اعتلال الشبكية تهديد لمرضى السكري

ضبط سكر الدم وفحص العينين المنتظم.. يحميانكِ من اعتلال الشبكية السكري

جمانة الصباغ
20 سبتمبر 2024

لا شك في أن العديد من الأمراض، مهما كانت درجة خطورتها وتهديدها لحياة المصابين بها، تُمثَل قلقًا وخوفً كبيرين لدى الناس؛ مثل أمراض القلب والسرطان. لكن الشفاء والتعافي من بعضها، يحمل الكثير من الأمل للمرضى، بحياةٍ أفضل يمكن عيشها بعد التخلص من المرض.

إلا في حالة داء السكري، الذي لا يُعد مرضًا بحد ذاته؛ وإنما سلسلةٌ من المضاعفات التي تتزايد حدتها مع الوقت، لتتسبب بمجموعةٍ من الأمراض مثل اعتلال الشبكية السكري، بتر الأطراف، الفشل الكلوي وأمراض القلب.

يُعدَ اعتلال الشبكية السكري من ابرز مضاعفات داء السكري والذي يؤثر على صحة العين والنظر. ويؤثر اعتلال الشبكية السكري في جميع طبقات العين؛ فهو يؤثر على القرنية بإحداث جفافٍ فيها، كما يؤثر على عدسة العين بإصابتها بالمياه البيضاء، وأيضًا يؤثر في أعصاب العين بإحداث أنواعٍ مختلفة من الشلل، سواء حركية فيؤدي إلى الحول الشللي أو حسية، فيُسبَب اعتلالات القرنية الاغتذائية أو بصرية فيؤدي لضعف الرؤية إذا أصيب العصب البصري.

كما ان السكري يؤثر في شبكية العين عن طريق التأثير السلبي على الأوعية الدموية للشبكية، مما يؤدي إلى حدوث نزوفٍ داخلية أوارتشاحات في سماكة مركز الأبصار.

نتحدث في مقالة اليوم إلى الدكتورة إليسا كاريراس بيرتان؛ أخصائية العيون في تخصص شبكية العين والجسم الزجاجي، والدكتور وسام شرف الدين أبو الحسن، أخصائي العيون في مناطق شبكية العين وإعتام عدسة العين في مستشفى باراكير للعيون دبي، أكثر عن اعتلال الشبكية السكري وكيفية الحد من مضاعفاته.

الدكتورة إليسا كاريراس بيرتان أخصائية العيون في تخصص شبكية العين والجسم الزجاجي في مستشفى باراكير للعيون
الدكتورة إليسا كاريراس بيرتان أخصائية العيون في تخصص شبكية العين والجسم الزجاجي في مستشفى باراكير للعيون

لماذا يكون الأشخاص المصابون بداء السكري من النوع الأول والنوع الثاني عرضةً لخطر مضاعفات العين والاعتلال العصبي المحيطي؟

الأشخاص المصابون بداء السكري هم أكثر عرضةً لخطر مضاعفات العين والاعتلال العصبي المحيطي، بسبب التغيرات الأيضية المرتبطة بمستويات السكر المرتفعة في الدم، والتي يمكن أن تؤدي إلى تلف الأوعية الدموية والأعصاب في العين؛ وهو ما يمكن أن يؤدي  إلى حالاتٍ مثل اعتلال الشبكية السكري، حيث تتضرر الأوعية الدموية في الشبكية (الجزء الحساس للضوء من العين). كما يمكن أن يؤثر التلف الوعائي على الشبكية، ما يُسبَب وذمة البقعة الصفراء السكري، نزيف الجسم الزجاجي وانفصال الشبكية التي يمكن أن تؤثر على الرؤية؛ وفي بعض الأحيان يمكن أن تؤدي إلى العمى إذا لم تُعالج.

يؤثر الاعتلال العصبي المحيطي على الأعصاب، خاصةً في الساقين والقدمين؛ مما يؤدي إلى تنميل، ألم وأحيانًا التهاباتٍ خطيرة. ويمكن أن تساعد إدارة مستويات السكر في الدم مبكرًا - من خلال النظام الغذائي، ممارسة الرياضة وتناول الأدوية - في تقليل هذه المخاطر مع الوقت.

هل يمكن أن يؤدي داء السكري إلى العمى؟

نعم، يمكن أن يؤدي داء السكري إلى العمى لدى بعض المرضى. والسبب الرئيسي وراء ذلك هو اعتلال الشبكية السكري، وهي حالةٌ يتسبب فيها ارتفاع مستويات السكر بالدم في تلف الأوعية الدموية في الشبكية.

المرضى الذين يعانون من اعتلال الشبكية السكري في مراحله المبكرة، عادةً ما يكونون بدون أعراض؛ ولكن مع مرور الوقت، يمكن أن يؤدي التلف التدريجي إلى فقدان البصر إذا لم يُعالج.

حالات العين الأخرى مثل إعتام عدسة العين (تعتيم العدسة) والزُرق (زيادة الضغط في العين) هي أيضًا أكثر شيوعًا لدى الأشخاص المصابين بداء السكري ويمكن أن تؤثر على الرؤية. لهذا السبب، نوصي المرضى المصابين بداء السكري بزيارة طبيب العيون على الأقل مرةً في السنة، لإجراء فحوصاتٍ منتظمة للعين، لمنع تفاقم الحالة وعلاجها في وقتٍ مبكر إذا لزم الأمر لمنع فقدان البصر أو العمى. من المهم أن نشير أيضًا إلى أن التحكم في مستويات السكر في الدم والأمراض المصاحبة الأخرى، أمرٌ ضروري لمنع تقدم المرض وحماية الرؤية.

الدكتور وسام شرف الدين أبو الحسن أخصائي العيون في مناطق شبكية العين وإعتام عدسة العين في مستشفى باراكير للعيون
الدكتور وسام شرف الدين أبو الحسن أخصائي العيون في مناطق شبكية العين وإعتام عدسة العين في مستشفى باراكير للعيون

ما مدى انتشار مشاكل العين بين مرضى السكري؟

تُعدَ مشاكل العين شائعة جدًا بين الأشخاص المصابين بداء السكري؛ وتُظهر الإحصاءات أن حوالي 30٪ من البالغين فوق سن 40 المصابين بداء السكري يعانون من اعتلال الشبكية السكري، وهو ما يقرب من 7.7 مليون شخص في الولايات المتحدة وحدها. ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى حوالي 14.6 مليون بحلول عام 2050؛ إذ تُقدَر منظمة الصحة العالمية (WHO)  أن اعتلال الشبكية السكري مسؤولٌ عن 2.6٪ من حالات العمى العالمية، حيث يؤثر حاليًا على حوالي 2.2 مليون شخص.

وبالإضافة إلى اعتلال الشبكية السكري، فإن الأشخاص المصابين بداء السكري هم أكثر عرضةً للإصابة بإعتام عدسة العين بنسبة 2-5 مرات؛ وحوالي 20٪ من مرضى السكري يصابون بإعتام عدسة العين بحلول وقت تشخيصهم. كما أن مرضى السكري هم أكثر عرضةً للإصابة بالزُرق مرتين مقارنةً بأولئك غير المصابين بداء السكري، حيث يعاني حوالي 5٪ من مرضى السكري من الزُرق.

تُسلَط هذه الإحصاءات الضوء على أهمية الفحوصات المنتظمة للعين والإدارة السليمة للسكري لمنع وعلاج هذه المشاكل الشائعة في العين.

هل يمكن الاستشهاد بدراسة حالةٍ لمريض تأثرت عيناه بمرض السكري؟

يعاني العديد من المرضى من فقدان البصر بسبب مضاعفات اعتلال الشبكية السكري، لكن مع التشخيص والعلاج في الوقت المناسب، يمكن للعديد منهم استعادة بصرهم.

دعيني أشارك قصة أحمد، أحد مرضاي. أحمد هو سائق شاحنة يبلغ من العمر 58 عامًا ويعاني من مرض السكري من النوع الثاني منذ 20 عامًا.  بينما كان يدير مستويات السكر في دمه بشكل معتدل في المنزل خلال السنتين الماضيتين، لم يزر عيادة العيون منذ ثماني سنوات. مؤخرًا، جاء إلينا بعدما فقد فجأةً البصر في عينه اليمنى، مما أثرَ بشكل كبير على حياته اليومية. لم يعد يستطيع القيادة، ما كان يُمثَل مشكلةً كبيرة لأنه كان مصدر رزقه.

أثناء الفحص، اكتشفنا نزيفًا معتدلًا في تجويف الجسم الزجاجي في عينه اليمنى واعتلال الشبكية السكري المتقدم في عينه اليسرى. كان أحمد متأثرًا للغاية وقلقًا بشأن قدرته على العودة إلى العمل، لأنه كان مصدر دخله الوحيد. نصحناه بأخذ إجازةٍ مرضية لمدة ثلاثة أسابيع وأوصينا بحقنٍ في عينه اليمنى وعلاجٍ بالليزر في كلتا العينين لمنع تقدم المرض. لحسن الحظ، وبعد أن اختفى النزيف، استعاد أحمد بصره بالكامل دون الحاجة إلى جراحةٍ، وتمكَن من العودة إلى العمل.

أكدَنا له أهمية المتابعة المنتظمة وحثَثناه على رؤية أخصائي الغدد الصماء، للتحكم بشكلٍ أكثر صرامةٍ في مستويات السكر في الدم. تجربة أحمد تُسلَط الضوء على أهمية الفحوصات المنتظمة للعين وإدارة السكري بشكلٍ فعال لمنع مضاعفات العين الخطيرة.

فقدان البصر في عينٍ واحدة أو كلتا العينين، يمكن أن يؤثر بشكلٍ كبير على قدرة الشخص للقيام بالمهام اليومية. لحسن الحظ، لم تكن حالة أحمد متقدمة جدًا، مما سمح له بالتعافي الكامل دون جراحة.

من الضروري لمرضى السكري إجراء فحص سنوي للعينين لمنع تفاقم اعتلال الشبكية السكري

لماذا يجب على مرضى السكري إجراء فحصٍ للعين كل عام؟

تقرير الجمعية الأمريكية للسكري يشير إلى أن كل الأفراد المصابين بداء السكري من النوع الأول وأكثر من 60٪ من المصابين بداء السكري من النوع الثاني، سيُصابون بنوعٍ من اعتلال الشبكية السكري في غضون 20 عامًا من تشخيصهم؛ تُسلَط هذه الإحصائية الضوء على الأهمية الحرجة للفحوصات السنوية للعين لمرضى السكري.

العديد من الحالات المتعلقة بالعين الناجمة عن مرض السكري، مثل اعتلال الشبكية السكري، غالبًا ما تكون بدون أعراض في مراحلها المبكرة. لذا تُعتبر الفحوصات المنتظمة للعين ضروريةً لأنها تُمكَن الأطباء من اكتشاف ومعالجة المشاكل قبل أن تتطور إلى مضاعفاتٍ أكثر خطورة، بما في ذلك العمى. الفحوصات السنوية ضروريةٌ لمراقبة أي تغييراتٍ في صحة العين وضمان التدخلات الفورية لحماية الرؤية. رعاية العين المستمرة، جنبًا إلى جنب مع التحكم الفعال في مستوى السكر بالدم، أمران حيويان للحفاظ على صحة البصر لدى الأفراد المصابين بداء السكري.

ضبط مستويات السكر أمرٌ حيوي لمرضى السكري لتجنب مضاعفات اعتلال الشبكية السكري

خطر الإصابة باعتلال الشبكية السكري

من الضروري العلم أن خطر الإصابة يختلف وفقًا لنوع المرض (النوع الأول مقابل النوع الثاني)، ومدة المرض، والتحكم في مستوى السكر، وضغط الدم المرتفع، ومستويات الكوليسترول العالية، ومشاكل الكلى، والحمل، وجراحة العين، يؤكد الدكتور أبو الحسن.

لإعطاء بعض البيانات؛ في حالة مرض السكري من النوع الأول، تكون مشاكل الشبكية نادرةً في وقت تشخيص المرض، ولكنها تظهر في أكثر من 90٪ من الحالات بعد مرور 15 عامًا. من ناحيةٍ أخرى، وفي حالة مرض السكري من النوع الثاني، تكون اعتلالات الشبكية موجودةً في 20٪ من الحالات عند التشخيص، ولكنها ترتفع فقط إلى 60٪ بعد مرور 15 عامًا.

وفقًا لدراسة التحكم في السكري والمضاعفات (DCCT) والدراسة البريطانية المستقبلية لمرض السكري  (UKPDS)؛ كان التحكم الصارم في السكر HbA1c (حوالي 7٪) مرتبطًا بانخفاض بنسبة 76٪ و 25٪ في اعتلالات الشبكية، لدى النوع الأول والنوع الثاني على التوالي.  بالإضافة إلى ذلك، كان التحكم الصارم في ضغط الدم مرتبطًا بانخفاضٍ بنسبة 37٪ في التلف.

السكري هو أحد الأسباب الأكثر شيوعًا للعمى بين الفئات العاملة، حيث يرتبط بزيادةٍ بمقدار 20 ضعفًا في حالات العمى. هذا يؤثر ليس فقط على جودة حياة الشباب، بل على المجتمع بأكمله. لا يجب أن ننسى أن بعض المرضى قد يكتشفون إصابتهم بهذه المشكلة في مرحلةٍ متقدمة جدًا، حيث تكون الجراحة (استئصال الجسم الزجاجي) الخيار الوحيد لاستعادة/الحفاظ على الرؤية.

وتذكروا، يقول الدكتور أبو الحسن: كلما اكتشفنا الآفات في وقتٍ مبكر، يمكن تقديم علاجٍ أقل تدخلًا، مثل الليزر أو الحقن. قد يعني التشخيص المتأخر للآفات، الحاجة إلى الجراحة؛ وبناءً على التوصيات، يُنصح بإجراء فحصٍ للعين سنويًا إذا لم تكن هناك آفاتٌ في الشبكية، وذلك لأغراض الفحص. إذا كانت الآفات موجودة، يجب إجراء الفحص خلال فترةٍ زمنية أقصر.

 

في الختام؛ سيُوجَهكِ طبيب العيون بشأن هذه المسألة، يتضمن الفحص الحصول على أفضل رؤيةٍ مُصححة ممكنة، وتوسيع بؤبؤ العين وفحصه بواسطة طبيب العيون، ويُفضَل أن يكون متخصصًا في الشبكية. قد تكون هناك حاجةٌ إلى فحوصاتٍ إضافية للعين، مثل تصوير قاع العين ومسح التصوير البصري المقطعي، للحصول على معلوماتٍ أكثر تفصيلًا.