هالة كاظم الأم ورائدة الأعمال والملهمة لـ"هي": المرأة قوية وعليها تمكين نفسها بنفسها والتغيير يبدأ من الداخل
أتابع هالة كاظم منذ فترة طويلة، إذ تأسرني طريقتها في تمكين الأشخاص، وخاصة النساء، كأنّها الأم التي نحلم جميعنا بها. عندما التقيت بها زاد إعجابي وتقديري لها، فالابتسامة لا تفارق وجهها، تتواصل معك كأنها تعرفك منذ زمن طويل، الإيجابية تملأ روحها، ولا تبخل عليك بأي نصيحة أو تجربة. أثّرت فيّ طريقتها في مخاطبة جميع من حولها، تستخدم تعبير "أمي" لتتوجّه إلى الجميع، كما تحرص على السؤال عن أحوالهم. رسالتها الأساسية هي تمكين المرأة، وتحفيزها، ومساعدتها في رحلتها نحو التغيير، فبالنسبة لها، الماضي يؤثر فينا، لكنه لا يستطيع أن يعيقنا أو يفرض علينا حياة ما إذا ما أردنا فعلا التغيير، فنحن من يقرر. وهذا تحديدا ما فعلته خلال مسيرتها، لم تقبل بالأمر الواقع، وكسرت كل "المحظورات": الطلاق، والتبني، والزواج مرة أخرى، والحديث عن الصحة النفسية والاكتئاب. وجدت كاظم القوة والشجاعة لكسر الحواجز المجتمعية التي تحد من إمكانيات المرأة والصور النمطية. برزت بدورها كقيادية فعّالة في مجتمعها، فهي رائدة أعمال ومدربة حياة، ومبتكرة برنامج "رحلة التغيير" الذي يهدف إلى مساعدة الناس على تغيير حياتهم، وعلى وجه الخصوص السيدات.
ولأن العطاء سمة أساسية في شخصيتها، غرست براعم النجاح في أولادها، فهي أم لـ5 رجال، وصديقة لهم قبل كل شيء. عن علاقتها المميزة مع أولادها، ورحلتها نحو التغيير، وتمكين المرأة ونظام الدعم الخاص بها، إليكم هذا الحديث الخاص مع هالة كاظم الملهمة.
JT كل من يعرفك يثني على الطاقة الإيجابية التي تتمتعين بها والابتسامة التي لا تفارق وجهك، إضافة إلى قدرتكِ على التحفيز والإلهام.. ما سرّك؟
HK ليس هناك من سرّ، لا أبتسم دائما، ففي بعض الأحيان أكون منزعجة أو حزينة، أنا إنسانة وأمرّ بمراحل، أنا فقط لا أستمر في مكان واحدـ أحترم حزني وألمي، لكن لا أستمر عليه. الموضوع ليس سرا، بل خيارا، هناك من يستمتع بالنكد والحزن، ويرغب في أن يعيش دور الضحية أو دراما. أنا لا أرغب في ذلك، الإنسان الذي يعيش هذه الحالات يعاني من التعب، وأنا لا أرغب في ذلك. إذا هو أسلوب حياة ونمط تفكير يجب أن أتبعه، وأن أجد حلا لكل شيء.
JT برأيكِ ما أبرز المشكلات التي تواجه المرأة اليوم؟
HK يجب أن تعرف المرأة العربية قيمتها، وأن تعرف أنها قوية جدا. أنا لا أومن بأن المرأة ضعيفة، نعم الرجل أقوى من المرأة جسديا، لكن كأسلوب حياة وإدارة حياة المرأة أم، وزوجة وابنة وموظفة تتولى جميع المهام بكل سهولة. لكن المرأة تبرمجت لفترة طويلة على أن تؤثر غيرها على نفسها، وهنا لا أقول إنه لا يجب على المرأة العطاء، بل ما أعنيه أنّه عندما يحب الإنسان نفسه سيعطي ذاته والآخرين أكثر. بالطبع أنا لا أستطيع أن أعيش من دون المحيطين بي، يجب أن أعرف كيف أعطي نفسي، لأنني عندها فقط سأكون مرتاحة، وعندها المردود والعطاء سيكون أفضل، ويكون اختيارا ومتعة.
كما أن على المرأة العربية أن تهتم أكثر بصحتها بشكل عام. لِمَ لا نستمتع في الحياة بصحة أفضل! بعض النساء يهملن صحتهن، ولا يملكن أسلوب حياة. لذا أنصحهن بشغل أنفسهن، والاستفادة من مواهبهن وهواياتهن وتكوين الصداقات.. عيشي حياة صحية، ولا تعتمدي على جانب واحد من حياتك، الزوج أو العمل أو الأبناء، ابني لك حياة، والباقي كله إضافات.
JT أصبح موضوع تمكين المرأة "تراند"، هل تعتقدين أن النساء ما زلن بحاجة إلى التمكين؟
HK أظن أن على المرأة تمكين نفسها بنفسها، أنا أؤيد بقوة الاستـــقــلاليـــــة الـمـــاديــــة للــمــــرأة، لأن الـــمــــال يمــنـــحـــهــــا القـــــــــوة والاستقلالية، فحين ترغب في أن تكون مع أحد يكون ذلك بإرادتها، وليس لأنها مُجبرة.
JT لقد كسرتِ كل "المحظورات": الطلاق، والتبني، والزواج مرة أخرى، والحديث عن الصحة النفسية والاكتئاب، أين وجدت القوة والشجاعة لكسر الحواجز المجتمعية والصور النمطية؟
HK لن أقول إني كسرت جميع القواعد لكنني ركزت على ما أريد. أساس القوة أتتني من أمي، رحمها الله، فقد كانت امرأة قوية ومستقلة، وعلّمت نفسها بنفسها. تربيت في منزل كانت الأم فيه مصدر القوة ورأس العائلة، لأن والدي فارق الحياة عندما كنت صغيرة جدا، فتعلمت القوة والاستقلالية منها، وأن أكون مختلفة لأنها هي كانت مختلفة.
هل خططت لكسر بعض القوالب أو أنواع التفكير؟ كلا. منذ صغري كنت أقوم بالأمور بطريقة مختلفة، ويوم تؤمنين بأنك يجب أن تفعلي أمورا معينة لإنقاذ نفسك، وتعيشي حياة صحية، يجب ألا تكوني متهورة، بل أن تدرسي خطواتك جيدا. فمثلا قبل أن أقدم على الانفصال لجأت إلى مستشارة نفسية، وخضعت لعلاج نفسي لفترة، بعدها بدأت العمل، لم أقدم على أي تصرف عشوائي.
أما بالنسبة للتبني، فأنا أفعل ما أؤمن به. كنت أرغب في تغيير حياة إنسان وتغيير قدره. أنا لا أتطلع إلى أن أكون مختلفة، بل فقط طريقة تفكيري هي المختلفة، فأنا أعاني من اضطراب نقص الانتباه وعسر القراءة، هذه الخلطة دفعتني للتفكير بطريقة مختلفة. على صعيد متصل، من الضروري أن نتحدث عن الصحة النفسية، وأنا تحدثت عن الموضوع يوم لم يتجرأ أحد على ذلك، لأننا اكتفينا من إخفاء الأمور والنكران والقول إن كل شيء جيد. فلنواجه! فعند المواجهة فقط نجد الحلّ، وعندما نجد الحلّ تتغير حياتنا.
JT للمواجـهة تحتاجين إلى الدعم. من هو نظام الدعم الخاص بكِ؟
HK بنيت قوتي بنفسي والحمد لله. نظام الدعم هو أنا، عليك البقاء على قيد الحياة حتى لو اعتبر المحيطون بك أن تصرفاتك غير عقلانية، لكن من داخلك ستعلمين أنك تقومين بالأمر الصحيح. في البداية لم أكن أملك نظام دعم، كان لدي مرشدتي وصديقتي "إيلين كيني" التي كانت مستشارتي النفسية، وتطورت علاقتنا إلى صداقة متينة امتدّت لأكثر من 30 عاما. أنا مدينة لها، فلولاها لما وصلت إلى ما أنا عليه اليوم.
أما اليـــوم، فـكـــبــــر أبـنـــــائي وهـــــم يـــقــــدمـــــون لي دعما كبيرا، وكــذلك زوجــــي "ماك".
JT منذ بدأتِ في رحلة التغيير، ما نقطة التحول في حياتكِ؟
HK التغيير معي بدأ منذ الصغر، فالإنسان يتغيّر مع الأيام والأحداث. التغيير ونقاط التحول كثيرة: وفاة أبي في صغري، وزواجي المبكر في الـ17 من عمري، أمومتي لـ"أنس"، وتبني "طارق"، وطلاقي وهو من التحولات الكبيرة في حياتي، لأني بدأت مسارا مختلفا جدا. زواجي من "ماك" تحول أيضا، وأمومتي المتأخرة، حيث رزقت بـ"حسن" وأنا في الـ41 من عمري. وبعدها بدأت بـ"رحلة التغيير" برنامجي الذي ابتكرته. كلها تحولات كبيرة، أضيفي إليها التحولات الصغيرة التي تتجمع من خياراتنا في الحياة وقراراتنا التي تجعل مني الإنسانة التي أنا هي عليها اليوم.
JT لماذا اخترتِ أن تكوني مدربة ثقافة حياتية؟
HK كنت أبحث في البداية عن شيء أفعله، فولــد بــرنــــامج "رحـــــلــــة التغيير" في عام 2011، وقبلها كنت قد اجتزت باحثة عن رحلتي الشخصية سلسلة من رحلات المشي الطويلة في مختلف بقاع الأرض، والتي غيرت شيئا في داخلي جعلني أستلهم فكرة تنظيم رحلات مماثلة خاصة بالنساء لاكتشاف أنفسهّن. ثم قررت دمجه في برنامج وورش واستشارات، لأن الفائدة أكبر بكثير، فكنت من أوائل الأشخاص الذين قاموا بالأمر حتى إني لم أكن أملك خطة عمل، لكن حب التعلم قادني. تابعت دورات في الاستشارات والتدريب في جامعة "سيتي" في لندن، وأحمل شهادة في التنويم المغناطيسي، وأخرى في البرمجة العصبية من البورد الأميركي.. وبدأت هذه الرحلة.
أرغب في الإشارة إلى أني أمنح ثقافة، ولا أعلّم أو أغيّر حياة الأشخاص. أنا أساعدهم على تغيير حياتهم، إذا رغبوا في ذلك، لا أحد يستطيع أن يغيّر حياة أحد.. أنا فقط أوجّه.
JT أنت مثال على أن كل إنسان يجب أن يتعب ليصل. ما نصيحتك للنساء الراغبات في التغيير الإيجابي؟ وكيف يمكن لبرنامج "رحلة التَّغيير" أن يُساعدهّن؟
HK العلم اليوم سهل جدا، على المرأة أن تثقف نفسها، فالجهل مرض وهو عدوّ الإنسان. أقول للمرأة: اخلقي لنفسك جوا وحياة صحية، لأنك تعيشين داخل نفسك، فاجعلي داخلك مرتاحا، وابحثي عن راحتك ولا تتهوري. حكّمي القلب قبل العاطفة، فالإنسان بشكل عام عاطفي، وخاصة المرأة، وفي معظم الأوقات تؤدي العاطفة إلى قرارات خاطئة. شدي اللجام، أعلم أن تطبيق الأمر صعب، وشخصيا أخذت وقتا طويلا لتحكيم عقلي. ابحثي عن عقل حكيم وعاقل تلجئين إليه، ويقول لك ما لا ترغبين في سماعه.
برنامج "رحلة التغيير" قدّم البيئة والمكان الآمن للمرأة لمعرفة قدراتها وقيمتها وكيف تتمكّن وتكون أمّا وزوجة وموظفة. خلال هذه الـ14 سنة شهدت العجائب.
JT تُشكل الأمومة جزءا كبيرا من كيان هالة كاظم. أنت أم لـ5 رجال، ودائما تقولين "كل امرأة يمكن أن تكون أما، لكن لا تستطيع كل أم أن تكون صديقة". صفي لنا علاقتك المميزة بأبنائك.
HK أنا متعلقة تعلقا استقلاليا بأبنائي، وليس تعلقا مرضيا، فأنا مستقلة جدا. أنا قريبة من أبنائي، لكن أملك مساحتي الخاصة، حيث خلقت لنفسي حياة، وهم كذلك لديهم مساحتهم وحياتهم الخاصة. على صعيد شخصيّ، لم أستطع أن أكون صديقة مع أمي، لذا لم أرغب في ارتكاب الخطأ نفسه مع أبنائي. قررت أن أكون أمّا ثم صديقة، لأن دور الأم هو الأهم. أستطيع أن أسمع منهم أي شيء، وهم يستطيعون إخباري بأي شيء، لا وجود لحاجز الخوف والحكم.
يعلمون أني سأستمع إليهم ولو لم أتفق معهم. والحمد لله أنني استطعت تكوين هذه العلاقة الجميلة المبنية على التواصل مع أبنائي.
JT ما الرسالة التي توجّهينها للأهل والأمهات بشكل خاص؟ برأيك ما الأسس للعلاقة الصحية بين الأمهات وأبنائهم؟
HK يجب أن نتقبل أولادنا ونوجّههم، لا يمكننا إجبارهم على شيء، لذا يجب أن نتقبل الأمر. للأم أقول: ابني لك حياة، فالزوج جزء، والأولاد جزء، والوظيفة جزء، وأنتِ الكلّ. دعي أولادك يشعرون بأنك الواحة التي يرغبون في العودة إليها حين يحتاجون إليك. لا يجب على الأم أن تحكم، ولا أن تقارن، الأمر صعب بالفعل، لكنه ممكن.