خاص "هي" رسالة من مهرجان برلين- "Blackberry".. أن تفشل في صناعة فيلم يتحدث عن الفشل
في إطار مسابقة مهرجان برلين 73، يعرض فيلم "Blackberry" (بلاكبيري) من إخراج مات جونسون الذي يشارك أيضًا في التمثيل. تدور أحداثه عن قصة صعود وهبوط شركة بلاكبيري للهواتف المحمولة، والتي كانت من الشركات الرائدة في هذا المجال في مطلع الألفية الثالثة، قبل أن تتراجع تدريجيًا وتخسر سوقها تمامًا خلال أقل من 15 سنة.
الفيلم يبدو كأنه مزيج من مجموعة أفكار وأفلام أخرى، رغم أن القصة تسمح بالفعل بصناعة فيلم جيد، لكن يبدو أن المخرج الذي شارك أيضًا في كتابة السيناريو مع ماثيو ميلر، تاه وسط الأعمال المختلفة في فيلمه. وفي السطور التالية سنحاول أن نتابع أقرب الأعمال التي يبدو جونسون متأثرًا بها في بلاكبيري، أو التي تشبه أجواء الفيلم.
السيرة من "The Social Network"
في عام 2010 قدم ديفيد فينشر أحد أفضل أفلام السِيَر في الأعوام الأخيرة، "The Social Network" (شبكة التواصل)، والذي تدور أحداثه عن نشأة موقع فيسبوك الشهير على يد مارك زوكربيرج. لكن ما ميز هذا الفيلم الذي كتبه آرون سوركين، هو كيفية تناول نشأة الموقع الأشهر حول العالم، ومؤسسه، إذ تبدأ الأحداث بقضية مرفوعة من أحد الشركاء المؤسسين ضد زوكربيرج ومن خلال سير القضية نتابع ما حدث في الماضي ونشأة الموقع منذ أن كان مجرد فكرة للتواصل داخل أروقة إحدى الجامعات إلى أن أصبح شبكة التواصل الأضخم.
لا يبتعد "Blackberry" كثيرًا عن هذه الأجواء، إذ أننا أيضًا نتابع بدايات الثنائي مايك لازاريدس (جاي باروشيل) ودوج (مات جونسون) وهما يعملان على تسويق فكرة هاتفهم الجديد، الذي سيصبح لاحقًا هاتف بلاكبيري، وتحول شركتهما الصغيرة التي على مشارف الإفلاس إلى مؤسسة ضخمة تستحوذ على أكبر نسبة من سوق الهواتف المحمولة في وقت من الأوقات. لكن مات جونسون لا يتعلم أي شيء في ما يخص براعة السيناريو من الفيلم المذكور. الأزمة الأبرز تبدو في الشخصيات، لا يبدو أن صناع الفيلم بذلوا مجهودًا في صناعة تاريخ لأي شخصية، إذ أننا على سبيل المثال لا نعرف حتى نهاية الفيلم قيمة شخصية دوج في الشركة، يظهر في البداية كصديق مايك وشريكه، لكن ما هي إمكانياته لتؤهله لهذه الشراكة؟ وما هي الخصال التي تجعله الصديق المقرب لمايك؟ لن نعرف هذا على الإطلاق.
الأمر لا يتعلق بشخصية دوج فقط بل بجميع الشخصيات، كل شخصية هنا يمكن تلخيصها في صفتين على الأكثر، مايك هو العبقري الخجول، جيم بالسيلي (جلين هوارتون) شريكه هو الإداري العصبي، ودوج، في الحقيقة لا نعرف ما هي مواصفات شخصية دوج سوى إنه يعمل على إضافة بعض الكوميديا دون مبرر.
الإخراج من "The Office"
مسلسل "The Office" (المكتب) من أشهر الأعمال التي تنتمي لنوع السيت كوم أو كوميديا الموقف، وبعد أن نجحت نسخته الأصلية في إنجلترا، اقتبس لاحقًا في نسخة أمريكية فاقت شهرة النسخة الأصلية. كما يبدو من الاسم، تدور أحداث هذا المسلسل داخل مكتب مع مجموعة من الموظفين بعضهم غريب الأطوار، ومدير عنصري ومغرور ويظن في نفسه عكس ذلك. لكن ليست هذه الشخصيات وحدها هي ما ميزت المسلسل، فهناك عنصر آخر وهو الإخراج الذي كان يعتمد على حركة الكاميرا باستمرار وعدم استخدام القطعات بشكل يصنع توترًا عكس المعتاد في الشكل الهادئ لتلك المسلسلات.
منذ بداية "بلاكبيري" ونحن نشعر بهذا التأثر الواضح بأسلوب (المكتب) نفس حركة الكاميرا قربًا وبعدًا من وجوه الممثلين، والحركة السريعة لرصد رد فعل ما من إحدى الشخصيات. يتصاعد هذه الشعور عندما ندخل مكتب الشركة بالفعل، ونشعر بالفوضى والأسلوب الهزلي الذي يعمل به الموظفون، ثم لقاءات التوظيف لبعض الشخصيات الأخرى.
لكن المشكلة هنا أن "The Office" كان ينتمي لنوع الكوميديا بلا مواربة، لكن الكوميديا في الفيلم عنصر يحضر ويختفي طبقًا لهوى المخرج، إذ تكون مساحة الكوميديا كبيرة في البداية بشكل ملفت، حتى لنشعر أنها مكون أساسي في الفيلم، قبل أن تتراجع تدريجيًا حتى تختفي تمامًا في الثلث الأخير، وكأن المخرج نسيها. هذا التغير في "تون" الفيلم أثر أيضًا على الممثلين بشكل واضح.
التمثيل من أي مسلسل سيرة مصري تقليدي
هناك مدرستان شهيرتان في أداء الشخصيات الحقيقية، إما محاولة أخذ روح الشخصية مع مساحة للإبداع من الممثل نفسه، وإما تقليد الشخصية بشكل كامل. الأزمة في النوع الثاني هو وقوع بعض الممثلين في فخ التقليد السطحي، إذ يتحدث الممثل بنفس صوت الشخصية الأصلية ويتحرك مثلها تمامًا، لكنه ينسى إضافة روح لهذه الشخصية فيتحول لمجرد ماكيت يشبه الشخصية.
تنمتي جميع الأداءات في هذه الفيلم للنوع الثاني، بالذات جاي باروشيل الذي نشعر أنه يحاول إقحام بعض تعبيرات الوجه والتلعثم في الكلام بشكلٍ واعٍ تمامًا ليشبه الشخصية الأصلية، لكنه أبعد ما يكون عن منح المشاهد الإحساس بأنه يشاهد شخصًا حقيقيًا، بل شخصًا يحاول أن يشبه شخصًا حقيقيًا. يمتد هذا الأداء غير المقنع لمات جونسون الذي يحاول طوال الوقت أن يصنع الكوميديا بمناسبة ودون مناسبة فيجعل دوج وكأنه شخص أخرق، بينما اعتمد جلين هوارتون على الصوت العالي والصراخ المتواصل مع الكثير من الشتائم في أغلب مشاهده.
يضيف لحالة الانفصال عن هذه الشخصيات المكياج الرديء والواضح والذي يجعلنا نشعر بشكل أكبر بأن هناك شيء هزلي ما في الموضوع، فمن غير الطبيعي أن يكون المكياج في فيلم يشارك في مسابقة مهرجان برلين بهذا المستوى.
فيلم "بلاكبيري" كان يمكن أن يكون ممتعًا وشيقًا نتيجة الأحداث الثرية التي اعتمد عليها، لكنه أخفق في أغلب العناصر.
الصورمن موقع مهرجان برلين