مع بداية العام الجديد: قراراتٌ صحية عملية ينصحكِ الخبراء باتخاذها
مع كل شيء جديد، يبدأ التخطيط ووضع الإجراءات الواجب القيام بها لإتمام هذا الشيء؛ سواءلٌ كان ولادة طفل جديد، دخول الجامعة، الحصول على أول وظيفة أو الارتباط. كلها أمورٌ حياتية تتطلب منا التحضَر والترتيب لها، من خلال اتخاذ قرارات عملية مضمونة تُوفَر لنا النجاح في تحقيقها.
والأمر ذاته ينطبق على مسألة الصحة، التي ينبغي لنا ومع بداية كل سنة جديدة، التخطيط لها؛ سواء لجهة الحفاظ عليها في حال كانت الصحة مستدامة، أو السعي لتحقيق صحةٍ جيدة في حال كنا نعاني من أمراض أو مشاكل صحية.
الدكتور دايفيد كريل، الأخصائي النفسي لدى مستشفى كليفلاند كلينك، ينصح بالتركيز على مُحفزات "التغيير" وضمان وضع الأهداف وفق منهجية (SMART) لتحقيق النجاح طويل المدى، وهو ما سوف نتناوله بإسهاب في موضوعنا اليوم.
نصائح لاتخاذ قرارات صحية عملية خلال العام الجديد
عادةً ما يبدأ تجاهل الأفراد للقرارات المتعلقة بالعام الجديد بمجرد اتخاذها؛ويوضح الدكتور كريلبأن السبب في ذلك قد يكون متعلقًا بكيفية صياغة الأفراد لهذه القرارات، أكثر من كونه افتقارهم إلى قوة الإرادة.
وأضاف أخصائي علم فسيولوجيا الرياضة، وأخصائي التغذية المسجل في "كليفلاند كلينك": "بهدف تحسين فرص الوصول إلى النجاح طويل الأمد، يجب على الأفراد تحديد الأسباب وراء رغبتهم بتحقيق أهدافٍ معينة في أسلوب حياتهم، وتوخَي الدقة والحرص عند تحديدها. إن التفكير المستمر في سؤال (لماذا يود الأفراد تحقيق هذه الأهداف)، كفيلٌ بمساعدتهم في المحافظة على نفس الزخم وذلك بعد فتور الحماس الأولي الذي غالبًا ما يشعرون به لحظة اتخاذهم للقرار. وحتى لو فشل هؤلاء الأشخاص في تنفيذ القرارات التي اتخذوها، فإن بإمكانهم إعادة صياغتها بطريقة تدعم نجاحهم في تحقيق تلك الأهداف."
وبمجرد وضوح الدافع، يمكن للأفراد تحسين فرص نجاحهم من خلال قيامهم على سبيل المثال بأخذ التوازن بين الحياة والعمل بعين الاعتبار، والالتزام بإعطاء الرعاية الذاتية الأولوية ذاتها التي يعطونها لتحقيق النجاح في العمل.
منهجية SMART لتحقيق أهداف الصحة
بات معلومًا للجميع معنى كلمة SMART، وهي اختصارٌ لخمس كلمات تحمل أحرف الكلمة؛ وللتذكير، فإن SMART تعني : أهدافٌ محددة (Specific)، قابلة للقياس (Measurable)، قائمة على خطوات فعلية (Action-oriented)، واقعية (Realistic)، ومُحددة بإطار زمني (Time-bound).
بحسب الدكتور كريل، فإن الخطوة التالية بعد تحديد الأسباب، وضع وضع الأهداف المتعلقة بالصحة وفق منهجية (SMART). ويقدم الدكتور كريل المثال التالي لهدفٍتمَ وضعه وفقًالتلك المنهجية: "أريد النهوض في الساعة السابعة صباحًا لمدة أربعة أيام أسبوعيًا، كي أمشي لمدة 30 دقيقة".
ويُبيّن الدكتور كريل المنهجية المفيدة الأخرى التي يمكن اتباعها في هذا الصدد، والمتمثلة بإعادة صياغة الأهداف القائمة على النتائج لتصبح أهدافًا قائمة على السلوك، ويقول: "يبدأ الأفراد أحيانًا بهدفٍ قائمٍ على النتيجة، مثل الرغبة في خفض الوزن بمقدار 15 كيلوجرام؛ في حين قد يكون من الأجدى تحديد السلوكيات الواجب تغييرها من أجل تحقيق هذا الهدف، كأن يقرروا على سبيل المثال المشي على جهاز المشيعند مشاهدة برنامجهم التلفزيوني المفضل عوضًا عن الجلوس على الأريكة".
المحافظة على الزخم
أشار الدكتور كريل إلى أن وضع إطارٍ زمني لإجراء إعادة تقييمٍ دوري، يُعدَ أمرًا مهمًا أيضًا؛ خاصةً عند تجزئة الأهداف الشاملة إلى أهدافٍ قصيرة المدى وقابلة للقياس. وأوضح أنه بالإمكان إجراء عملية إعادة التقييم هذه من قبل الأفراد أنفسهم، أو بدعمٍ من المقربين منهم. مضيفًأ أن الخيارات الأخرى في هذا الإطار، تشمل الانضمام إلى مجموعةٍ أو برنامجٍ أو تطبيقٍ افتراضي أو شخصي، يزيد من شعورهم بالمسؤولية أو يُحفزهم على مواصلة العمل لتحقيق أهدافهم.
وتابع الدكتور كريل قائلًا: "يجب التفكير في هذه النقطة بشكلٍ جيد، وذلك لتجنب النتائج العكسية لقرار اختيار شريك المسؤولية. على سبيل المثال، إذا كان الفرد مُستجدًا في مجال ممارسة التمارين الرياضية، وقرر ممارستها مع صديقٍ لا يستمتع بالرياضة؛ فقد ينتهي الأمر بإقناع كل منهما للآخر بعدم القيام بأي نشاط في هذا السياق."
وأشار إلى أن استخدام الحوافز والمكافآت، هو إجراءٌ مفيدٌ آخر يمكن تطبيقه؛ وتتبع: "يُعدَالدافع الذاتي أكثر أهميةً من الدافع الخارجي بصورةٍ عامة. وعندما يتعلق الأمر ببدء شيءٍ جديد، فإن استخدام المكافآت بطريقةٍ حكيمة قد يكون مفيدًا جدًا، إذ أن اختيار أي نوعٍ من المكافآت غير الغذائية كالحصول على جلسة تدليك على سبيل المثال بعد عدة أسابيع، يمكن أن يُساهم في إبقاء الفرد متحمسًا للعمل على تحقيق الهدف الكلي."
وذكر الدكتور كريل أن وضع بعض الأهداف وفقًا لأسلوب "مرة واحدة فقط"، مثل التسجيل للمشاركة في سباق ماراثون لمسافة خمسة كيلومترات، يمكن أن يساعد أيضًا في دعم تحقيق الهدف بعيد المدى؛ مشيرًا إلى أن تحقيق عدة أهدافٍ مرحلية بسيطة وواقعية،قادرٌ على تعزيز ثقة الأفراد بأنفسهم وتحفيزهم.
الاستعداد للنجاح
في هذا الخصوص، أشار الدكتور كريل إلى أنه يجب على الأفراد،وبهدف زيادة فرصهم في تحقيق النجاح، الاستعداد والتدرب على مواجهة المُغريات والتحديات. وقال: "على سبيل المثال، إذا أردتِ الالتزام بالانضمام إلى صفٍ للتمارين الرياضية مرةً كل يومين، ولكنكٍ تعلمين من تجربةٍ سابقة أنكِ تشعرين بالتعب الكبير في بعض الأيام؛الأمر الذي يمنعكِ من ممارسة التمارين الرياضية، فإنه بإمكانكِ اتخاذ قرارٍمسبق بأن تقومي في مثل هذه الأيام بالتمرن لمدة 10 دقائق على الأقل، وهو أمرٌ يمكن القيام به بسهولة أثناء مشاهدة برنامج تلفزيوني."
هذه النصيحة تفيدني كثيرًا في الحقيقة، وليتني علمتُ بها من قبل.. إذ أنها ستساعدني على مواصلة التمرين الرياضي حتى وإن كنتُ أعاني من بعض التعب وآلام الشقيقة جراء القيام بتمارين رياضية قوية بين الحين والآخر.
تحديد العقبات التي تعيق النجاح
بالعودة إلى خبير الصحة النفسية الذي يُقدم نصائح جوهرية ومهمة فيما يتعلق بصحتنا، يُبيّن الدكتور كريل أنه يمكن للأفراد تحديد العقبات التي تواجههم مثل تقلبات المزاج التي قد تتعارض مع ما ينوون القيام به؛ ومن ثم يمكنهم التفكير في الأمور التي ساعدت في السابق على تخطي هذه العقبات،مثل التواصل مع الآخرين والذي يُعدَ عاملًا مساعدًا لتنشيط الأفراد،خاصةً عند شعورهم بالإحباط. وأضاف أنه في حال كان الأفراد ممن يُكثرون من تناول الطعام عند الشعور بالضغط والتوتر، فإن بإمكانهم التعامل مع هذا الأمر من خلال تحضير وجبةٍ ذات سعراتٍ حرارية مُحددة في خزانتهم كي يتناولوها، وهو ما سيساعدهم في التخلص من شعور "إما كل شيء أو لا شيء" الذي قد يساورهم ويدفعهم بلأكل بصورةٍ زائدة عن الحاجة.
واختتم الدكتور كريل بالقول: "في حال كانت هناك اضطراباتٌ مزاجية تعترض نجاح الأفراد، أو في حالعاشوا صراعًا مع مشكلةٍ ما مثل التحكم بوزنهم؛يمكنهم دومًادراسة خيار الحصول على الدعم من أخصائي نفسي في هذا المجال، لمساعدتهم في التعرف أكثر على مشكلتهم ومعالجتها".
خلاصة القول، أن تحقيق الصحة الجيدة والمستدامة ليس بالأمر الصعب، لكنه ليس بالتأكيد بالأمر اليسير أيضًا. إذ يمكن للعديد من المعوقات والمتاعب، أن تحدَ من رغباتنا وقدراتنا على المتابعة في طريق الصحة والسلامة بذات الزخم الذي عشناه في بدايات وضع الأهداف.
لذا من الضروري دومًا، تحديد المعوقات والقيام بالأشياء حسب استطاعتنا؛ والأهم كما أشار خبير الصحة النفسية، استشارة المختصين الذي يمكنهم إرشادنا إلى الطرق الصحيحة والفعالة لتحقيق هدف الصحة الجيدة ورفاهية الحياة.