التغليف الصديق للبيئة: تحدٍ جديد للمطاعم كيف يمكنها الالتزام به
بحسب تعريف الأمم المتحدة، فالاستدامة "هي تلبية احتياجات الحاضر دون المساس بقدرات الأجيال المستقبلية على تلبية احتياجاتها الخاصة". بمعنى آخر، تعني الاستدامة الاستخدام الحكيم والواعي لمُقدَرات البشرية في الوقت الحاضر، دون استنزافٍ أو تشويه؛ بحيث تكون الأجيال القادمة في سنواتٍ وعقود مقبلة، قادرةً على إيجاد مستلزماتها الحياتية دون تقصير أو فقدان.
وتدخل الاستدامة في العديد من مرافق الحياة، خصوصًا مجال المطاعم والتجزئة؛ حيث يتم استخدام العبوات لحفظ الأطعمة والأكياس وغيرها من مستلزمات طبخ وحفظ وتوصيل الأطعمة، بالإجمال من البلاستيك. ويعود بداية استخدام البشرية لعبوات التغليف ذات الاستخدام الواحد إلى ستينيات القرن الماضي، الفترة التي وصل فيها الإنسان إلى الفضاء؛ إذ بدأ خلالها البلاستيك بالظهور في كل مكان، وكانت معرفتنا بآثاره الجسيمة على البيئة محدودةً للغاية، يقول ناجي حداد، المدير العام لشركة دليفركت في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (وهي شركةٌ متخصصة في مجال تطوير البرمجيات لتقديم خدمات تبسط عملية إدارة توصيل الطعام عبر الإنترنت من قنوات توصيل طلبات الطعام).
ويضيف حداد أن الاعتقاد السائد وراء اعتمادنا الكلي على التغليف البلاسيتيكي، مرده إلى أنه خيارٌ مريح ومنخفض التكلفة؛ لكنه في نفس الوقت لم يكن جيدًا على البيئة والكوكب.وبالطبع، فقد اتضح لنا منذ تلك الأيام أن تزايد البلاستيك الذي يصل إلى البيئة بصورة نفايات، يعني أثرًا أسوأ على العالم بأكمله، نظرًا لعدم تحلَله حيويًا؛ الأمر الذي يتسبب في نفوق الكثير من الحيوانات التي تتناوله أو تعلق بداخله، إلى جانب دخوله سلسلة الغذاء وبالتالي قد نتناوله مع طعامنا دون أن ندري.
للتقليل من تلك الأضرار الجسيمة، هناك حلولٌ شتى تُطبَق عبر بعض ممارسات الاستدامة، يؤكد حداد؛ مثل استخدام عبوات التغليف القابلة لإعادة الاستخدام، والتي يجب علينا دعمها بكافة الوسائل. وفي هذا الخصوص، يطرح حداد بعض الخطوات التي يمكن لمالكي المطاعم اتخاذها في سبيل الإسهام المباشر والفعلي في حل تلك المشكلة.
خطواتٌ فعالة للحدَ من مشكلة البلاستيك
-
تحديد الحلول المستدامة والقابلة للتطبيق في تغليف الطعام
وفقًا لحداد، فالجانب المشرق هنا هو أنه بوسع مالكي المطاعم تجربة العديد من خيارات التغليف والعبوات المستدامة؛ ومنها خياراتٌتقليدية كالورق والكرتون، والتي تُعدَ ذات تكلفةٍ معقولة وقابلة لإعادة التدوير. ولكن يمكن للأمر أن يصبح أكثر تعقيدًا عند إضافة موادٍ مقاومة للماء، وبالتالي لا بد من التواصل مع المنشآت المحلية لإعادة التدوير.
بالطبع، فإن الورق ليس الحل المناسب لكافة المتطلبات؛وبالتالي فإن المسار البديل (والأفضل بكثير) هو التشجيع على إعادة الاستخدام، وهو مسارٌ أثبت نجاحه باستمرار كما رأينا في التقليد المتبع لدى الهنود في استخدام العبوات المعدنية التي أتاحت إمكانية تكرار استخدامها منذ مئات السنين.
وتجدر الإشارة إلى أنه في حال اعتياد ثقافة ما على استخدام العبوات المُعدّة للاستخدام مرة واحدة، فقد يكون من الصعب التخلي عنها؛ إلا أن الأمر ليس مستحيلًا تمامًا.
-
التفكير باستخدام التصاميم الحالية مع إضافة مواد أكثر ملاءمةٍ للبيئة
لا شك أننا لاحظنا زيادة الاعتماد على أكواب القهوة القابلة لإعادة الاستخدام، والتي تُلاقي إقبالًا هائلًا بعد أن كانت في غالبيتها من البلاستيك. ولكن الجدير بالذكر هنا هو وجود الكثير من المواد الأخرى الواجب أخذها بعين الاعتبار في الوقت الحالي؛ فعلى سبيل المثال، إن استعمال الأكواب المخصصة لإعادة الاستخدام والمصنوعة من مواد مستدامة مثل خشب الخيزران، يُعدَ مناسبًا جدًا لحماية البيئة، بالإضافة إلى زيادة استخدام المستهلكات المصنوعة من البلاستيك النباتي القابل للتحلل في الآونة الأخيرة.
-
التقييم المعتمد على التكلفة والاستخدام العملي
هناك موادٌ صديقة للبيئة يصعب استخدامها، نظرًا لتكلفتها الباهظة أو عدم ملاءمتها للمهمة المطلوبة؛ ومنها أكياس اللينين العضوي 100% والتي تناسب البيئة بشكلٍ مثالي، إلا إنها تضيف تكلفةً كبيرة إلى عمليات الشركة، بجانب كونها غير ملائمةٍ أبدًا لتغليف السوائل.
لذا، يجب على مالكي المطاعم التفكير بتكلفة التخلص من البلاستيك المعدّ للاستخدام مرة واحدة في حساباتهم المالية؛ إذ لا يقتصر الأمر على التأثير البيئي فحسب، بل ستُكلف الشركة مبالغ كبيرة عند تطبيق الأنظمة الأكثر صرامة عاجلًا أم آجلًا. ولهذا فمن الحكمة التصرف فورًا بدلًا من انتظار تطبيق القوانين، ومن ثم محاولة مواكبتها خلال فترة وجيزة.
-
السعي لعقد الشراكات الحيوية مع مُزودي الخيارات المستدامة
لا ضير من إلقاء نظرةٍ على ما يقوم به المزودون الآخرون في منطقة عملياتك، يقول حداد؛ هل لديهم أفكارٌ مذهلة تتعلق بعبوات الطعام القابلة لإعادة الاستخدام؟ ربما قد يكون لديهم نظامٌ معيّن للتحفيز على إرجاع العبوات مثلًا؛ وفي تلك الحالة، يمكنكم التواصل مع أولئك المُزودين لمناقشة كيفية بدء عمليات التوصيل المشتركة.
-
الامتثال لمعايير السلامة والجوانب العملية
بالطبع لا بد أن تمتثل أية حلول صديقة للبيئة مع المعايير السارية؛ ولهذا فإنه عليكم الاطلاع على كافة متطلبات الامتثال المحلية عند تقييم بدائل التغليف والعبوات. ومن غير المفاجئ أن عبوات الطعام يجب أن تكون آمنة، ولكن لا بد من وجود دليلٍ على اختبارها وعدم احتوائها على مواد خطرة.
-
الحرص على تعريف العملاء والموظفين بالانتقال إلى حلولٍ صديقة للبيئة
التثقيف عمليةٌ مهمة لرفع مستوى الوعي بالبيئة والتغيَر المناخي، وستساعد المعلومات الموجودة على الموقع الإلكتروني للمطعم وفي إعلاناته وصفحاته، الناس ليفهموا سبب التغيير الحتمي لتلك الجوانب. كما أن للموظفين دورًا أساسيًا هنا، وبالتالي يجب أن يعرفوا كل ما يتعلق بالتغيير.
وفي ظل الدور المتزايد للموظفين، فإنه بوسعكم كذلك العمل على تقليل النفايات في جوانب العمل الأخرى. فقد أصبح من الشائع أن تعمل المطاعم دون استخدام الورق عبر استخدام الأنظمة الإلكترونية مثل برمجيات الفوترة، التي تُقلَل الحاجة إلى السجلات الورقية، وأنظمة إدارة المطابخ والأجهزة المحمولة لتتبَع الطلبات – والتي تُقلَل الأخطاء والحاجة إلى الورق.
-
إعطاء تعليماتٍ واضحة لإعادة التدوير وصنع الأسمدة
هذا أمرٌ سهل؛ إذ يمكن للمطاعم وضع التعليمات على جانب العبوة أو أسفلها، كما يمكن أن تطلب من سائقي التوصيل تذكيرالعملاء بأن العبوة قابلةٌ لإعادة التدوير أو الاستخدام في صنع الأسمدة العضوية. ولكن ينبغي التنبه إلى تجنب استخدام النبرة غير المناسبة، فالجميع يعمل معًا في هذا السياق ولا بد من التعاون لتحقيق ما نريد.
-
درس الخيارات المستدامة الجديدة والمبتكرة باستمرار
من المهم متابعة التطورات والمستجدات باستمرار؛ فالتغيرات متسارعةٌ في عالم المواد الصديقة للبيئة والقابلة لإعادة الاستخدام، وقد تكون هناك بدائل أقل تكلفةً يمكنها حماية الكوكب ودعم الأرباح في نفس الوقت.
وبالطبع فإن المواد الجديدة تتطلب عادةً وسائل تصنيع جديدة وأنظمة برمجية مختلفة، وقد تكون تلك تكلفةٌ إضافية يتحملها مالكو المطعم. ولكن تذكّروا أن العديد من تلك العمليات ستتحول بالتدريج إلى معيارٍ معتمد في القطاع، ما يعني أن سعرها سينخفض، ويعتمد الأمر هنا على التفكير على المدى الطويل.
إعادة التعبئة وإعادة الاستخدام من أجل البيئة
تلعب المواد المستدامة والعبوات القابلة لإعادة التدوير، دورًا هائلاً في الابتعاد عن المستهلكات ذات الاستخدام لمرة واحدة، يضيف حداد؛ فهي مريحةٌ وتتطلب تغييرًا بسيطًانسبيًا في سلوك المستهلكين.
وأفضل حلول تغليف الأطعمة الصديقة للبيئة هي استخدام العبوات القابلة لإعادة الاستخدام؛ ولكن الأمر سيحتاج بعض الجهد ليفهم المستهلكون تلك العملية، كما قد تلعب الأنظمة المُحفزة على إرجاعها دوراً مهماً هنا.
في الختام، يُشدَد حداد على أن هذه الممارسات وغيرها، تهدف إلى تقليل كميات العبوات المستهلكة كأحد الجهود الرامية لمجابهة الأزمة المناخية؛ كما يمكن للمطاعم المساعدة في إحداث تغييرٍ حقيقي ومؤثر في هذا القطاع.