السمنة وصحة الأوعية الدموية.. علاقةٌ طردية لا تهمليها
تزايدت أعداد المصابين بالسُمنة بشكل مخيف في وقتنا الحالي، ما يُنذر بكارثة صحية كبيرة. والحقيقة أن السُمنة، التي كانت محصورةً في فئات وأعمار معينة؛ باتت اليوم خطرًا يهدد حتى الصغار ممن تزداد أوزانهم بصورة مخيفة من عمر صغير، مرورًا بالمراهقة وسن الشباب، ووصولًا إلى الشيخوخة. ما يجعلهم أكثر عرضةً للأمراض والمشاكل الصحية، والتعرض لخطر الوفاة في عمر مبكر.
وتُعزى السُمنة في وقتنا الحالي، لأنماط الحياة والغذاء الخاطئة؛ مع انتشار الوجبات السريعة وتحوَل الحياة العملية إلى المكاتب، الأمر الذي يُقلَل من نشاط الجسم خلال اليوم.لذلك لم يكن مستغرَبًا تصنيف مؤسسات الرعاية الصحية العالمية للسُمنة بأنه مرض، ويكون خطيرًا حال إهمال علاجه. مع الإشارة إلى أن السُمنة تؤثرفي مختلف أعضاء الجسم، وتتعرض الأوعية الدموية خصوصًا لضرر كبير بسببها،ما قد يهدد حياة المصاب في الحالات المزمنة.
للوقوف أكثر على ارتباط السُمنة بصحة الأوعية الدموية وتأثيراتها السلبية عليها،تحدثنا إلى الدكتور خليل عفش،استشاري الدهون والأوردة والمدير الطبي في هيلث بوينت؛ والدكتور محمد حداد، استشاري جراحة السُمنة والجراحة العامة،ورئيس جراحة السمنة والتمثيل الغذائي في هيلث بوينت، حول السمنة ومضاعفاتها وخياراتها العلاجية بما فيها الجراحة، وكيف تُحسَن هذه العلاجات من صحة المريض.
خطر السُمنة على الأوعية الدموية
أوضح الدكتور عفش أن السُمنة تُعتبر مرضًا يزداد عدد المصابين به سنويًا حول العالم، ويُسبَب مضاعفات خطيرة على الصحة عمومًا.
فعند زيادة مستوى الدهون حول أعضاء الجسم، تحدث تغيراتٌ عديدة على مستوى الخلايا تؤدي لتغيَر عناصر كثيرة في الدم؛ مثل عوامل النمو والالتهابات وغيرها. ومن أبرز مضاعفات السُمنة على القلب والأوعية الدموية، ارتفاع ضغط الدم وتصلب الشرايين. أيضًا تتعرض الشرايين للانسداد بسبب التجلطات، إلى جانب فشل عضلة القلب وارتفاع الكولسترول والشحوم الثلاثية، ومرض السكري والتجلطات في الرئة.
جراحة السُمنة وصحة الأوعية الدموية
لعلاج الأمراض التي تُسبَبها السُمنة، ومن ضمنها انسداد الأوعية الدموية؛ أشار الدكتور عفش إلى أنه"علينا علاج السبب الرئيسي لها، ألا وهي السُمنة". ولا يكون التدخل العلاجي جراحيًا إلا في الحالات الطارئة عند حدوث انسداد مُزمن في الأوعية الدموية، من خلال التدخل العلاجي عبر القسطرة لإزالة التجلطات. ويمكن في الحالات الأقل خطرًا، اللجوء للعلاج الدوائي في حال الانسداد الجزئي في الأوعية الدموية.
كما أكد استشاري الدهون والأوردة أن جراحة السُمنة تأتي لأسباب عديدة؛ أحدها أن السُمنة تُسبَب مضاعفات كبيرة على الصحة، مثل وجود مرض السكري والعجز عن إدارته بشكل جيد. وبالعموم، فإن خسارة الوزن الزائد والوصول بمؤشر كتلة الجسم لأقل من 30 إلى 26 أو 27، يعود بأثر إيجابي على الأمراض المصاحبة للسُمنة.
لكن خسارة الوزن تُعتبر عنصرًا مساعدًا في حالة انسداد الشرايين، لأن هذا المرض يستوجب متابعةً طبية دورية مع الطبيب للتخلص من المشكلة. وفي الحقيقة، لا يُعتبر الأشخاص ذوو الوزن الصحي، مُحصَنين من أمراض القلب والأوعية الدموية؛ على الرغم من أن السُمنة تزيد من فرص الإصابة بهذه الأمراض.
بدون أدنى شك، ندرك أن السُمنة تؤثر على مختلف أعضاء الجسم؛ ومن ضمنها الشرايين المحيطية. لذا فإنها من عوامل الخطر الرئيسية للإصابة بهذه الأمراض، إذ يُعتبر الأشخاص المصابون بالسُمنة عرضةً مرة ونصف أكثر من غيرهم لهذه الأمراض، يضيف الدكتور عفش.وتزيد السُمنة أيضًا من عامل تخثر الدم المتواجد بشكل طبيعي في جسم الإنسان، لذلك ترتفع مخاطر تعرَض المصابين بالسُمنة للتخثرات الدموية في الشرايين؛ مع انخفاض قدرة الجسم على إذابة التخثرات، لاسيما عند تراجع قدرة الشخص على الحركة بسبب زيادة الوزن.
وتحدث الدكتور عفش عن حالة تُعرف بالأوردة العنكبوتية؛ حيث تقوم أوردة الرجلين بدفع الدم من الأسفل إلى الأعلى باتجاه القلب، مع وجود صمامات فيها لهذا الغرض. لكن عند بعض الأشخاص، تتعرض هذه الصمامات للضرر؛ لأسباب وراثية أو بسبب الحمل أو لعوامل أخرى، ما يتسبب في تجمع الدم داخل الأوردة وتضخَمها وتغيَر شكلها في حالة تسمى "الأوردة العنكبوتية". مشيرًا إلى أنه لا يمكن عمومًا، التأكد من وجودها أو خطرها على الشخص دون فحص طبي دقيق واستشارة الطبيب لتقييم الحالة وتشخصيها جيدًا.
وعليه، أوصى الدكتور عفشأي شخص لديه تاريخٌ عائلي لأمراض القلب والأوعية الدموية،البدء بالفحوصات الدورية في عمر مبك؛،مؤكدًا أنّخسارة الوزن هي أحد أهم عوامل الوقاية من هذه الأمراض، إلى جانب الإقلاع عن التدخين وممارسة الرياضة وتناول نظام غذائي صحي.
تأثير جراحة السُمنة على صحة الأوعية الدموية
من جهته، أكد الدكتور محمد حداد أن السُمنة مرضٌ يؤثر على جميع أعضاء الجسم؛ لاسيما الأوعية الدموية، إذ تتعرض لمشاكل كبيرة نظرًا لأن المُصاب بالسُمنة ترتفع لديه احتمالات الإصابة بالسكري وارتفاع الكولسترول وضغط الدم ومشاكل الكلى وغير ذلك من الأمراض التي تؤثر سلبًافي الأوعية الدموية. ويرى استشاري جراحة السُمنة أنهذه الجراحة التي تُحسَن من حالة المريض الصحية عمومًا؛ تعود بآثار إيجابية على صحة الأوعية الدموية، مع دورها الإيجابي في الحد من مخاطر الإصابة بتلك الأمراض أو تخفيف حدتها في حال وجودها لدى المريض.
وفي الواقع، يتعرض مريض السُمنة لالتهابات مُزمنة في جسمه تختلف عن تلك التي تُسبَبها الأمراض الفيروسية والبكتيرية؛ إذ تُعزى هذه الالتهابات لأسباب مناعية، وتؤثر سلبًا أيضًا على صحة القلب والشرايين. في حين أثبتت الدراسات أن جراحة السُمنة تُقلَل من حدة هذه الالتهابات،ومن ثمتُحسَن من صحة الأوعية الدموية، لاسيما الطبقات الداخلية منها الأكثر تأثرًا بزيادة الوزن.
تحديد نوع العلاج حسب مرحلة السُمنة
من المشاكل الشائعة التي ترتبط بالسُمنة، وتساعد جراحة السُمنة في الحد منها؛ التخثرات والتجلطات الدموية التي ترتفع مخاطرها مع زيادة الوزن، في حين تنخفض حدة مرض تصلب الشرايين مع فقدان الوزن، وهو حالةٌ صحيةٌ خطيرة تُسبَب النوبات القلبية والسكتات الدماغية التي تهدد حياة المريض.
وبصرف النظر عن طريقة علاج مرض السُمنة، سواءبالنظام الغذائي أو باستخدام البالون أو الإجراء الجراحي؛ فإن استعادة وزن صحي للجسم يؤثر إيجابًا على مختلف الأمراض التي تُسبَبها السُمنة مثل السكري أو أمراض القلب والأوعية الدموية أو الكولسترول أو ارتفاع ضغط الدم أو الدوالي في الرجلين أو غيرها. لذلك فإن علاج السُمنة يُحسَن من حالة تلك الأمراض عمومًا أو يُقلَل من فرص الإصابة بها، يضيف الدكتور حداد.
مشيرًا إلى أن تحديد نوع التدخل العلاجي للتخلص من السُمنة، يتم حسب المرحلة التي وصل إليها المريض؛ باعتبار السُمنة مرضٌ خطير يؤثر على حياة الإنسان وعمل أعضائه الحيوية. وعادة ما يقوم الأطباءفي هذه الحالة، بتقسيم مرضى السُمنة إلى فئات محددة؛ عبر احتساب مؤشر كتلة الجسم وفق معادلة بسيطة.
وينقسم مرضى السُمنة لعدة فئات هي:
- مؤشر كتلة الجسم من 20 إلى 25: وزنٌ صحي.
- مؤشر كتلة الجسم من 25 إلى 29: زيادة في الوزن.
- مؤشر كتلة الجسم من 30 إلى 35: مرض السُمنة المرحلة الأولى.
- مؤشر كتلة الجسم من 35 إلى 40: مرض السُمنة المرحلة الثانية.
- مؤشر كتلة الجسم أكثر من 40: مرض السُمنة المرحلة الثالثة.
بالنسبة لمرضى السُمنة في مراحلها الأولى، مثل شخص يعاني من زيادة في الوزن بمعدل 10 إلى 15 كيلوغرام؛ يشير الدكتور حداد إلى اللجوءعادةً لتعديلات في أنماط حياته، مثل اتباع نظام غذائي صحي وممارسة الرياضة مع متابعة مُختَصي التغذية. ويُعدَالحصول على قسطٍ كافٍ من النوم وشرب كميات مناسبة من المياه، من الأمور التي تساعد على خسارة الوزن.
بالنسبة للمرضى الذين يعانون من زيادة أكبر في الوزن وفشلوا في خسارة وزنهم عن طريق أنماط الحياة الصحية، يلجأ الدكتور حداد للعلاج الدوائي تحت الإشراف الطبي. وفي حالة المرضى الذين وصلوا لمراحل متقدمة من السُمنة وظهرت عليهم الأمراض المُصاحبة لها، وفشلوا في التخلص من وزنهم الزائد بالخيارات المذكورة آنفاً؛يتم اللجوء للخيارات الجراحية الأخرى، حسب عمر المريض والأمراض المُصاب بها وتوقعاته ومؤشر كتلة الجسم لديه، بعد القيام بعملية تقييم شاملة للتأكد من الخيار الجراحي المناسب له.
في الختام، لا يحب أحدٌ منا أن يزيد وزنه وأن يعاني من تداعيات السُمنة على صحته؛ فضلًا عن الحرج الاجتماعي الذي يرافق من يعاني من هذه المشكلة، خاصةً نحن النساء. فإن كنتِ عزيزتي تحرصين على إيلاء صحتكِ بصورة عامة وصحة قلبكِ بصورة خاصة، عنايةً قصوى؛ عليكِ بمعالجة مشكلة السُمنة سريعًا في حال كنتِ تعانين منها. والالتزام بنمط حياتي وغذائي صحي يضمن عدم زيادة وزنكِ بشكل خطير، يُهدد بأمراض مزمنة مثل أمراض القلب والسكري.