لكسر الصمت وزيادة الوعي: إليك كيفية الاستعداد الجسدي والنفسي لمرحلة سن اليأس
لعقودٍ وسنواتٍ طويلة، اعتدنا سماع تسمية "سن اليأس" على مرحلة انقطاع الطمث لدى المرأة؛ وهي للحقيقة تسميةٌ بشعة، مُجحفة وغير محقة تجاه نصف المجتمع المتمثل في الأنثى. فهي وإن تتوقف لديها القدرة على التبويض والإنجاب عند توقف نزول الدورة الشهرية في هذه المرحلة، إلا أنه لا تتوقف عن العطاء والعمل وحتى النجاح والتفوق في كثيرٍ من المجالات. لذا لا يبدو مُنصفًا إطلاق تسمية "اليأس" على هذه المرحلة، فيما الكثير من النساء يحققنَ النجاحات الباهرة والإنجازات الكبيرة خلال هذه الفترة.
وهو ما دفع بشركة تينا، وهي شركة رائدة عالميًا في مجال النظافة والصحة وتابعة لشركة إسيتي، وواحدة من أشهر العلامات على مستوى العالم؛ لاقتراح تسمية "سن التجدد" عوضًا عن تسمية"سن اليأس"، بعد حصولها على دعم صندوق الأمم المتحدة للسكان ووكالة الصحة الجنسية والإنجابية التابعة للأمم المتحدة. وقد تمَ إدراج العبارة الجديدة ضمن قاموس المعاني العربي لاعتمادها كمصطلحٍ جديد. وتلاقت هذه التسمية الجديدة والمنصفة أكثر، مع تطلعات ورغبات 82% من السيدات اللاتي طالبنَ في العام 2021 باستخدام عبارةٍ أخرى وفق نتائج استبيان أجرته شركة تينا بالتعاون مع يوجوف، حيث أتاحت العلامة لنساء المنطقة، فرصة تقديم اقتراحاتهنَ للاسم الجديد عبر منصاتها الرقمية.
وبحسب قاموس المعاني الالكتروني، فإن سن التجدد هو "السنّ الذي ينقطع فيه دم الحيض عن المرأة ويتوقّف التبويض، وتتجدّد طاقتها لمرحلةٍ جديدة وواعدة من حياتها". لكن ما زال الجسم الطبي يتعامل مع هذه المرحلة بمسمياته الخاصة، وإن كان عدَل عليها باستخدام "سن الإياس" بدلًا من "سن التجدد".
تعصف بالمرأة، تغيراتٌ كبيرة، جسدية ونفسية قبل وخلال حدوث مرحلة انقطاع الطمث؛ وهو ما يُدخلها في دوامةٍ كبيرة من المشاكل الصحية والنفسية والعقلية، التي ينبغي معرفتها مسبقًا والاستعداد الكامل لها، بغية التخفيف من آثارها السلبية على كيان المرأة.
تأثير مرحلة الإياس على النساء حول العالم
وفقًا لمنظمة الصحة العالمية (WHO) ؛فإن أكثر من 470 مليون امرأة على مستوى العالم تمر حاليًا بمرحلة اليأس، وتعاني 25٪ منهنَ من أعراضٍ حادة تؤثر تأثيرًا ملحوظًا على حياتهنَ اليومية.
وتشهد العديد من الدول العربية، ومنها دولة الإمارات؛ على تكثيف الجهود الحكومية والفردية لمعالجة هذه القضية كما يجب. وهي تقوم باستضافة العديد من الفعاليات والأنشطة ذات الصلة؛ منها قمة الإياس الأولى على الإطلاق في دول مجلس التعاون الخليجي والتي تستضيفها مدينة دبي بتاريخ 18 أكتوبر القادم ، حيث يجتمع خبراء إقليميون ودوليون لمناقشة العملية البيولوجية الطبيعية التي ستؤثر على جميع النساء في جميع أنحاء العالم. وستُعقد القمة في متحف المستقبل - دبي، وسيُصمَم جدول أعمالها بالكامل لتثقيف وإلهام الحضور العاملين في المجال الطبي وأفراد المجتمع على حد سواء.
كما سيجمع جدول الأعمال المتخصصون من الأطباء السريريين وممارسي الرعاية الصحية وخبراء القانون والموارد البشرية واللياقة البدنية. وسيعرض رواد الأعمال والمنسقون والنشطاء على الحضور، أحدث البيانات والمعلومات التي ستُعينهم على فهم فترة ما قبل وخلال اليأس.وقالت شارون جيمس، مدربة صحة المرأة ومتخصصة في مرحلة الإياس والمؤسسة المشاركة للقمة التي تكرس نفسها لتغيير النظرة السائدة عن مرحلة اليأس: "لقد حان الوقت لكسر هذا الحاجز. لسنواتٍ عديدة، عانت النساء من هذه المرحلة في صمتٍ؛ وأخيرًا يشهد الوضع تغييرًا. فهذه المشكلة ليست مُقتصرةً على الشرق الأوسط أو دول الخليج فحسب، بل هي مشكلةٌ تواجه النساء على مستوى العالم، ونأمل أنه كلما تحدثنا عن هذا الأمر، تشعر النساء بأن هناك من يصغي لشكواهنَ ويأبه لأمرهنَ. يتعذر على العديد من النساء ممارسة حياتهنَ بشكلٍ طبيعي خلال هذه المرحلة، حيث تقترن بالشعور بالأرق وتُصاحبها أعراضٌ تمتد طوال حياتهنَ، كما يلازمهنَ شعورٌ بالحاجة إلى الاحتواء. نعتقد أن هذه القمة تُمثَل بداية هذا التحول "
بالتوازي مع ذلك، فقد تمَ افتتاح عيادةٍ في العاصمة الإماراتية أبوظبي، مُخصَصة للنساء اللاتي يمررنَ بمرحلة اليأس.
التآزر والتوعية من الأساسيات
نظرًا لاختلاف النساء في تعاملهنَ مع هذه المرحلة الانتقالية، فمن الوارد أن تؤثر على بعض النساء في عمر الثلاثينيات، على الرغم من أن متوسط العمر هو 51 عامًا. ومن الممكن أن تُشكَل نهاية الفترة الإنجابية من حياة المرأة، تحديًا نفسيًا بقدر ما تُشكَل تحديًا جسديًا.
وتابعت جيمس قائلة: "أن شعور الوحدة الذي ينتاب النساء خلال هذه المرحلة، شعورٌ مُنهك مثله مثل الأعراض الجسدية؛ لذلك كلما لفتنا النظر إلى الموضوع وسعينا لبناء مجتمعٍ تآزري، شعرنا بأننا نخلقُ مساحةً آمنة من شأنها إكساب النساء شعورًا بالتمكين في هذه الرحلة".
كما أن التوعية ضرورية أيضًا؛ فقد أظهرت دراسةٌ استقصائية حديثة شملت 254 طبيبًا من الشرق الأوسط، إلى أن 28.8٪ فقط نجحوا في تحديد المعايير التشخيصية لمرحلة اليأس. وزعم 43٪ فقط أنهم تلقوا تدريبًا عرضيًا حول مرحلة الإياس، فيما أقرَ 19٪ منهم بعدم خضوعه لأي تدريب، بينما وافق 66.2٪ على أن التدريب أمرٌ بالغ الأهمية.
وعبَرت صوفي سميث، مؤسسة "نابتا هيلث"، وهي شركة معنية بصحة المرأة، والمؤسسة المشاركة للقمة عن رأيها بالقول: "أكثر من 80٪ من النساء على مستوى العالم يشعرنَ بعدم الاستعداد للتغيرات الجسدية والعاطفية التي تنطوي عليها فترة سن اليأس. وبما أن المرأة في المتوسط تقضي أكثر من ثلث عمرها في مرحلة ما بعد الإياس، فمن الضروري التعامل مع الشعور بالخجل الذي يحيط بهذه المرحلة الانتقالية الطبيعية وتقديم التوعية والدعم المناسبين."
الاستعداد الجسدي والنفسي لمرحلة سن اليأس
من الضروري للمرأة، فهم أن مرحلة اليأس هي حلقةٌ واحدة ضمن سلسلةٍ متصلة من مراحل الحياة؛ وبالتالي فإن الحالة الصحية للنساء قبل حدوث هذه المرحلة، تتوقف كثيرًا على تاريخها الصحي والإنجابي السابق، فضلًا عن نمط حياتها المتبع والعوامل البيئية المحيطة بها. هذا ما تؤكده منظمة الصحة العالمية من ضمن توصياتها حول التحضَر لسن اليأس، مشيرةً إلى أن الرعاية الصحية التي تحصل عليها المرأة في مرحلة ما قبل انقطاع الطمث، تؤدي دورًا مهمًا في تعزيز تمتعها بالصحة في مرحلة الشيخوخة ونوعية الحياة. كما قد يُشكَل الإياس مرحلةً انتقالية مهمّة من المنظور الاجتماعي والمنظور البيولوجي؛ وقد تتأثر الخبرات التي تعيشها المرأة في هذه المرحلة من الناحية الاجتماعية، بالمعايير الجنسانية والعوامل الأسرية والاجتماعية والثقافية، بما في ذلك الطريقة التي يُنظر بها إلى شيخوخة المرأة وانتقالها إلى مرحلة اليأس في الثقافة التي تنتمي إليها.
لذا فإن الاستعداد لهذه المرحلة لا يجب أن يقتصر على الناحية الصحية فقط، وإنما أيضًا على الناحية النفسية والفكرية. ومن واجب المحيطين بالمرأة، مساندتها ومؤزارتها لتخطي تحديات هذه المرحلة بسلامٍ وأمان.
تحتاج المرأة في الفترة السابقة لليأس، للحصول على الخدمات الصحية الجيدة بجانب دعم المجتمعات المحلية والنُظم الصحية المتوفرة في محيطها. وللأسف، ما زال الوعي بالمعلومات والخدمات المتعلقة باليأس وإتاحتهما، يُشكَلان تحديًا كبيرًا في معظم دول العالم؛ إما لاعتباراتٍ ثقافية تجد أنه من العيب مناقشة الموضوع داخل الأسر أو المجتمعات المحلية أو أماكن العمل أو أماكن الرعاية الصحية، أو لقلة الوعي والاهتمام الطبي الذي يجب أن يتوفر للمرأة في هذه المرحلة.
كذلك، قد لا تعرف شريحةٌ كبيرة من النساء أن الأعراض التي يعانينَ منها ترتبط باليأس أو أن هناك خياراتٍ للمشورة والعلاج، يمكن أن تساعد على التخفيف من حدة الانزعاج. وتشعر نساءٌ كثر في مرحلة سن اليأس، بالحرج أو الخجل من لفت الانتباه إلى ما يتعرضنَ له وطلب الدعم.ولكل هذه الأسباب، ينبغي عليكِ عزيزتي السعي وراء المعرفة الكاملة لأعراض مرحلة سن اليأس قبل حدوثها بسنوات، واستشارة الطبيبة النسائية القادرة على تذليل كافة العقبات والمفاهيم الخاطئة المنتشرة بين الناس حول هذه المرحلة، كي تكوني على استعدادٍ تام لولوجها بُيسر.
ختام القول، مرحلة سن اليأس أو سن الأمل أو سن التجدد، هي مرحلةٌ مصيرية لا يمكننا نحن النساء الهرب منها. وسواء بدأت في سنِ مبكر أو خلال سنوات انقطاع الطمث المعهودة في الخمسينيات من العمر، فإن التحضر والاستعداد لها يُسهمان بشكلٍ كبير وفعال في التقليل من تداعياتها على صحتكِ الجسدية والنفسية، خاصةً القلق والاكتئاب اللذين يُعدَان من أبرز ملامح هذه الفترة.
لذا ننصحكِ عزيزتي بتثقيف نفسكِ أكثر حول سن اليأس قبل سنواتٍ من حدوثه، والعناية بصحتكِ واتباع نمطٍ غذائي وحياتي صحي، بحيث تتجنبين العديد من المشاكل الصحية والنفسية التي قد تعصف بكِ خلال هذه المرحلة. وثقي عزيزتي أن سن اليأس ليس نهاية العمر بالنسبة لكِ، بل قد يكون بدايةً جديدة لنجاحاتٍ وإنجازاتٍ أكبر، في حال تسلحتِ بالقوة والشجاعة والمثابرة لتجديد نفسكِ بعد هذه المرحلة.