مريم المنصوري لـ"هي": هدفنا تسهيل عملية تداول المواد البلاستيكية المعاد تدويرها لتعزيز ممارسات الاستدامة
دبي: Cynthia Kattar
كان اللقاء الأول مع مريم المنصوري المديرة العامة لشركة "ريباوند" المحدودة خلال جلسة حوارية ممتعة بمناسبة يوم المرأة الإماراتية من تنظيم مجلس سيدات أعمال أبو ظبي، وقد لفتني حديثها الغني بالمعلومات القيّمة المتعلّقة بأهمية زيادة الوعي حول ممارسات الاستدامة في المنطقة، إضافة إلى الخدمات التي توفّرها من خلال شركة "ريباوند"، المنصة العالمية التي تتيح للمشترين والبائعين تداول المواد الأولية البلاستيكية المعاد تدويرها. معها كان هذا الحوار.
ما الذي ألهمك للعمل في مجال الاستدامة والحفاظ على البيئة وتأسيس شركة "ريباوند"؟
في الحقيقة لطالما كانت لدي اهتمامات بالمسائل المتعلقة بالبيئة، وكنت أفكر منذ أن كنت طالبة بالجامعة في ضرورة البحث عن وسائل جديدة لتعزيز ممارسات الاستدامة، ولا سيّما مع التقارير والأبحاث التي تشير إلى حجم التلوث البلاستيكي الحاصل في البيئة والمحيطات وآثاره السلبية في الحياة البحرية والبرية.
ولحُسن الحظ أننا نعيش في دولة الإمارات العربية المتحدة التي لم تدخر جهـــــدا في سبيـــل دعــــم المبــــادرات الراميــــــــة إلى تعزيز ممارسات الاستدامة محليا وعالميا، وتحرص دوما على دعم الأفكار والمشاريع الريادية التي تهدف إلى إيجاد حلول للتحديات المحلية والعالمية. وقد حظيت فكرة تأسيس شركة "ريباوند" ومنصتها العالمية لتداول المواد البلاستيكية بتشجيع من حكومة دولة الإمارات، لكونها تتوافق في أهدافها مع تطلعات الدولة ورؤيتها للمستقبل المستدام. وقد نشأت فكرة تأسيس هذه المنصة للمرة الأولى عام 2020 مع تفشي جائحة كورونا، إذ فرضت الزيادة الكبيرة في الطلب على مستلزمات الرعاية والحماية الشخصية ذات الاستخدام الواحد مثل القفازات والأقنعة والملابس الواقية، الحاجة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لدعم مبادرات وجهود إعادة تدوير المواد البلاستيكية. وبمساعدة خبرائنا، عملنا على إيجاد حل لهذا التحدي من خلال إنشاء منصة تربط المؤسسات والشركات من جميع أنحاء العالم حتى يتمكنوا من الوفاء بالتزاماتهم والحد من التلوث البلاستيكي. وفي ديسمبر من عام 2021، أسسنا شركة "ريباوند" المحدودة، ليبدأ في سبتمبر 2022، إطلاق منصة التداول الخاصة بنا.
أخبرينا عن شركة "ريباوند" وأبرز أهدافها.
تقدم منصة "ريباوند" حلا مبتكرا تقدمه دولة الإمارات للعالم أجمع للمساعدة في جهود الحد من التلوث البلاستيكي، وتعزيز نهج الاقتصاد الدائري. وتسهم المنصة في دعم قطاع إعادة تدوير البلاستيك من خلال توفير منصة عالمية تتيح للمشترين والبائعين تداول المواد الأولية البلاستيكية المعاد تدويرها والمضمونة الجودة عبر قنوات سلسة بكل كفاءة وموثوقية، وهو ما يجعل عملية تداول المواد البلاستيكية أبسط وأكثر كفاءة مع الالتزام باللوائح والسياسات الدولية.
وتعمل منصتنا على تعزيز ممارسات الاستدامة، والحد من التلوث البلاستيكي عن طريق زيادة الطلب على المواد البلاستيكية المعاد تدويرها. وتضمن المنصة من خلال بروتوكول شهادة ضمان الجودة توافق المواد البلاستيكية المعاد تدويرها التي يتم تداولها مع معايير الجودة العالية، ويمكنها تلبية احتياجات مجموعة متنوعة من القطاعات.
وتسهــــم منـصـتـنـــا من خــــلال تســهيـــــل عمــليــــة تــــــــــداول المواد البلاستيكية المعاد تدويرها، في تعزيز الاعتماد على المواد الأولية البلاستيكية المعاد تدويرها، وتعزيز الإمكانيات والفرص التي يوفرها قطاع إعادة تدوير البلاستيك عالميا.
ما أبرز الانجازات التي قامت بها الشركة حتى الآن؟ أخبرينا عن سياسة إعادة تدوير البلاسيتك التي تبنّتها دولة الإمارات.
بكل تأكيد تشكل الشراكات واتفاقيات التعاون ركيزة أساسية لنجاح أي مبادرة أو حل، ولا سيّما إذا كان هذا الحل يتجاوز النطاق المحلي والإقليمي ليصبح حلا عالميا، إذ لا بدّ من العمل على تعزيز أوجه التعاون، وخاصة مع الشركات والجهات التي تشاركنا الرؤية ذاتها نحو مستقبل أكثر استدامة.
وقد وصلتنا طلبات للانضمام إلى منصتنا من نحو 200 عضو من أكثر من 42 دولة في أقل من عام على إطلاق منصتنا، كما تمكّنا من بناء فريق متنوع من الخبراء والمواهب داخل دولة الإمارات وخارجها، والذين يتمتعون بمهارات متعددة في مجال التكنولوجيا والشؤون التجارية والبيئية. ونحن بصدد استكمال إصدار النسخة الشاملة من منصة "ريباوند"، والتي بدأنا العمل عليها منذ اليوم الأول لإطلاق الشركة. ومن الإنجازات الأخرى التي نفخر بها اختيارنا من جانب المنتدى الاقتصادي العالمي WEF ضمن مجتمع رواد التكنولوجيا، حيث كنا الشركة الوحيدة من دول مجلس التعاون الخليجي التي تُمنح هذا اللقب. كما أننا وقّعنا خطاب نوايا مع إحدى الشركات العالمية الشهيرة في مجال إعادة التدوير من اليابان، للتعاون في مشروع مشترك لإنشاء سوق لإعادة تدوير العبوات البلاستيكية في دولة الإمارات العربية المتحدة بالتعاون مع منظومة من الشركاء.
ولطالما أولت دولة الإمارات العربية المتحدة تعزيز ممارسات الاستدامة أهمية كبيرة منذ فجر التأسيس. ويشكل إعلان 2023 عاما للاستدامة في دولة الإمارات، في وقت تستعد فيه دولة الإمارات لاستضافة مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ "كوب 28"، دليلا على حرص القيادة الرشيدة لدولة الإمارات على دعم ممارسات الاستدامة، وزيادة الوعي حولها، إلى جانب إبراز الجهود التي تبذلها الدولة لتعزيز العمل الجماعي الدولي ومعالجة تحديات الاستدامة والبحث عن حلول مبتكرة تستفيد منها جميع دول العالم. وقد حرصنا على تصميم منصتنا لتتوافق عملياتها مع أفضل المعايير العالمية، بما يمكّن الحكومات والشركات في جميع أنحاء العالم من الاعتماد على خدماتنا، وتداول المواد البلاستيكية المعاد تدويرها بكل ثقة.
في رأيك، ما التحديات الأكثر إلحاحا في مجال الاستدامة التي تواجه مجتمعنا اليوم؟
باعتقادي أن التحدي الأبرز في مجال الاستدامة يتمثل في ضرورة زيادة الوعي المجتمعي حول ممارسات الاستدامة، بحيث يتحمل الجميع أفرادا ومؤسسات مسؤولياتهم تجاه البيئة من خلال اتخاذ قرارات أكثر استدامة وصديقة للبيئة. وفي الحقيقة لا يزال عدد كبير من الأفراد والمؤسسات في المجتمعات غير مدركين لمدى تأثير سلوكياتهم في البيئة. وبرأيي أن الاستدامة يجب أن تكون أسلوب حياة، وليست فقط مبادرة أو نشاطا مؤقتا نلتزم فيه لفترة من الوقت. وعلينا جميعا أن نتحلى بالوعي، ونراقب سلوكياتنا واختياراتنا وقراراتنا اليومية، ونتأكد من أنها صديقة للبيئة، سواء في منازلنا أو مكاتبنا أو سفرنا أو تجاربنا الشخصية.
لقد باتت مهمة التخلص من المواد البلاستيكية الموجودة في البيئة أكثر تحديا وصعوبة على نحو متزايد مع مرور الوقت. ووفقا لتقرير صادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، يشهد العالم سنويا إعادة تدوير تسعة في المئة فقط من النفايات البلاستيكية، بينما تتم إدارة نحو 22 في المئة من هذه النفايات بشكل سيئ. وكما هو معروف للجميع، يتسبب تراكم النفايات البلاستيكية في مدافن النفايات والمحيطات في حدوث مشكلات بيئية خطيرة، بما في ذلك الإضرار بالحياة البرية والبحرية والنظم البيئية الأخرى، لذا فقد أصبح من المهم للغاية التحرك لإيجاد حلول مبتكرة للحد من إنتاج البلاستيك، وزيادة معدلات إعادة التدوير.
برأيك كيف تلعب سياسات الحكومة والمنظمات في تعزيز الممارسات المستدامة في جميع الصناعات؟
بكل تأكيد تشكل السياسات الحكومية واللوائح التنظيمية محفزا أساسيا لتعزيز أنشطة إعادة التدوير وممارسات الاستــــدامة في مختـــــلف القـطــاعــــــات. وقـــــد أعلنــــــت حــكـــومـــــــة الإمــــارات خـــــلال الســـــنـــوات المــــاضــيـــة الكثـــــير من القــــــــوانيــن والقرارات والتشريعات التي تهدف إلى المحافظة على البيئة ومواردها الطبيعية. وتحظر أي سلوكيات قد تشكل خطرا عليها، وهو ما أسهم في ترسيخ نهج الاستدامة، وتعزيز ريادة دولة الإمارات ضمن مؤشرات التنافسية العالمية.
ومن المتوقع أن يؤدي القرار الوزاري الصادر عن وزارة الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، بتنظيم تصنيع وتجارة عبوات المياه البلاستيكية المعاد تدويرها إلى الحد من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون بمقدار 50 ألف طن متري، وتعزيز القيمة الوطنية المضافة بمقدار 150 مليون درهم إماراتي سنويا، وخلق أكثر من ألف فرصة عمل.
وفي ضوء خطط وزارة التغير المناخي والبيئة لتطبيق عدة مبادرات ومشاريع وأهمها تطبيق مبدأ المسؤولية الممتدة للمنتج، من المتوقع أن نشهد تحولا كبيرا على صعيد تعزيز الممارسات المستدامة في جميع القطاعات والصناعات في دولة الإمارات العربية المتحدة خلال السنوات القليلة المقبلة.
برأيك ما الاتجاهات أو التطورات الرئيسة التي ترين أنها تشكل مستقبل الاستدامة؟
يشكل وعي المستهلكين، سواء كانوا أفرادا أو شركات أو جهات حكومية، ركيزة أساسية في رسم معالم المستقبل المستدام للجميع. فعندما نتحدث اليوم عن الموارد، فإن كل شيء بات محدودا وشبه نادر، لذا كلما زاد استخدامنا للموارد والمنتجات، زادت حاجتنا إلى إعادة جمعها ونقلها، ومن ثم إعادة تدويرها لنستخدمها مرة أخرى. وسيسهم تبني مثل هذه العقلية في المحافظة على البيئة وضمان مستقبل أكثر استدامة للأجيال المقبلة. ولا بد من دمج هذه السلوكيات في الخطط الأسرية، واستراتيجيات الشركات، والسياسات الحكومية على نطاق أوسع.
وباعتقادي أن نهج الاقتصاد الدائري سيشكل أحد المعالم الرئيسة التي ترسم معالم مستقبل الاستدامة في مختلف دول العالم، فالنفايات البلاستيكية اليوم هي مصدر قلق بيئي متزايد عالميا. وتسهم إعادة تدوير المواد البلاستيكية ليس فقط في الحد من كميات النفايات البلاستيكية التي تُرمى في مدافن النفايات أو المحيطات، بل تحافظ أيضا على الطاقة والموارد المستخدمة في إنتاج السلع والمواد البلاستيكية الجديدة. وقد أدى ذلك إلى حدوث تحول في الطلب على المواد المستدامة، ومن المتوقع أن تصل قيمة سوق إعادة تدوير البلاستيك حول العالم إلى 46 مليار دولار بحلول عام 2025.
هل هناك أفكار خاطئة حول الاستدامة تواجهينها بشكل متكرر؟ وكيف تتعاملين مع هذه الأفكار الخاطئة؟
أعتقد أن واحدة من أكثر الأفكار الخاطئة التي كانت تنتشر في المجتمعات وبين الناس أن البلاستيك "مضر بالبيئة"، ويجب التوقف نهائيا عن استخدامه. ولكن مع تطوير تقنيات وحلول لإعادة تدوير البلاستيك، أعتقد أنه بات هناك وعي متزايد بأن إعادة التدوير تمثل حلّا مستداما وأكثر حفاظا على البيئة. فعند الاحتفاظ بالمواد البلاستيكية داخل الاقتصاد وبعيدا عن البيئة، فإنها توفر فرصا اقتصادية تصل إلى مليارات الدولارات.
وفي الحقيقة أن النشاط البشري هو الذي يسبب التلوث، وليس المادة نفسها. وكثير من الناس لا يدركون ما تعنيه الاستدامة، لأنهم يفترضون أن الشرب من الأكواب الورقية أكثر استدامة، وقد ثبت علميا خلاف ذلك. تحفزني هذه المعلومات الخاطئة على زيادة الوعي حول الممارسات الصحيحة للاستدامة، وشرح معناها الحقيقي، بما يسهم في إحداث التغيير الإيجابي المطلوب.
ما آمالك وتطلعاتك لمستقبل الاستدامة؟
في الحقيقة ندرك جميعا أن العالم يقف اليوم على مفترق طرق فيما يتعلق بحماية كوكب الأرض. وأملنا أن تحقق قمة المناخ "كوب 28" التي تستضيفها دولة الإمارات أهدافها في توحيد جهود دول العالم لاعتماد استراتيجيات طويلة المدى لخفض انبعاث الكربون، والحدّ من ارتفاع درجات حرارة الأرض، وتبنّي استراتيجيات الاقتصاد الأخضر، بما يسهم في خلق غد أكثر استدامة وازدهارا لجميع دول العالم.
وآمل أن يكون النظر إلى الاستدامة على أنها أسلوب حياة وضرورة تجب مراعاتها في كل قرار نتخذه على المستويين الفردي والمؤسسي، وآمل أيضا أن تتحول التعهدات والالتزامات التي أعلنت عنها الدول والشركات فيما يتعلق بتعزيز ممارسات الاستدامة إلى واقع ملموس، وأن يحرص صنّاع القرار في الشركات والمؤسسات على تطوير أعمالهم واستراتيجياتهم مع مراعاة مختلف ممارسات وجوانب الاستدامة.