بسهولة، لكنهما يأتيان دائماً بقوة. واجهت تحديات كبيرة في محاولة تحقيق التوازن بين مسؤوليات البحث العلمي و الأمومة. و لكن الدعم المستمر الذي حصلت عليه من زوجي ووالديّ و مستشارتي الأكاديمية (البروفيسورة كرياكي بوليكرونوبولو) له أهمية كبيرة جداً في مساعدتي على تجاوز العقبات والمضي قدماً في مساري المهني. على مدار الرحلة، استمدت قوتي من التفكير الإيجابي والإيمان بأن النجاح هو نتيجة العمل الجاد والإرادة القوية. تحقيق هذا الإنجاز ليس نهاية الرحلة بل بداية لمشوار أعظم، حيث سأواصل تقديم الدعم والإلهام للشابات الصاعدات لتحقيق أحلامهن وتغيير العالم بإبداعهن".
ودعت الخوري المجتمع إلى دعم الباحثين الشبان بتقديم منح وجوائز بحثية، وتوفير بنية تحتية وإرشاد، وتشجيع التعاون وتنظيم فعاليات بحثية.
وختاماً، توجهت الخوري لجميع الشابات الصاعدات اللواتي يسعين لتحقيق نجاح في مجال العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، بالقول: "أنتن مستقبل الإمارات والعالم، وقوتكن وإمكانياتكن ليست لها حدود. لا تترددن في متابعة شغفكن واستكشاف مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات بكل ثقة. تذكرن دائماً أن التحديات تجعلنا ننمو ونتطور، والفشل هو جزء من رحلة النجاح. قمن بالتعلم والاستفادة من الفرص والتوجيهات التي تقدمها دولتنا وقيادتنا الرشيدة، واعملن بجد لتحقيق أهدافكن. تمتلكن إمكانية تغيير العالم من خلال الابتكار والاكتشاف، ولديكن القدرة على تحسين حياة الناس وحلّ المشاكل العالمية. تكمن قوتكن في تنوع أفكاركن وتجاربكن، ولهذا السبب يجب أن تثقن في أنفسكن وتواصلن بالعمل الجاد لتحقيق أحلامكن".
الباحثة السعودية ليلى علي الدخيل لـ "هي": تحديد الكائنات الدقيقة التي يمكنها تحليل البلاستيك يقدّم حلاً مستداماً لإدارة النفايات ومساعدة البيئة
تشرح الباحثة السعودية وطالبة الدكتوراة ليلى علي الدخيل تفاصيل بحثها الذي يركز على أحد اكثر القضايا العالمية البيئية المهمة ألا وهي التلوث البلاستيكي وما يخلفه من أضرار جسيمة على البيئة والحياة البرية وكذلك الانسان. حظيت مشكلة تلوث الميكروبلاستيك عالمياً باعتراف كبير من قبل المجتمع العلمي، مما يؤكد على جدية هذه المسألة. ومع ذلك، هناك نقص ملحوظ في الأبحاث المتعلقة بفحص تلوث الميكروبلاستيك في مياه البحار في الشرق الأوسط وتربة نباتات القرم التي تلعب دور مهم للبيئة، وكذلك هناك نقص علمي عن تأثير قطع البلاستيك الصغيرة على البيئة وصحة الإنسان. لذلك، من الضروري إجراء مزيد من الاستقصاءات في هذا المجال المحدد لفهم مدى حجم هذه المشكلة. من خلال هذا البحث بالذات، تهدف الدخيل إلى تحديد تحالفات ميكروبية مناسبة ووضع إطار لهندسة المجتمع الميكروبي ونشاطه الايضي لزيادة عملية تحلل البلاستيك بكفاءة، حيث أن هذه البكتيريا المستخرجة من الطبيعة لها قدرة على تحليل البلاستيك باستخدام انزيمات تفكك قطع البلاستيك، وبذلك يتم التخلص منها. وبالتالي، تقديم حلاً مستداماً وبيئياً لمشكلة تلوث البلاستيك في الشرق الأوسط وعلى الصعيدين الوطني والعالمي. يذكر، أن ولي العهد السعودي قام مؤخراً بإطلاق استراتيجية جديدة لجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، بهدف تحويل الأبحاث إلى ابتكارات تأتي بأثر اقتصادي، بما في ذلك أبحاث الاستدامة البيئية.
أما عن تجربتها بعد علمها بتكريم "لوريال"، قالت: "كانت مشاعري مختلطة ما بين السعادة والحماس وكنت مصدومة نوعاً ما. هذه الجائزة تتجاوز تقديري الشخصي؛ إنها تمثل رمزاً للأفراد الذين يواجهون تحديات صحية، وتُظهر أنهم يمكنهم تجاوز القيود وتحقيق النجاح فأنا اعاني من مرض وراثي ولكن حولت هذا المرض الى دافع للدراسة. مثل هذا التقدير هو مصدر إلهام لي، ويجدد التزامي تجاه عملي بحماس وإصرار أكبر.
في ما يتعلق بالعقبات والتحديات التي واجهتها، كشفت إلى أنها اضطررت في بداية مشوارها لدراسة الدكتوراة لإعادة التجربة في استخلاص البلاستيك من عينات التربة أكثر من مرة وذلك لصعوبة استخراج قطع البلاستيك الصغيرة من التربة ودراستها، وإلى اتخاذ أيضاً قرارات صعبة ومصيرية تتطلب الشجاعة والتخلي عن المألوف. وهذا ما جعلها تدرك أهمية تقدير الوضع والمخاطر واتخاذ هذه القرارات حتى لو كانت تحمل تحديات كبيرة، والاحتفال أيضاً بأصغر الإنجازات بكل فخر، لأنها تمثل خطوات نحو تحقيق الأهداف الكبيرة. ولفتت إلى أن أهم عامل ساعدها في تجاوز الصعوبات هي بناء شبكة علاقات اجتماعية قوية مع أصدقاء ناجحين وداعمين، قدموا النصائح والدعم عندما كان ذلك ضرورياً، وساهموا في توجيهها نحو النجاح.
وقدمت الباحثة الدخيل نصيحتها للشباب والنساء اللاتي يطمحن للعمل في مجالات العلوم والبحث العلمي، بالقول: "أنصح الشغوفين بالعلم توسيع معرفتهم واستغلال هذه الفرص لصالح مجتمعاتهم والعالم ككل. أنا خاصة أرغب في تشجيع الشابات على متابعة شغفهن، والاعتماد على قدراتهن، وقبل كل شيء، على عدم التخلي عن أحلامهن. العلم مجال متطور باستمرار، مع إمكانيات لا نهائية لتحقيق تأثير إيجابي. أنا أحث الجميع على عدم التردد والاستفادة من الفرصة للاستفادة من قوة العلوم لعمل تغير إيجابي للمجتمع. "المجتمع بحاجة للعلم والعلم بحاجة للنساء".
وأخيراً، ختمت الدخيل بدعوة المجتمع لدعم الباحثين الشبان، من خلال توفير الموارد المالية من المؤسسات والجمعيات والحكومات وتقديم منح دراسية للطلاب والطالبات لتحقيق أهدافهم البحثية. وأيضاً من خلال التدريس وتعزيز المستوى العلمي للطلاب وتحفزيهم على العطاء في مجال العلم. وكذلك دعم وتشجيع تحويل الأبحاث إلى خدمات تخدم المجتمع وتفيد البشر خصوصاً في مواضيع الاستدامة. كل هذا الدعم يحفز الطاقات الشبابية للإبداع في مجال العلوم وتحفيز الابتكار، لذلك يجب على كل شاب وشابة استغلال هذه الفرص بقدر المستطاع وعدم التردد في دخول مجال العلوم.