الوباء الصامت: النساء واضطرابات أرضية الحوض
غالبًا ما تتأثر النساء، على مدار حياتهنَ، بالعديد من التغيرات والمؤثرات الخارجية والداخلية التي تنعكس سلبًا على صحتهنَ. فالمرأة، منذ سن البلوغ وحتى انقطاع الطمث والتقدم بالسن؛ تعيش فيما يشبه الأرجوحة الأفعوانية التي تنطلق بها للأعلى في يوم ما، ثم تهوي بها نحو الأسفل وبشدة في اليوم التالي.
وقد تستمر هذه الأرجحة لأوقاتٍ طويلة ولفتراتٍ لا بأس بها، ما يجعل المرأة عرضةً للتقلبات الجسدية والنفسية والذهنية بشكلٍ كبيرٍ وحاد في بعض الحالات.
مشاكل خاصة بالنساء.. موصومة اجتماعيًا
هناك أيضًا ما يُعرف في مجتمعات كثيرة، بالمواضيع التي لا يجب التطرق إليها عند الحديث عن صحة النساء؛ أمورٌ صحية تعانيها المرأة بصمت، ولا تجرؤ على البوح بها حتى لطبيبتها مخافة الوصمة الإجتماعية والإحساس بالنقص. وهو ما لا يُشجع عليه خبراء الصحة، ممن يُشدَدون على وجوب عدم تجاهل أية مشكلة صحية تلمَ بالمرأة في أي عمرٍ كانت؛ لأن التجاهل والتكتم على المشكلة، يمكن أن يؤدي بها إلى مضاعفاتٍ كبيرة لا تُحمد عُقباها.
من هذه المشاكل، ما له علاقة بالمسالك البولية؛ وهي من أكثر المشاكل شيوعًا بين النساء، خاصةً بعد الحمل والولادة. وبعض هذه المشاكل تستمر لوقتٍ أطول من المعتاد، ما يجعلها بحاجةٍ ماسة للمتابعة والعلاج بصورةٍ مناسبة. ويشير موقع "منظمة الصحة العالمية" إلى أنه من المرجح أن يعاني ما لا يقل عن 40 مليون امرأة كل عام من مشكلةٍ صحية طويلة الأجل ناجمة عن الولادة، وفقاً لدراسة جديدة نُشرت أواخر العام الماضي في مجلة ذي لانسيت غلوبال هيلث (" The Lancet Global Health").
وتُظهر الدراسة، التي هي جزءٌ من سلسلةٌ خاصة بصحة الأم، وجود عبءٍ ثقيل من الحالات اللاحقة للولادة التي تستمر في الأشهر أو السنوات التي تلي الولادة. وتشمل تلك الحالات الألم أثناء الجماع (عُسر الجماع)، الذي يصيب أكثر من ثلث (35٪) من النساء بعد الولادة؛ آلام أسفل الظهر (32٪)؛ السلس الشرجي (19٪)؛ سلس البول (8-31٪)؛ القلق (9-24٪)؛ الاكتئاب (11-17٪)؛ الألم العجاني (11٪)؛ الخوف من الولادة (رُهاب الولادة) (6-15٪)؛ والعُقم الثانوي (11٪).
ويدعو مؤلفو الورقة إلى زيادة الاعتراف بهذه المشاكل الشائعة داخل نظام الرعاية الصحية، والتي يحدث الكثير منها خارج الفترة التي تحصل فيها النساء عادةً على خدمات ما بعد الولادة. وقالت الدكتورة باسكال ألوتي، مديرة شؤون الصحة الجنسية والإنجابية والبحوث ذات الصلة في المنظمة: "تُسبّب العديد من الحالات التالية للولادة للنساء معاناةٍ عاطفية وجسدية كبيرة في حياتهنَ اليومية بعد فترةٍ طويلة من الولادة؛ ومع ذلك فإن تلك الحالات لا تُقدَر حق قدرها ويقلُّ الإقرار بوجودها والإبلاغ عنها إلى حدٍ كبير. تحتاج النساء طوال حياتهنَ، وبعد مرحلة الأمومة، للحصول على مجموعةٍ من الخدمات من مقدّمي الرعاية الصحية الذين يستمعون إلى شواغلهن ويلبّون احتياجاتهن، حتى يتسنى لهن ليس فقط البقاء على قيد الحياة بعد الولادة، وإنما أيضًا التمتع بصحةٍ ونوعية حياة جيدتين."
أرضية الحوض.. مشكلةٌ نسائية شائعة
بدورها، أفادتنا الدكتورة نسرين نقيب؛ اختصاصية في المسالك البولية وأستاذة مشاركة متخصصة في جراحة المسالك البولية النسائية وجراحة الحوض في جامعة مينيسوتا، عن مشكلةٍ صحية تؤثر في ملايين النساء حول العالم، لكن لا يزال الحديث عنها قليلًا نوعًا ما، إلا في عيادات الأطباء. فمشاكل أرضية الحوض تُسبَب الإزعاج بشكلٍ يومي، ما يؤثر في نوعية حياة النساء. وتقول: "بصفتي طبيبة متخصصة في هذا المجال، عاينتُ ذلك بنفسي. فما هي حقيقة المشكلة؟ دعونا نغوص قليلًا في تفاصيلها."
إحصائياتٌ متعلقة بمشاكل أرضية الحوض
ألقت الدراسات الحديثة الضوء على انتشار اضطرابات أرضية الحوض بين النساء، وكشفت عن إحصائياتٍ مخيفة. فوفق البحث المنشور في مجلة "الجمعية الطبية الأمريكية"، يُتوقع أن تعاني امرأةً واحدة من كل ثلاث نساء تقريبًا من اضطراب أرضية الحوض قبل بلوع عمر الستين. وتشمل هذه الاضطرابات مجموعةً من الحالات، أبرزها سلس البول باعتباره الأكثر شيوعًا، بالإضافة إلى هبوط أعضاء الحوض، ومتلازمة آلام الحوض.
تعاني معظم النساء من هذه الاضطرابات بصمت، ويتقبّلنَ للأسف هذا الواقع. إلا أن التأثيرات المترتبة على الحياة الحقيقية جراء تلك الاضطرابات، عميقةٌللغاية. فمن الروتين اليومي إلى الرفاهية العاطفية والتفاعلات الاجتماعية والعلاقات الشخصية، يكون الوضع غير مريح لدى المرأة، ولا يزال الحديث عنه مزعجًا نوعًا ما. لكن لا يُفترض أن يستمرّ الأمر بهذه الطريقة.
أسباب اضطرابات أرضية الحوض
صحيح هذه الاضطرابات يمكن أن تظهر بأشكال مختلفة، لكنها تتشارك غالبًا بعض العوامل. ويُعتبر الحمل والولادة من عوامل الخطر الكبيرة؛ حيث تشير الدراسات إلى أن الولادات المهبلية، ولاسيما تلك التي تترافق مع مخاضٍ لفترةٍ طويلة أو مساعدةٍآلية، قد تزيد من احتمال حدوث خللٍ وظيفي في أرضية الحوض. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تُسهم التغيرات الهرمونية المرتبطة بانقطاع الطمث، في إضعاف عضلات أرضية الحوض.
حلولٌ لاضطرابات أرضية الحوض
لحسن الحظ، تُوفر التطورات الطبية مجموعةً من الحلول الكفيلة بمعالجة المشكلة بشكلٍ جذري، ما يعفي المرأة من التوتر. وهناك مجموعةٌ من العلاجات التي تتراوح بين تمارين أرضية الحوض التقليدية؛ مثل تمارين كيجل وحقن البوتوكس، إلى الخيارات الأكثر تقدمًا كالجراحة. إلا أن هناك أيضًا تكنولوجيا مُبتكرة مُثبتة النتائج، مثل جهاز "فلايت" الذي يُقدم للنساء حلًا بسيطًا وسهلًا؛ يمكن استخدامه في المنزل، ولا يحتاج حتى إلى وصفةٍ طبية.
وتضيف الدكتورة نقيب: "لا يُفترض أن تعاني أية امرأة بصمت عند توافر مثل هذه الحلول البسيطة. والأمر كله مرتبطٌ بتشجيع المرأة للتحدث بصراحةٍ عن تجاربها، وزيادة الوعي، وتشجيع الأبحاث، وإعطاء الأولوية للرعاية الذاتية."
وتختم قائلةً: "بصفتي طبيبة، تتمثل مهمتي في ما هو أبعد من معالجة مشاكل أرضية الحوض؛ بحيث يتعين عليّ الدعوة إلى تغيير كيفية تعامل المجتمع مع صحة المرأة، لاسيما عند إمكانية معالجة هذه الحالات بسهولة، ما يُعزَز حياة المرأة بشكلٍأكبر وأفضل."
تجدر الإشارة إلى أن الدكتورة نسرين نقيب،تهتم كثيرًا بصحة النساء؛ وتجمع خبرتها السريرية مع شغفها في الأبحاث، مع التركيز على العلاجات المبتكرة والتقنيات الجراحية التي تُحسّن حياة النساء.والواقع أن عملها لا يسهم إيجابًا فقط في مجال المسالك البولية، وإنما يُمكّن النساء أيضًا لتحمَل المسؤولية فيما يتعلق بصحة المسالك البولية.
لذا ننصحكِ عزيزتي القارئة، بوجوب استشارة طبيبتكِ الخاصة حول تلك المشاكل والاضطرابات التي لا مفر منها لدى معظمنا نحن النساء. واحرصي أن تكون الطبيبة ذات خبرةٍ وقدرةٍ على تثقيفكِ وشرح كافة الوسائل المتاحة، لمساعدتكِ في علاج تلك الاضطرابات وتجاوزها؛ كي تنعمي بحياةً صحية خالية من المشاكل، وذات جودةٍ عالية كما تستحقين.