الفنانة التشكيلية السعودية رائدة عاشور تكتب لـ"هي": احتفاء بتراثنا الثقافي
شدّتني فكرة الكتابة عن تراثنا الثقافي الغني والجميل. أنا فنانة سعودية يدفعها شغف دائم بدعم الثقافة العربية وإثرائها. فالتراث الثقافي يمثّل رصيدا قيّما يربط الأفراد بأصولهم ويؤثر في هويتهم ويوفر نظرة معمّقة إلى التاريخ الجماعي. وهو يضم الجوانب المادية وغير المادية للهوية الثقافية، فيشمل مثلا المباني التاريخية والآثار والتقاليد واللغات وأشكال التعبير الفني والموسيقى والفلكلور. وباعتباره مرآة للمجتمع، فإن الحفاظ على التراث الثقافي أمر ضروري لصون التنوع الثقافي، وتعزيز الشعور بالانتماء للمجتمع، ونقل المعرفة إلى الأجيال القادمة. ("ستيفنسون"، 2023).
لقد احتضنتُ الفنون البصرية بشكل كامل، وهو مسار إبداعي بدأتُ في استكشافه فوجدتُ أن الفنون البصرية هي ملجأ آخر لحماية هويتنا وثقافتنا الوطنيتين. أصبحت شغوفة بإنتاج فن مبني على التنوير الثــقـــافي وإرث العالمين العربي والإســـلامي؛ وراغــبـــة في استــــعادة التحكّم بحـــكايــتـنـــا، تحـــدّيـــــت بمـمارســـتي الفنــيــــة القـــيــــود الـــتي فـــرضتــها التـــأثيرات الغربية والتي كادت تحجب عمق تراثنا الفني وجماله. تؤمن "مادي" خـــريجة التاريخ في جـــامـــعــــة "أوكسفـــــــورد" إيـــمـــانــــا راســـخــــا بأن للــــفـــــــن دورا حيــــويـــــا في إدامــــة الــهــــويــــة الثــقـــافيـــــة، لأنه فعّــــــال في تجسيد التقاليد الثــقـــافيــــة والــقــيـــم ووجـــهات النظر والتعبير عنها. فيــــشكّل الفن عنصرا أســاسيــــا في صون الهوية الثقافية، مستخدما وسائط متنوعة مثل الرسم والموسيقى والرقص ليعكس هذه التقاليد والقيم وينقلها.
لذا، وإيــمــــانا منّي بـــأهمــيـــة الفــنــــون في الحــفـــاظ عــلى الــهــويـــة والتراث الثــــقافيين، قمــــت بتــــطوير تقنيتي الفريدة في النقش اليدوي، وهي أداة قوية تمنحني الدقة والحرية في الاحتفاء بعظمة الموروث الفني العربي والإسلامي. تعيد أعمالي الفنية صياغة مفردات التراث الفني بتفسير عصري يكون جذّابا للجمهور المعاصر، وقد رأيت أن التغاضي عن عبقرية الفنون المحلية وفوائدها هو في الواقع إهمال لإحدى أكثر سمات ثقافتنا جاذبية وأحد أبرز ملامحها السهلة المنال.
ونحن نحتفل في المملكة العربية السعودية بيومنا الوطني، من المهم جدا أن نذكر أن لدينا تراثا ثقافيا عظيما. وقد ذُكر في العديد من المراجــــع أن الـمـمـلــكــة الــعــربــيـــة الــســعـــوديــــة تــفــتــخــــر بتراث ثقافي غني ومتـــجـــذّر في أعـــمـــــاق تــــاريـــــــــخـــــــهـــــا الـــــــطـــــــويــــل. وتــشــهــــد الـــزخـــــارف الـــــســـعوديـــــة الـتــقــليــــديـــــة التي تــشــتـــهـــــر بتصامــيــمـــهــــا الـــمــــعــقـــدة ودقتـــــها وأنمـــاطـــــها المبتكرة على هذا التراث. تلتزم المملكة الــحـــفــــاظ على هذه الأشكال الفنية الإسلامية وتطويرها، وتبقى هذه التصاميم والزخارف المميزة بألوانها النابضة بالحـــيــــاة وجـــمــاليـــاتـهــا الراقية جزءا مهمّا من الثقافة السعودية. على سبيل المثال، توفّر الفنون الشعبية التي تزين الأبواب الخشبية في منطـــقـــة نــــجد، رؤى عميقة حول هوية الشعب الـــسعودي وقــــيمه المجـــتمــعــــــية. إن هذه التصاميم المعقدة، المــــــتــوارثة عبر الأجيال، متأصلة بعمق في النسيج الثقافي للوطن. وعموما، تزدان المنازل السعودية بمـــجــمــوعـــة واسعة ورائعة من الزخارف والصناعات اليــــــــدوية الـــــــحــــــــرفــيـــة، وهــو ما يــــجــــــــعــــــل الـــــمــــــمـــــلـــــــكــة كنــــزا دفـيــنـــا من الــتــعــبـيــــرات الفنية. وعـــلاوة على ذلك، هــنـــاك الــعـــديــــد من الـــزخـــارف والتــصـاميــــم والــرمــــوز العربية، ويمتدّ ثراء هذا التراث عبر كل المناطق السعودية.
ولضمان الحفاظ على التراث الثقافي، تنظّم السلطات مؤتمرات ومنتديات لدراسة الوسائل التي يمكن من خلالها حماية إرثها الثقافي. إحدى هذه الوسائل هي التعليم، فيجب نقل قيمة التراث الثقافي من خلال إطار تعليمي متماسك داخل المجتمع. ومن الضروري تعزيز الاستدامة في الحفاظ على التراث الثقافي من خلال المبادرات التعليمية (منتدى "معمار سنان"، 2014).
بصفتي فنانة، أعتقد أنه من مسؤوليتي أن أستخدم منصتي لزيادة الوعي بأهمية التراث الثقافي. ومن خلال عملي، آمل أن ألهم الآخرين للتواصل مع جذورهم، والاحتفاء بهويتهم الثقافية، والمساهمة في الحفاظ على تراثنا المشترك للأجيال الآتية.