صانعة كعكات الزفاف بشرى مرير تشارك "هي" أسرار مسيرتها وأحدث تصاميمها
كعكة الزفاف هي عنصر أساسي في حفل الزفاف، ولا يمكن اعتبارها عنصراً من الديكور أو الزينة فقط، خاصة أنّها تحمل معانٍ ودلائل مرتبطة بروحية ومفهوم الزواج. فقد كانت كعكة الزفاف جزءًا من الحفل منذ زمن الإغريق والرومان القدماء. كتقليد متبع في الأعراس، كان العريس يقطع قطعة الكايك على رأس العروس، كرمز لجلب الحظ الحسن وتعزيز الخصوبة.
أمّا كعكة الزفاف الحديثة كما نعرفها الآن، فانطلقت في عام 1882 خلال حفل زفاف الأمير ليوبولد، دوق ألبانيا؛ وكانت كعكة زفافه هي أول كعكة صالحة للطعام بالفعل.
لمشاركتك آخر تصاميم كعكات الزفاف والمفهوم الذي تتضمنه وقصة العروسين التي ترويها، أجرت "هي" حواراً من قلب العاصمة الفرنسية، مع بشرى مرير، التي تحمل الجنسيتين المغربية والفرنسية، والتي حصدت جوائز عالمية متعدّدة لتفوّقها في صناعة قوالب حلوى تروي قصصاً تاريخية ومغزى حديث في قالب عصري.
- لنبدأ بوجودك في فرنسا، هل نشأت في باريس؟
هاجر والداي المغرب خلال حقبة السبعينيات، فولدت وترعرعت في ستراسبورغ، مدينة فرنسية قريبة من ألمانيا. قدمت إلى باريس في عام 2003 وأطلقت عملي الخاص بعد بضع سنوات.
- حصدتِ جوائز عديدة في بطولة فرنسا وبطولة العالم لمصممي الكايك، وفزت بجائزة أفضل 10 فنانين في فرنسا. أخبرينا المزيد عن هذه التجربة.
عندما أنهيت اختصاصي بإعداد الحلويات، بدأت بتعلّم تقنيات تزيين الكايك، وكنت مقتنعة أنّ الكعكة ليست مجرد قالب حلوى مخبوزة، بل تحفة فنية حقيقية تتضمن زخرفة تفتح الشهية بنكهاتها المختلقة والمميّزة.
بعد تطوير وصفات رائعة تجمع بين فن الكايك والحلويات الفرنسية المكرّرة، بالإضافة إلى خلق نسيج فريد من السكّر باستخدام خلفيتي الفنية، قررت أن أتحدى نفسي من خلال المشاركة في بطولة تصميم الكايك الفرنسية خلال عام 2015.
تضمنت المسابقة إعداد قطعة فنيّة من السكّر مستوحاة من الفن الفرنسي.
وهكذا، خبزت قطعة فريدة من نوعها كانت عبارة عن جاذبية متدرجة تتحدى التحفة الفنية بعناصر تمثل عالم الروائي والشاعر والكاتب المسرحي الفرنسي "جول فيرن"؛ و أتى عملي عبارة عن غواصة وساعة ستيم بانك وكرة أرضية وسفينة وأخطبوط نحاسي معدني يحيط بالقطعة وكلّها من السكّر!
اخترت المفهوم هذا لما يتضمنه من إمكانيات إبداعية، فأتي إبداعي وكأنّه يروي قصة روايات مختلفة للكاتب بكل التفاصيل. وهذا ما جعلني أفوز بالميدالية الفضية، فقمت بكل فخر بتمثيل فرنسا في إيطاليا بنفس العام، وذلك في بطولة العالم لتصميم الكايك.
ابتكرت لهذه المسابقة تحفة فنية ضخمة تمثل فن النهضة الإيطالي: أعمدة توسكان، المناظر الطبيعية الصالحة للأكل، فسيفساء الدرابزين والرخام مع اللبلاب السكّري حول القطعة.
هذا، وتم جمع وإعداد كافة التفاصيل المعمارية في وسائط مختلفة من السكّر باستخدام المهارات التقنية المتقدمة.
قمت كذلك باختبار مهم آخر تمثل في إنشاء أفضل مزيج من النكهات: كعكة إسفنجية مكثفة بالبندق، رطبة ومليئة ببرالين مقرمش، وإضافات فاكهة العاطفة وكريمة الشوكولاتة الأشقر الكريمية، وهذا ما نال إعجاب لجنة تحكيم المسابقة الذين وجدوا وصفتي مصقولة ورائعة، ما نجم عنه فوزي في اختبار النكهة هذا. كان عاماً رائعًا فعلًا، فقد سمحت لي هذه التجارب بتطوير مهنتي ودفع حدود إبداعي ومهاراتي إلى درجات أعلى.
بعد هذه الإنجازات، أصبحت مرجعاً في مجالي وفزت بجوائز أخرى مختلفة.
-صحيح، فأنتِ معروفة بأنك من أكثر مصممي كعكة الزفاف إبداعًا في فرنسا، وهذا بالتأكيد مصدر إلهام للآخرين. شاركينا بأسرار نجاحك.
بالنسبة لي، يمثل كل مشروع تحديًا حقيقيًا. أحب مقابلة عملائي للاستماع إلى قصصهم والتعرّف إلى البيئة التي تحيطهم والإحساس بالكون الذي يعيشون فيه؛ فينصب تركيزي على إعداد لهم تصميمًا خاصًا جدًا، حيث أستغرق وقتًا طويلاً في العصف الذهني للوقوف عند متطلباتهم وابتكار التصميم الفريد.
يُعد تصميم كعكة الزفاف جزءًا من عملية طويلة جدًا، فقد يستغرق الأمر شهورًا للخروج بالأفكار الأولى نحو تصميم كعكة زفاف مفصّلة ونهائية.
نجاحي يثمثل برضا زبائني عند اكتشاف كعكتهم، وعندما يعيشون تجربة لذيذة لا تُنسى، كما يسعدني أن أعرف أنني ألهم الآخرين.
- أنت ترسمين أيضًا. كيف ربطت ذلك بتصميم الكايك؟
صحيح، أنا شغوفة بالفن وإعداد الحلويات منذ طفولتي. لطالما أحببت التصميم والعملية الإبداعية وراء خبز الكايك، وكل ذلك بفضل التحفيز الذي ألقاه بداخلي والتجارب المختلفة في المجال كما الرسم والنحت؛ كل هذه العناصر دفعتني إلى تطوير اهتمامي الخاص بفن صناعة الكايك. وهكذا، قمت بإعداد نوع مختلف من الرسم بطريقة صالحة للأكل. فأستخدم زبدة الكاكاو والألوان الصالحة للطعام للحصول على تأثير الرسم الزيتي وخلاصة الليمون وأصباغ الألوان الصالحة في الرسم على شكل لوحات مائية، وأقوم بتجربة تقنية السكين مع كريمة الزبدة حتى نتمكّن من الحصول على تأثير طلاء محكّم وأكثر عصرية، إذ أفضل دائمًا إضافة لمستي الخاصة للفن في جميع أعمالي.
- أخبرينا عن الإلهام وراء هذه الكعكة، والمواد المستخدمة والمكوّنات!
في البداية، كانت الفكرة هنا هي إعداد كعكة كروية متدرجة، ولكني لم أرغب في إعداد هذه الشكل الكروي، لذلك قررت إضافة حركة أحبها؛ فقمت ببناء هيكل داخلي ينسجم مع تصميم الكعكات من أجل إعطاء شكل متناغم لكافة العناصر، فأضفت خواتم ذهبية تذكّر بالمفهوم الدائري. تم استلهام الزخرفات المصنوعة من السكّر على الكرات من عناصر الدانتيل في ثوب العروس، مع إضافة ورود حديقة من السكّر إلى القطعة بأكملها لإضفاء لمسة خاصة من الأناقة.
- هل تعتقدين أنّه يمكن للعروسين أن يرويا قصتهما من خلال كعكة الزفاف؟ كيف؟
نعم، وهذا ما أسعى إليه بكافة تصاميمي. إذ قبل أن أباشر بتنفيذ أي تفصيل، أدرس حاجات الزبون ورغباته وماذا يفضّل؛ ثم أجمع كافة العناصر التي تلقيتها مع الإلهام والأفكار، حتى تأتي تلك اللحظة السحرية عندما يسيطر خيالي وإبداعي على التصميم والتنفيذ.
حقاً، أستمتع بتغلغلي في عالم الزبون الذي يلهمني ويساعدني على ابتكار تصميم حصري خاص بعالمه. وهكذا، استنادًا إلى المعلومات التي تم جمعها، أرسم مخططًا بخيارات تختلف في اللون والشكل والتفاصيل وقوام الوسائط الصالحة للأكل ليختار العميل من بينها.
الجدير ذكره أنّه يتم تصميم كعكة الزفاف بالكامل ومن الصفر بناءً على رغبات العروس والعريس، حيث أرسم "سكتش" توضيحيًا خاصًا للكعكة بمناسبة يومهما الكبير.
- الكعكة هنا فريدة من نوعها بالتأكيد. كيف توصلت لهذه الفكرة؟
لأني أنظر إلى كل عروس وعريس بأنّهما فريدين من نوعهما، وأرى كل حدث بالإجمال فريدًا من نوعه، أقوم بإنشاء كعكات حصرية لكل عميل. كعكة الزفاف هنا هي عبارة عن لوحة ألوان أومبير من اللون الأرجواني؛ وكانت الفكرة تجسّد تمثيل زوبعة من المواد باستخدام نسيج صالح للأكل.
هنا أردات العروس، وهي سيدة عصرية تعشق الأزياء الراقية والفن، أن تكون كعكة زفافها بمثابة تحفة فنية، وهذا ما قمنا به.
- نحن أمام عمل فني هنا. ما القصة التي كشفت عنها قطعة الكايك هذه؟
هذه القطعة كانت مميزة جدًا! فقد أحبت العروس أحد تصاميمي الذي ابتكرته سابقاً، قبل استخدام هذا الخاتم الذهبي المركزي وهذا القماش الصالح للأكل. استوحيت هذا التصميم من فستانها الذي صمّمه جان بول غوتييه، وتعمدت إعداد تصميم ناعم وفخم ومنحوت بوسائل مختلفة صالحة للأكل، فأضافت الأقمشة لمسات حساسة وشاعرية.
الوسائط المختلفة المستخدمة مصنوعة من السكر والأرز وورق الويفر، والنكهة عبارة عن كعكة لوز ناعمة، كريم جياندوجا جاناش، طبقة من الكراميل المملّح، والليمون الرائب.
- نحن بحاجة إلى الكثير من التفاصيل حول هذه الكعكة. الحدث، القصة، المواد، الفكرة!
تروي هذه الكعكة قصة حب رومانسية! فقد صنعت كعكة الزفاف الخاصة هذه لمشروع ملحمي راقٍ "شاتو دو فو لو فيكومبت" مع مصمم عالمي موهوب.
أرسل لي الزوجان لوحة ألوان جميلة بما في ذلك البرقوق والشوك والأخضر الفاتح حيث رغبا بإضفاء أجواء رومانسية للديكور بأكمله.
لقد فهمت على الفور الأجواء الرومانسية التي يفضلونها وخطرت لي فكرة إنشاء تصميم مختلف بلمسة كوتور، بما في ذلك زهور السكّر الرقيقة: عصفوران يقفان في وسط كعكة الزفاف، يشكّلان مشهدًا رومانسيًا بلمسات ذهبية، مع أزهار سكرّية رقيقة تضفي رقة على القطعة التي يزيد ارتفاعها عن 45 بوصة (1.20 م).
لقد استغرق إعداد هذه الكعكة أكثر من أسبوع تخلّله عمل مكثف، كي نصنع هذا التصميم الذي أظهر بدقة التباين بين ديكور الطبيعة والتفاصيل الفاخرة والفخمة.
- إلى أي حدّ يمكن أن تضيف الكعكة سحرًا إلى حفل الزفاف؟
تُعتبر الكعكة قطعة مركزية مهمة في الديكور بأكمله في حفل الزفاف؛ بل أكثر من ذلك، يمكن أن تكون اللمسة الفنية الخاصة التي تضيف التميّز إلى حفل الزفاف!
بالمناسبة، لا يهتم الكثير من عملائي ما إذا كانت الكعكة غير مناسبة تمامًا للديكور ولكنهم يفضلونها منسجمة مع مفهوم حفل الزفاف، لإضفاء لمسة أصالة خاصة بهم.
- هل تواجهك أيّة تحديات في صنع كعكة تناسب مكان الزفاف؟
نحن في مواجهة دائمة للتحديات عند تصميم قطعة كايك خاصة وحصرية، إذ لا نعيد إنتاج التصميم نفسه بتاتاً، حيث لكل مشروع إلهام خاص به لتصميم كعكة جديد.
- سؤال أخير يرغب الكثيرون في معرفته: كيف وصلت إلى هذا المستوى من النجاح؟
أشعر بسعادة عارمة عندما أعلم أنّ عملي لاقى استحساناً لدى الآخرين، لكن حقاً لم يكن هذا هدفي في البداية.
كان تركيزي بشكل أساسي يتم على تقديم أفضل خدمة لعملائي من خلال منحهم تجربة غنية بالعواطف لا تُنسى.
يسعدني أنّه يمكنني من خلال ذلك، مشاركة رؤية تعريفي لكلمة "عدالة"، التي أراها نسخة متعددة الثقافات من الأناقة والأصالة والقيم الإنسانية والأخلاقية.