هل يشكل النوم المبكر والطويل خطرا على الصحة
لطالما سمعنا من أهالينا وأساتذتنا وكبار السن المقولة الشهيرة: "نام بكير وقوم بكير، شوف الصحة كيف بتصير"؛ حتى أننا بتنا اليوم وبعدما أصبحنا أمهات وآباء، نرددها على مسامع أولادنا مراراً وتكراراً لحثهم على الخلود للنوم باكراً وعدم السهر الطويل.
ويتفق الكثير من الأطباء وخبراء الصحة على أن النوم المبكر ولساعات كافية حسب العمر وحاجة الجسم، هم المعيار الصحي للحفاظ على الصحة والوقاية من العديد من الأمراض.
إلا أن البحوث والدراسات الجديدة والتي تركز على نواحي معينة من الصحة دون غيرها، قد تصل لنتائج معاكسة لهذا التفكير الذي كان سائداً لسنوات طويلة وما زال. ومنها الدراسات التي تبحث في أسباب وعوامل خطر الإصابة بمرض الخرف، أحد أبرز أمراض الشيخوخة.
وفي دراسة حديثة أجريت في الصين، تبين أن النوم المبكر ولساعات طويلة قد يزيد من خطر الإصابة بالخرف، فما هي حيثيات هذه الدراسة؟ وهل يُشكل النوم الباكر ولفترة طويلة خطراً على الصحة العقلية؟
هذا ما سوف نكتشفه سوياً بناء لمعلومات نشرها موقع "العربية.نت" نقلاً عن موقع "ميديكال نيوز توداي" الذي أورده نقلاً عن دورية الجمعية الأمريكية لطب الشيخوخة.
النوم المبكر لساعات طويلة يزيد من خطر الإصابة بالخرف
هي النتيجة الأولية التي توصل إليها باحثون من الصين، ربطت بين خطر الإصابة بالخرف وخلود السكان الكبار بالسن في المناطق الريفية بالصين للنوم المبكر ولفترات طويلة.
وتشهد الصين أكبر عدد من المصابين بالخرف حول العالم، إذ تُسجل البلاد واحداً من بين كل 20 شخصاً يبلغ من العمر 60 عاماً وأكثر، مصاباً بالخرف، الذي يصفه الطب الحديث على أنه اضطراب تنكسي عصبي، معروف أيضاً بإسم التدهور العقلي أو العتاه،وهو تدهور مستمر في وظائف الدماغ ينتج عنه اضطراب في القدرات الإدراكية مثل الذاكرة والاهتداء والتفكير السليم والحكمة. ومن أكثر أسباب الخرف شيوعاً هو مرض آلزهايمر.
كذلك توصلت الدراسة إلى أنه حتى الأشخاص الذين لم يصابوا بالخرف أثناء فترة الدراسة، ما زالوا تحت خطر الإصابة بدرجة من التدهور المعرفي الناتج عن النوم الطويل والمبكر. وجاءت نتائج الدراسة تحديداً لفئة كبار السن ممن تتراوح أعمارهم بين 60-74 عاماً وعند الرجال بشكل خاص.
ما علاقة النوم بالخرف
في محاولة لفهم علاقة النوم بالخرف، نجد أن النوم هي عملية بيولوجية معقدة، والتغيرات المرتبطة بالشيخوخة ترتبط بشكل وثيق بتوقيت النوم وجودته وعلاقته بالاضطرابات المعرفية. وتقول الدكتورة فيرنا بورتر، اختصاصية الأعصاب ومديرة قسم الخرف ومرض الزهايمر والاضطرابات العصبية الإدراكية في مركز بروفيدنس سانت جون الصحي في سانتا مونيكا بكاليفورنيا، والتي لم تشارك في البحث الحالي، إنه "من المهم أن تقوم دراسات بتقييم السكان القوقازيين، ومعظمهم من سكان المناطق الحضرية من أميركا الشمالية أو أوروبا الغربية"، مشيرة إلى أن الدراسة الصينية الجديدة ركزت على "تقييم البالغين الريفيين من الصين، بما يشمل ممارساتهم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتعليمية الفريدة من نوعها".
هدفت الدراسة التي بدأت في العام 2014 وقادها علماء من مؤسسات ومراكز بحثية صينية وشملت كبار السن في المناطق الريفية لمقاطعة شاندونغ، للبحث في ارتباط خصائص النوم المُبلغ عنها ذاتياً وبين متلازمة إيلرز دانلوس مع الخرف العرضي ومرض ألزهايمر والتدهون المعرفي. كما أخذت الدراسة في الإعتبار التفاعلات المحتملة لاختلافات السمات الديموغرافية والنمط الجيني APOE.
وبحسب الدراسات المتعددة، فإن الخرف شائع بشكل أكبر في المناطق الريفية أكثر من المناطق الحضرية والعصرية، حيث يميل كبار السن في تلك المناطق للنوم والإستيقاظ باكراً، ما يجعلهم لا يحصلون على نوم جيد في كثير من الأحيان مقارنة بسكان المدن والمناطق الحضرية.
وبالعودة للدراسة المذكورة أعلاه، فقد كشف النتائج أن خطر الإصابة بالخرف كان أعلى بنسبة 69٪ للأفراد الذين ناموا أكثر من 8 ساعات، مقابل 7-8 ساعات. كما تضاعفت المخاطر أيضًا بالنسبة لأولئك الذين يخلدون للنوم قبل الساعة 9:00 مساءً، مقابل 10:00 مساءً أو بعدها.
ووجد الباحثون أيضاً علاقة بين النوم المبكر أو المتأخر مع انخفاض في درجة التدهور المعرفي بين الرجال. واستنتجت الدكتورة بورتر أن الأسباب المحتملة وراء ارتفاع مخاطر التدهور المعرفي لدى الرجال تحديداً، مردها إلى "التوقعات الثقافية فيما يتعلق بالأدوار التقليدية للجنسين، وتأثيرها على اختيار الوظيفة والمشاركة الاجتماعية والاقتصادية، ما يؤثر بشكل مختلف على الرجال في المناطق الريفية في الصين نظرًا لدورهم التقليدي في إعالة العائلة والحاجة للعمل الذي يتطلب في كثير من الأحيان، جهداً بدنياً كبيراً ومرهقاً.
هذا ويأمل الباحثون الذي عملوا على هذه الدراسة، أن تساعد النتائج التي توصلوا إليها في سد فجوة المعرفة ولو بشكل جزئي للأشخاص ذوي الوضع الاجتماعي والاقتصادي المنخفض. مشيرين إلى أن نتائجهم ينبغي أن تشجع على مراقبة كبار السن "الذين ينامون لفترات طويلة ويذهبون للفراش مبكرًا، خاصة الأكبر سنًا (الذين تتراوح أعمارهم بين 60 و74 عامًا) والرجال بشكل خاص". كما يمكن أن تبحث الدراسات المستقبلية في سبل تقليل ساعات نومهم وتعديل المواعيد بما يساعد في تقليل مخاطر الإصابة بالخرف والتدهور المعرفي.