
خاص لـ"هي": شهد العقيلي.. من التحديات إلى المنصات، كيف صنعت شغفها وصوتها؟
في رحلة البحث عن الذات، قد يجد الإنسان نفسه يسير في طريق لا يشبهه، يحفر في المكان الخطأ بينما الكنز الحقيقي على بُعد خطوة واحدة—لكنها خطوة تحتاج إلى شجاعة وإصرار. وهذا بالضبط ما فعلته شهد العقيلي.
لم تكن تعلم أن صوتها سيصبح جواز عبورها إلى عالم تتردد فيه كلماتها على المسارح، عندما سُئلت شهد العقيلي بعد تقديمها لـ LEAP، "كيف نجحت في تقديم فعاليات كبيرة من TEDx إلى MISK ثم LEAP؟"، كان جوابها بسيطًا لكنه عميق: "استغرق مني الأمر خمس سنوات."

لم يكن طريق شهد نحو المسرح والتأثير مباشرًا. درست علم المختبرات وحصلت على شهادة الماجستير في تخصص دقيق من الولايات المتحدة. ورغم ذلك، في أول أسبوع من الماجستير، أدركت أن هذا المجال لا يشبهها. لكنها صمدت لأن والدها كان يردد دائمًا: "لم أُربِّ جبانًا."
عادت للعمل في المستشفى، لكن الإحساس بعدم الانتماء ظل يلاحقها. تصف ذلك بقولها: "كنتُ أشعر أنني أسير تحت كنز، لكنني أحفر في الحفرة الخطأ." حينها بدأت تبحث عن ذاتها في أماكن مختلفة، وبدأت رحلة الرفض والتجارب التي أعادت تشكيلها.
طرق كل الأبواب: من البحث عن وظيفة إلى الخطابة العامة
في رمضان، وبينما كانت تجلس بجوار امرأة بعد صلاة التراويح، شاركتها حيرتها في البحث عن وظيفة. نصحتها السيدة باستكشاف لينكد إن، لكنها ذكرت أيضًا مشروع سلام. لم تكن شهد قد سمعت به، لكنها قررت أن تسجل فيه، لتُفتح أمامها نافذة لم تكن تتوقعها.
في الوقت ذاته، وأثناء بحثها عن المسرح، وجدت نادي Toastmasters، وهو منظمة عالمية غير ربحية لتدريب الإلقاء والخطابة. دخلت الجلسة الأولى بذهول، حيث كان المشاركون يتعاملون مع تحديات مثل التأتأة والخوف من التحدث أمام الجمهور. شعرت حينها بصدمة، وتساءلت: "أنا بصحة وعافية، فلماذا لم أجرب الصعود على المسرح؟" صعدت لأول مرة، وكان ذلك نقطة تحول.

بدأت العقيلي رحلتها في الخطابة، وفازت لاحقًا على مستوى النادي، ثم على مستوى مدينة الرياض، وأدركت أن صوتها يمكن أن يُحدث فرقًا.
المسرح الذي فتح الأبواب
بعد نجاحها في الخطابة، جاءها اتصال من مشروع سلام للتواصل الحضاري، وتحديداً برنامج تأهيل القيادات الشابه، الذي كان قد قبلها ضمن برنامجه. هذا المشروع فتح كان نقطة تحول حقيقية. التقت بقيادات بارزة، منهم الأمير تركي الفيصل، وسفراء ووزراء، وأصبحت أكثر يقينًا بأنها تنتمي لهذا العالم.
ثم جاءت مشاركتها في وثبة، البرنامج الذي يركز على تطوير الأفكار الريادية، حيث قدمت لقاءات بعنوان: "يومًا ما ستتحدث وسينصت لك العالم." كان هذا العنوان انعكاسًا دقيقًا لمسيرتها، حيث تحدثت عن الفشل، السرد القصصي، والبحث عن الشغف.
في وثبة، نصحها أ. عبدالله الجامع بأن تأخذ المسرح كمهنة، وأرشدها إلى التواصل مع شمس الصبي، التي قالت لها: "ذكرتِني بنفسي في البدايات، صوتك مليء بالحماس." تلك المكالمة كانت بوابتها إلى عالم التقديم.
الوقوف على المسرح: من TEDx إلى LEAP
بعد فترة، تواصلت معها طالبات من جامعة الأميرة نورة لتقديم TEDx، وكانت التجربة الأولى التي تولّت فيها الإشراف الكامل على التقديم. اختارت أن تروي في الافتتاحية قصة الأميرة نورة، التي كانت منارة للنخوة وأصبحت منارة للعلم، وكانت هذه اللحظة التي شعرت فيها أن روحها "تتراقص فوق المسرح."

بعد ذلك، جاءتها دعوة من وزارة البيئة لتقديم برنامج "سنبلة" بحضور نائب الوزير والأمير الوليد بن طلال. في يونيو 2024، وقفت لأول مرة على المسرح في حدث مصوَّر، لتُسجل هذه اللحظة كتجربة استثنائية في مسيرتها.
في نوفمبر 2024، تواصل معها أ. عبدالرحمن التيماني من مؤسسة مسك لتقديم "مجلس الشباب"، وكان هذا الظهور نقطة انطلاقتها الفعلية في عالم الخطابة.
الأحلام تتحقق: الوقوف أمام معالي السواحة في LEAP
لكن الحدث الأكبر جاء مع تقديمها لصناديق رأس المال والاستثمارات الناشئة لعام 2025 في LEAP، حيث كان من بين أهدافها أن تقف على المسرح أمام معالي المهندس عبدالله السواحة والدكتور محمد التميمي محافظ هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية ، وقد تحقق هذا الحلم! قبل الحدث، شعرت بخوف لم تجربه من قبل، وتردد مهول، لكن بفضل الله، ودعوات والدتها، اختفى كل ذلك لحظة صعودها على المسرح.

تقول شهد: "رحلتي لم تكن سهلة، فأنا لا أزال في بدايتها، لكنها كانت مغلفة بحفظ الله ودعوات أحبتي. مررت بلحظات أخرج فيها من مكان تم رفضي به، ثم أذهب لإلقاء حديث ملهم لتحفيز الآخرين."
تعرضت للرفض على جميع الأصعدة، لكنها كانت تطرق كل الأبواب، لأن النجاح في نظرها لا يتعلق فقط بالمحاولة، بل بالاستعداد لقطع المسافات الإضافية. في إحدى المقابلات، انتظرت أربع ساعات حتى يقابلها الشخص المسؤول عن التوظيف، حتى غادر جميع الموظفين وبقيت وحدها تنتظر. في TEDx، جلست مع كل متحدث فرديًا لتعرف قصته بشكل أعمق قبل تقديمه، رغم أن ذلك لم يكن مطلوبًا منها.
تقول شهد: "إذا كان هناك شيء تعلمته، فهو أن أساس النجاح في الحياة هو علاقتك بربك، واستقامتك في العبادات هي العمود الثابت. الطموح يجب أن يكون مستعدًا للركض المسافات الإضافية، لأن الفرق بين الناجحين وغيرهم هو بذل الجهد الزائد والتسلح بالمعرفة."
اليوم، بعد خمس سنوات من الرفض، المحاولات، والنجاحات، تشعر شهد أن رحلتها لم تنتهِ بعد، لكنها عرفت أن هذا هو الطريق الذي تنتمي إليه—الوقوف على المسرح، وإلهام الآخرين، وصنع أثر حقيقي بصوتها.