تتمتع بقدرةٍ فائقة على محاربة المضادات: حلولٌ واعدة لمواجهة الجراثيم الخارقة
هل سمعتِ يومًا عن "الجراثيم الخارقة"؟ إنها البكتيريا التي تصبح ذات مناعةٍ ضد المضادات الحيوية بعد فترة. وغالبًا ما يجد قطاع الرعاية الصحية نفسه أمام خصمٍصعب استقطب اهتمام الخبراء والمؤسسات الطبية في جميع أنحاء العالم. فقد أظهرت هذه الكائنات الدقيقة، والتي تشمل البكتيريا والفيروسات والفطريات والطفيليات، قدرتها على مقاومة الأدوية المُعدّة لمكافحتها. وأصبحت تُطوَر مقاومةً للمضادات الحيوية، الأمر الذي يجعل علاج الأمراض التي تتسبب بها مهمّةً معقدة على نحو متزايد.
لاتزال الجراثيم الخارقة تُمثَل مدعاة قلقٍ دائم في مشهد الرعاية الصحية الإقليمي، إذ قد يُسبَب انتشارها تداعياتٍ كبيرة على صحة المرضى؛كما يُلقي بأعباءٍ متزايدة على نُظم الرعاية الصحية، ما يقود لزيادة التكاليف الطبية، وطول فترة إقامة المرضى في المستشفيات، وزيادة الوفيات الناتجة عن مضاعفات الأمراض.
لكن جديرٌ بالذكر، نجاح مستشفى "كليفلاند كلينك أبوظبي" بتحقيق إنجازٍ لافت في إطار رحلته المستمرة لمكافحة البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية والأمراض المعدية؛ ونال على إثر ذلك تكريمًا رفيع المستوى كمركزٍ للتميَز في الإشراف على استخدام مضادات الميكروبات، وهو اعتمادٌ مرموق من الجمعية الأمريكية للأمراض المُعدية. ويُمثَل هذا التكريم دلالةًواضحة على التزام المستشفى التام بتبني أرقى معايير السلامة والجودة، لاسيما ضمن مساعيه الحثيثة لمكافحة المخاطر التي تسببها الجراثيم أو الآفات الخارقة.
في مقالة اليوم؛ يُطلعنا الدكتور كلود عفيف، طبيب أخصائي في قسم الأمراض المعدية بمعهد التخصصات الطبية الدقيقة في مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي، على معلوماتٍ هامة ورؤى قيّمة حول بروتوكولاتٍ وقائية بسيطة وفعالة يمكن للمرضى والأطباء اتبَاعها حيال الجراثيم الخارقة، كما يناقش التطورات الواعدة في بحوث هذه الجراثيم والخيارات العلاجية الجديدة.
إنما البداية، دعونا نتعرف أكثر على أسباب ظهور هذه الجراثيم وخطرها على الصحة..
قد تتساءلين عزيزتي عن السبب المُحرَضلتواجد هذا العدو في قطاع الرعاية الصحية ، إلا أن ظهوره هو نِتاج معركةٍمُعقدة بين البكتيريا والمضادات الحيوية. وحول ذلك قال الدكتور عفيف: "تُعتبر مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية ظاهرةً طبيعية، تحدث نتيجة طفراتٍ جينية في البكتيريا. والتحدي الرئيسي هنا هو التعرض للمضادات الحيوية بشكلٍ غير مدروس أو الإفراط في استخدام هذه المضادات، وبالتالي تتكيَف البكتيريا مع فاعلية هذه الأدوية وتصبح أكثر قدرةً على البقاء عبر مقاومتها، لتنتقل تلك المقاومة مع تكاثر البكتيريا، حتى إلى السلالات البكتيرية الأخرى. وعند اكتساب هذه الكائنات الدقيقة لمقاومةٍ لعددٍ متنوع من المضادات الحيوية، يُطلق عليها اسم(الجراثيم الخارقة)."
ماهية الجراثيم الخارقة
إذًا، ما الجراثيم الخارقة الأكثر شيوعًا وتأثيرًا في المجال السريري؟
تُصنَف منظمة الصحة العالمية الجراثيم الخارقة حسب درجة ضررها بالصحة، ويتم تحديدها وفقًا لمجموعةٍ من العوامل هي:
- التأثير السريري.
- التأثير الاقتصادي.
- قابلية الانتقال.
- مدى توافر المضادات الحيوية الفعالة ضدها.
لذلك فإن الجراثيم الخارقة تُلقي بتحدياتٍحقيقية وعاجلة على قطاع الرعاية الصحية، وتشتمل هذه التحديات على البكتيريا المعوية المقاومة للكاربابينيم؛ المطثية العسيرة المُسبَبة للإسهال المرتبط بالمضادات الحيوية؛ فطر داء البقع البيضاء؛ بكتيريا الراكدة المقاومة للأدوية المتعددة، ومرض الدرن المقاوم للأدوية. وتؤكد هذه التحديات على الحاجة الماسة لتبنَي استراتيجياتٍ شاملة لمكافحتها بسبب مقاومة المضادات الحيوية.
فيما يخص الأشخاص الأكثر عرضةً للإصابة بهذه الآفات الخارقة، أكدَ الدكتور عفيف أن الجميع مُعرَضون لها للأسف؛ إلا أن فئاتٍ مُحددة تكون أكثر عرضةً لمخاطرها. ومن بين أولئك المُعرَضين لمخاطر أعلى من غيرهم، يبرز الذين استخدموا المضادات الحيوية مؤخرًا، والذين تعرضوا لحالاتٍ صحية شديدة استدعت مكوثهم في المستشفى، أو الذين تعرَضوا لإصاباتٍ بدنية شديدة، والذين يعانون من ضعف المناعة.
حلولٌ واعدة..من خلال تدابير الرقابة والعلاجات الجديدة
يعمل الجسم الطبي بشكلٍ حثيث على إيجاد حلولٍ لمقاومة الجراثيم الخارقة؛ وفي هذا الصدد، تحدث الدكتور عفيف قائلًا: "بالرغم من أننا غير قادرون على تجنب الإصابة بالعدوى تمامًا، إلا أنه يمكننا اتبَاع خطواتٍ معينة للحد من المخاطر؛ في حين يُعتبر التشخيص المبكر أمرًا حاسمًا لتجنب تفاقم المرض. كما أن تحديد نوع العدوى البكتيرية من خلال اختبار مزرعة البكتيريا والاختبار الجزيئي أمرٌ ضروري، إذ تساعد هذه الاختبارات في تتبَع أنماط المقاومة والتعرف على المضادات الحيوية الأكثر فاعلية في محاربة العدوى."
إن الإشراف على استخدام مضادات الميكروبات هو محور المعركة ضد الجراثيم الخارقة، وأوضح الدكتور عفيف ذلك بالقول: "إن الاستخدام المدروس للمضادات الحيوية، واختيار العامل المناسب والجرعة الملائمة هي أمورٌ حيوية للتصدَي للمخاطر المتصاعدة التي تُسبَبها الجراثيم الخارقة. لذلك يتعين عدم الإفراط في استخدام المضادات الحيوية، وتعزيز الرقابة على استخدامها دون وصفةٍ طبية، واستشارة الطبيب دائمًا عند استخدامها لتجنب اللجوء لأنواعٍ غير فعالة ضد البكتيريا. وبالمجمل، فإن مبادئ استخدام المضادات الحيوية بسيطةٌ، وهي أن يكون نوع المضاد مناسب، والوصف صحيح، والوقت مناسب، والجرعة ملائمة، والمدة مدروسة، مع المراقبة والتعاون بين مختلف التخصصات."
وبعيدًا عن المضادات الحيوية، تلوح في الأفق تطوراتٌ علاجية واعدة لهذه المعضلة. وأكد الدكتور عفيف على توافر مقارباتٍ بديلة لمكافحة الجراثيم الخارقة، بما يشمل اللقاحات التي تحدَ من استخدام المضادات الحيوية. واستشهد الدكتور عفيف بلقاح المكورات الرئوية كمثالٍ عملي على ذلك، وقال: "شهدنا انخفاضًا كبيرًا في السلالات المقاومة منذ طرح هذا اللقاح للأطفال وكبار السن. كما تتوفر العاثيات، وهي فيروسات تستهدف البكتيريا المقاومة للأدوية، كبديلٍ آخر لمعالجة قضية مقاومةالمضادات الحيوية ويخضع للدراسة في الوقت الراهن، في حين يُعتبر زرع النقائلخيارًا إضافيًا يعمل على استعادة الميكروبات المعوية المتضررةبسبب المضادات الحيوية."
كيفية الحد من انتشار الجراثيم الخارقة
لضمان نجاح هذا الأمر، شددَ الدكتور عفيف على ضرورة الالتزام بأخذ اللقاحات، وتعزيز التشخيص المبكر، واستخدام المضادات الحيوية بشكلٍ مدروس، وكسر سلسلة انتقال الآفات الخارقة. ويكون ذلك عبر ممارساتٍ معينة مثل غسل الأيدي، والحفاظ على السلامة والصحة الغذائية، ورعاية الحيوانات بشكلٍ مسؤول؛ إذ تنطوي هذه الممارسات على أهميةٍ كبيرة لإيقاف انتقال هذه الآفات المقاومة للمضادات الحيوية.
وتناول الدكتور عفيف أيضًا أهمية المنهجية متعدد التخصصات في إدارة إصابات الجراثيم الخارقة. وما اعتماد مستشفى "كليفلاند كلينك أبوظبي" كمركزٍ للتميز في الإشراف على استخدام مضادات الميكروبات من الجمعية الأمريكية للأمراض المُعدية، إلا دلالة واضحة على قدرة هذه المنهجية في تعزيز سلامة وجودة الرعاية. ولضمان دقة التشخيص، واستخدام المضادات الحيوية بشكلٍ مناسب، وإدارتها بكفاءة، وتبنَي استراتيجيات احتواءٍ فعالة، والتصدي للجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية؛ يتعاون فريق رعاية متعدد التخصصاتيضم علماء الأحياء الدقيقة وأطباء الأمراض المعدية وكوادر الصيدلة السريرية والتمريض والمتخصصين في مكافحة العدوى.
خلاصة القول؛ أن الاستخدام المفرط والتعسفي في بعض الحالات (من دون وصفةٍ أو مشورة طبية) للمضادات الحيوية يمكن أن تكون له انعكاساتٌ سلبية وخطيرة على الصحة، خصوصًا لجهة زيادة مقاومة البكتيريا لهذه المضادات وتشكَل ما بتنا نعرفه بإسم "الجراثيم الخارقة".
لذا اتبَعي عزيزتي نصائح الدكتور عفيف المذكورة أعلاه، فيما يخص الاستخدام الصحيح والآمن للمضادات الحيوية فقط في حال الضرورة والحاجة المتزايدة لها. واحرصي على تلَقي اللقاحات التي تحميكِ من المرض بنسبةٍ كبيرة، ما يُقلَل من حاجتكِ للجوء إلى هذه المضادات في المقام الأول.