تُعزز الذكريات الإيجابية.. 10 روائح فعالة في محاربة السلبية عند المصابين بالاكتئاب
كاشف الدواء هو من يعاني من الداء نفسه.. هكذا كان سيغموند فرويد، الذي عانى طويلًأ من الاكتئاب، وقال عنه: "الاكتئاب ليس علامة ضعف، بل إشارةٌ لمحاولتكَ أن تكون قويًا لفترةٍ طويلةٍ جدًا." عالج فرويد نفسه من الاكتئاب بتعاطي الكوكايين، وبدأ تعاطيه أول الأمر لتحسين المزاج أول الأمر؛ إلا أن الأخير تمكنَ منه!!
مأساة فرويد وغيره من الأفراد الذين عانوا لسنواتٍ طويلة من الاكتئاب، لا ينبغي تعميمها على الجميع، ولا يجب الإقتداء بها كحلٍ للخروج من دوامة الاكتئاب التي تسحب المصاب به نحو الأسفل السحيق؛ فلا يعود قادرًا على الهروب، ولا راغبًا في التخلص من تلك المشاعر السلبية التي يُولَدها الاكتئاب، وأصعبها خطورةً الانتحار.
بحسب موقع "مايو كلينك" المختص، فإن الأدوية والعلاج النفسي فعالةٌ كثيرة لمعظم الأفراد المصابين بالاكتئاب. ويمكن لطبيب الرعاية الأولية أو الطبيب النفسي، وصف أدويةٍمعينة لتخفيف أعراض الاكتئاب؛ ومع ذلك، فإن العديد من الأشخاص المصابين بالاكتئاب يستفيدون أيضًا من زيارة طبيبٍ نفسي أو اختصاصي علم النفس أو متخصصٍ متمرس في حالات الصحة العقلية الأخرى.
هناك أيضًا بعض العلاجات الطبيعية التي تساعد في تخفيف حدة الاكتئاب والأفكار السلبية المصاحبة له،ولكنها لا تحلَ أبدًا مكان العلاجات الدوائية والمعرفية التي يتبَعها المختصون لعلاج حالات الاكتئاب على اختلافها. وفيما يُشكَك كثيرون بنجاعة العلاجات الطبيعية في التخلص من الاكتئاب، يعكف الباحثون ومنهم علماء من جامعة بيتسبرغ الأمريكية، على تحديد العلاقة الوثيقة بين بعض الروائح المألوفة ومحاربة الأفكار السلبية.
نعم، ما سمعتهِ صحيح؛ إذ يبدو أن بعض الروائح قد تكون أكثر فعالية من الكلمات في إثارة الذكريات الإيجابية التي تنجح بطريقةٍ أو بأخرى، في التخلص من الأفكار السلبية الناجمة عن الاكتئاب.. فلنتعرف أكثر على تفاصيل هذا الموضوع.
الروائح المألوفة تحارب الأفكار السلبية
من المعروف أن الشخص المصاب بالاكتئاب الحاد، قد تعتريه بعض الأفكار السلبية الحادة والتي يصل بعضها إلى حد القضاء على الحياة من خلال الانتحار بوسائل مختلفة. ما يجعل الأطباء والمُشرفين على هذه الحالات الشديدة، يُضطرون لإدخال المريض المستشفى والبقاء فيه للعلاج، أو المشاركة في برامج علاج المرضى بالعيادات الخارجية لحين تحسَن الأعراض السلبية واختفائها.
لكن أحد الاكتشافات البحثية التي عكف باحثون من جامعة بيتسبرغ الأمريكية على العمل عليها؛ أفضت إلى أن بعض الروائح خاصةً تلك المألوفة عند الإنسان، قد يكون لها أثرٌ بالغ في محاربة الأفكار السلبية واستحضار الذكريات الإيجابية من الماضي، والتي قد تساعد المكتئبين في التخلص من هذا المرض.
هل يبدو الأمر "مألوفًا" لكِ عزيزتي القارئة؟ هل هناك بعض الروائح الخاصة التي تبعث السرور والحبور في قلبك؟ بالنسبة لي، فإن رائحة الريحان أو الليمون هي أكثر ما يُريحني ويُشعرني بالسعادة؛فماذا عنكِ؟!
بالعودة إلى تفاصيل البحث، فقد توصل علماء الجامعة المرموقة في الولايات المتحدة إلى خلاصةٍ مفادها أن بعض الروائح قد تساعد في تحسين حالة المصابين بالاكتئاب؛ حتى أن تلك الروائح المألوفة، قد تُغنيهم عن تناول الأدوية بشكلٍ كبير. وجاء في البحث الذي نقلت صحيفة "نيويورك بوست" تفاصيل عنه، أن الروائح فعالةٌ أكثر في استثارة الذكريات الإيجابية، التي تساعد المكتئبين في الخروج من أنماط التفكير السلبية التي قد تُشكَل خطرًا على حياتهم.
تفاصيل البحث
خلال البحث، قام العلماء بتعريض 32 شخصًا يعانون من اضطراب الاكتئاب الشديد، وتتراوح أعمارهم بين 18 و55 عامًا إلى 12 رائحة جاءت في قوارير معتمة وغير شفافة بحيث لا يمكنهم التعرف عليها. وتضمنت تلك الروائح، القهوة المطحونة؛ زيت جوز الهند؛ مسحوق الكمون؛ النبيذ الأحمر؛ مستخلص الفانيليا؛ القرنفل؛ مُلمَع الأحذية؛ زيت البرتقال الأساسي؛ الكاتشب؛ وصولًا لرائحة مرهم "فيكس فابوراب". وبعد الانتهاء من شمَ القوارير، طلب علماء الأعصاب من المشاركين تذكَر ذكرى معينة مرتبطة بتلك الروائح، وتحديد ما إذا كانت جيدة أم سيئة.
وفي تصريحها عن نتائج البحث؛ قالت كيمبرلي يونغ، المؤلفة الرئيسية للدراسة التي نُشرت في دورية JAMA Network Open، وهي باحثةٌ في علم الأعصاب وأستاذة مساعدة في الطب النفسي في كلية الطب بجامعة بيتسبرغ، إن الأشخاص المكتئبين ممن شموا روائح مألوفةً كانوا أكثر ميلًا لتذكر ذكرى أو حدثٍ معين، مثل وجودهم في مقهى قبل أسبوع.بعكس الذاكرة الأكثر عموميةً عن ذهابهم للمقهى في وقتٍ ما من حياتهم، وعند مقارنتها بإشارات الكلمات، تبيَن أن تلك الروائح تُثير ذكرياتٍ تبدو "حيويةً وحقيقية بصورة أكبر، بحسب ما جاء على موقع "العربية.نت".
وأضافت: "كان من المفاجئ بالنسبة لي أنَ أحدًا لم يفكر في النظر إلى استرجاع الذاكرة لدى المصابين بالاكتئاب باستخدام إشارات الرائحة من قبل". موضحةً أن تنشيط جزءٍ من الدماغ يسمى اللوزة الدماغية، والذي يتحكم في استجابة "المواجهة أو الهروب"، يساهم بصورةٍ كبيرة في التذكَر؛كون اللوزة الدماغية قد تُوجَه الانتباه نحو أحداثٍ معينة. ويُحتمل أن تُحفَز الروائح اللوزة الدماغية من خلال الوصلات العصبية في البصلة الشمية، وهي عبارةٌ عن كتلةٍ من الأنسجة العصبية المرتبطة بحاسة الشم.
ووفقًا ليونغ، فإن المصابين بالاكتئاب قد يواجهون صعوباتٍ في استحضار ذكرياتٍ معينة من سيرهم الذاتية. وكون يونغ تعلم أن الرائحة يمكن أن تُثير ذكرياتٍ سعيدة لدى غير المصابين بالاكتئاب، فقد قررت دراسة الشم واسترجاع الذاكرة لدى المصابين بالاكتئاب.
وأكدت باحثة علم الأعصاب أن تحسين الذاكرة لدى المصابين بالاكتئاب، قد يكون له أبغ الأثرفي مساعدتهم على الشفاء من تلك الحالة بشكلٍ أسرع.
كاشفةً عن أنه في حال القيام بتحسين الذاكرة، "يمكننا تحسين حلَ المشكلات وتنظيم العواطف والمشكلات الوظيفية الأخرى التي يعاني منها المصابون بالاكتئاب في كثيرٍ من الأحيان". هذا وتُخطَط يونغ لاستخدام ماسحٍ ضوئي للدماغ في المستقبل، لإثبات نظريتها القائلة بأن الروائح تتفاعل مع اللوزة الدماغية لدى الأشخاص المكتئبين.
خلاصة القول، أن الاكتئاب مشكلةٌ مرضية تتطلب رعايةً طبية ومتابعة من قبل المختصين، سواء لجهة الأدوية الموصوفة أو العلاجات المعرفية والسلوكية النفسية. لكن لا ضير، بموازة ذلك، في اللجوء لبعض العلاجات الطبيعية مثل الروائح الجميلة أو المألوفة، التي أثبتت الدراسات أنها ذات تأثيرٍ إيجابي كبير لجهة تخفيف حدة أعراض الاكتئاب والمساعدة في الشفاء منه.
والمسألة لا تقتصر على المكتئبين فقط؛ بل يمكن للناس الأصحاء أيضًا، الاستفادة من جمالية تلك الروائح وآثارها الإيجابية على الصحة النفسية. لذا أحيطي نفسكِ ومن تحبين، بروائح جميلة سواء في المنزل أو العمل، لتنعكس إيجابًا على جودة ورفاهية الحياة.