خاص "هي" بالفيديو: الإرهاق الأبوي يلتهم صحة الآباء النفسية والجسدية.. نصائح لاستعادة الطاقة والتوازن في الحياة الأسرية
الإرهاق الأبوي أو الاحتراق الأبوي من المصطلحات والمفاهيم الشائعة التي نسمعها كثيرًا هذه الأيام، والتي يزيد شيوعها بين صفوف الآباء والأمهات، وعلى مستوى الأسرة الواحدة. وبخاصة في ظل الضغوط اليومية والمسؤوليات المتزايدة التي يعاني منها الآباء والأمهات الذين يجدون أنفسهم وسط كم هائل من الأعباء والتحديات وبخاصة تلك التي تتعلق بتربية الأطفال كونها ليست فقط تجربة ممتعة، لكنها أيضًا مهمة معقدة تتطلب الكثير من الجهد والوقت والتحمل العاطفي.
يتحمل الآباء عبء لا يزول ولا ينتهي بل يزيد في كل مرحلة عمرية يمرون بها ويمر بها أبنائهم. هذا العبء المتزايد يمكن أن يؤدي إلى الإرهاق، ويؤثر بشكل كبير على العلاقة مع الأطفال وعلى الحياة العائلية بشكل كبير وخطير.
من أجل ذلك، ولأهمية هذا الموضوع، سنتناول في هذا المقال، مفهوم الإرهاق الأبوي، وأسبابه، ومخاطره، والأهم من ذلك معرفة كيفية التعامل معه بفعالية للحفاظ على توازن صحي بين الأبوة والحياة الشخصية من خلال إفادة "داليا شيحة" مستشارة زوجية وأسرية بدبي، وعبر الرد على الأسئلة التالية وتوضيح بعض النقاط الهامة.
ما هو الإرهاق الأبوي؟
في عام 2015، قدمت إيزابيل روسكام ومويرا ميكولاجزاك باعتبارهما متخصصتان في علم النفس، مفهوم "الإرهاق الأبوي". وانتشر هذا المفهوم بسرعة في جميع أنحاء العالم، ومع زيادة الضغوط والأعباء على عاتق الآباء شاع، وأصبح من الضرورة تقديم الدعم للآباء لكي لا يلتهم صحتهم النفسية والجسدية.
وبحسب داليا شيحة، الإرهاق الأبوي هو حالة من التعب المزمن التي يمر بها الآباء والأمهات بسبب متطلبات واحتياجات الأطفال وبخاصة الأساسية منها، بجانب التركيز معهم خلال كل مرحلة ومراحل التربية لأنها قطعًا لا تشبه بعضهما البعض. وتعود تسمية الإرهاق الأبوي إلى شعور الآباء والأمهات بالإرهاق والإجهاد الجسدي والعاطفي، وهي أمور سلبية تقود في النهاية إلى تراجع الأداء اليومي والإحساس بالعجز عن التعامل مع مسؤوليات الأبوة بشكل طبيعي.
ويمكن القول بأن الإرهاق الأبوي يشبه الاحتراق النفسي الذي يعاني منه البعض في بيئة العمل، ولكنه هنا يرتبط بالعائلة والأطفال أي أنه يكون على مستوى الأسرة وله تداعيات خطيرة جدًا.
ما هي أسباب الإرهاق الأبوي؟
تتعدد أسباب الإرهاق الأبوي، ولكنها تختلف من أسرة لأخرى بناءً على الظروف المعيشية، والبيئة الاجتماعية، والعوامل الشخصية الخاصة بكل أسرة على حدة. وأبرز هذه الأسباب ما يلي:
-
الضغوط الزمنية
حيث يشعر الكثير من الآباء بالضغوط الناتجة عن تنظيم الوقت بين العمل، العناية بالأطفال، وإدارة الحياة المنزلية، إذ يصبح الوقت المتاح للراحة أو الاسترخاء محدودًا جدًا مع الجدول المزدحم، مما يزيد من احتمالية الإرهاق.
-
قلة واضطرابات النوم
كثيرًا ما يواجه الآباء والأمهات قلة في النوم، خاصة في مراحل الطفولة المبكرة عندما يحتاج الأطفال إلى رعاية مستمرة في الليل. ومع زيادة الأعباء والضغوط وتراكم المسؤوليات تزيد مشكلة قلة النوم، الأمر الذي يزيد من احتمالية الشعور بالإرهاق الأبوي وبخاصة بعد تدهور الحالة الجسدية والنفسية المترتبة على التفكير الزائد وقلة النوم.
-
رفع سقف التوقعات
يضع بعض الآباء توقعات عالية الكفاءة والمستوى على أنفسهم، فيحاولون تحقيق الكمال في رعاية أطفالهم، مما يزيد من الضغط النفسي الواقع عليهم. إضافة إلى المقاييس التي يضعها المجتمع حول مفهوم "الأبوة المثالية"، التي قد تكون سببًا مباشرًا في شعور الآباء بالتقصير.
-
نقص الدعم العائلي
يلعب الدعم الاجتماعي والأسري دورًا كبيرًا في تخفيف العبء عن الآباء، ولكن في بعض الحالات قد يعاني الآباء من نقص هذا الدعم، سواء لعدم انخراطهم بشكل عميق مع العائلة، أو لعدم توافر شبكة دعم قوية من الأصدقاء وسائر العلاقات الاجتماعية التي تجمعهم بالآخرين، والنتيجة هي الإرهاق الأبوي بمعناه الواضح الصريح.
-
العزلة الاجتماعية
قد يشعر الآباء، وخاصة الأمهات اللاتي يعتنين بأطفالهن بشكل كامل، بالعزلة الاجتماعية نتيجة للانشغال المستمر بتربية الأطفال وعدم وجود فرص كافية للانخراط في العلاقات الاجتماعية بمختلف أشكالها سواء قرابة أو أصدقاء، وهذا ما يؤدي إلى الإحتراق الأبوي ولأنه
-
مشاكل السلوك عند الأطفال
يمثل التعامل مع الأطفال الذين يواجهون مشكلات سلوكية أو احتياجات خاصة تحديًا كبيرًا لكثير من الآباء والأمهات. ولذلك قد يزيد من الضغوط اليومية على الآباء، مما يجعل من الصعب الحفاظ على التوازن النفسي والجسدي. كما في حالات التوحد وغيرها
ما هي مخاطر الإرهاق الأبوي؟
تقول داليا شيحة المستشارة الأسرية أن الإرهاق الأبوي ليس مجرد شعور عابر بالتعب؛ بل يمكن أن يكون له عواقب وخيمة على الصحة النفسية والجسدية للأبوين وعلى حياة الأسرة بشكل عام. ومن أبرز هذه المخاطر ما يلي:
- زيادة احتمالات الإصابة بالمشاكل النفسية مثل الاكتئاب والقلق. وذلك بسبب شعور الأهل بفقدان القدرة على التحكم في مشاعرهم إضافة إلى شعورهم بالإحباط.
- التأثير سلبًا على العلاقة بين الآباء والأمهات والأطفال حيث بدء انخفاض قدرة الآباءعلى التواصل الإيجابي مع أطفالهم. وزيادة انفعالاتهم، وقوة غضبهم، وهذا ما يؤدي في النهاية إلى تفاقم التوتر في الأسرة وتفشي الشعور بانعدام الأمان في الأسرة.
- زيادة الخلافات الزوجية وزعزعة استقرار الحياة الزوجية، والنتيجية زيادة احنمالات حدوث التفكك الأسري
- التأثير على الصحة الجسدية إذ يؤدي الإرهاق المستمر إلى الإصابة بالصداع المستمر، ارتفاع ضغط الدم، واضطرابات النوم. يمكن أن يؤدي أيضًا إلى ضعف وخلل بالجهاز المناعي، مما يجعل الآباء أكثر عرضة للإصابة بالإصابة بالأمراض.
الإهمال الذاتي، وذلك لتخلي الآباء والأمهات عن العناية بأنفسهم وصحتهم من أجل تلبية احتياجات أطفالهم، مما يزيد من تفاقم حالة الإرهاق ويجعل التعافي منها أصعب.
كيف يمكن التعامل مع الإرهاق الأبوي؟
إن التعامل مع الإرهاق الأبوي ليس أمرًا مستحيلًا. ولكنه يتطلب وعيًا ذاتيًا وتخطيطًا جيدًا لمواجهة التحديات بشكل صحي. فيما يلي بعض الاستراتيجيات التي يمكن أن تساعد الآباء في التعامل مع الإرهاق الأبوي:
-
عدم التردد في طلب الدعم
من المهم أن يتواصل الآباء مع شركائهم، أو أصدقائهم للحصول على الدعم عند الحاجة. وهنا يجب الإشارة إلى نقطة غاية في الأهمية وهي أن طلب الآباء للدعم لا يعني الفشل في أداء الدور الأبوي لهم، لأنه يعد خطوة ضرورية للحفاظ على التوازن العاطفي والجسدي لهم واستكمال مسيرتهم الأبوية براحة وصفاء ذهن يساعدهم على العناية بأنفسهم وبأطفالهم أيضًا، والقيام بكل ما عليهم من مسؤوليات تجاههم.
-
إدارة الوقت بشكل فعال
يعد تنظيم الوقت وتوزيع المهام بين أفراد الأسرة من الأساسيات المهمة التي تفيد في التغلب على الإرهاق الأبوي، لأنه يمكن أن يساعد في تقليل الضغط على الآباء والأمهات. ويمكن ذلك من خلال تقسيم المهام اليومية بين الشركاء أو حتى طلب المساعدة من الأطفال متى كانوا في مرحلة عمرية تسمح بمشاركتهم في القيام ببعض المهام.
-
العناية الذاتية
تمثل العناية بالنفس عاملًا مهمًا وضروريًا من العوامل التي تساهم في تجنب الإرهاق الأبوي. من الضروري تخصيص وقت يومي أو أسبوعي للراحة والاسترخاء، سواء من خلال ممارسة الرياضة، التأمل، أو حتى القيام بنشاطات مفضلة.
-
عدم رفع سقف التوقعات الأبوية
على الآباء التحلي بالمرونة وتقبل الأخطاء الأبوية التي قد تحدث سهوًا خلال مراحل تربية الأطفال، كما يجب عليهم أيضًا عدم رقف سقف توقعاتهم في ما عليهم من مسؤولية، لأنهم ليسوا ملزمين بتحقيق الكمال كما أن أطفالهم بحاجة إلى آباء محبين وواقعيين وليس آباء مثاليين، والفارق كبير جدًأ بينهما.
-
استشارة الخبراء والمختصين
من الضروري جدًأ بل ومن المفيد أيضًا، اللجوء إلى متخصصين نفسيين أو استشاريين في العلاقات الأسرية للمساعدة في فهم ومعالجة أسباب الإرهاق، ومساعدتهم في التغلب عليه، وخصوصًا في المراحل العمرية التي تتطلب جهدًا كبيرًا مثل مرحلة المراهقة التي يمثل فيها الأطفال عبئًا ثقيلًا على أبائهم
-
البقاء على الاتصال بشريك الحياة
يضمن التواصل مع شريك الحياة بدفء وتفاهم وانسجام، عدم التعرض للإحتراق أو الإرهاق الأبوي. لذا، يجب التحدث بشكل مستمر ومنتظم مع الشريك حول التحديات التي تتعلق بالأسرة وتربية الأطفال، وغيرها. لأن احتواء شركاء الحياة لبعضهم البعض سيخفف من وطأة الإرهاق الأبوي.
خلاصة القول:
أصبح الإرهاق الأبوي ظاهرة طبيعية مليئة بالتحديات التي يواجهها الآباء في تربية أطفالهم. ولتفادي التعرض لسلبياته وتأثيراته الخطيرة يجب على الآباء عدم التردد في طلب الدعم من المقربين، وإدارة وتنظيم الوقت بشكل جيد، وممارسة العناية الذاتية في أدق صورها لتجاوز الشعور بالإرهاق أو الاحتراق الأبوي، لتحقيق حياة أسرية ناجحة وسعيدة ومستقرة.
مع تمنياتي لجميع الآباء والأمهات بحياة أسرية ناجحة وهادئة ومستقرة،،،