مهرجان برلين 2022 ـ فيلم Rabiye Kurnaz vs. George W. Bush.. تصور مخفف لآلام غوانتانامو
رغم مرور أكثر من 20 عامًا على تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، فإن آثارها لم تزل باقية إلى الآن، ولا يبدو أننا سنتوقف عن زيارتها سينمائيًا. في العام الماضي عرض مهرجان برلين في قسم البانوراما الفيلم الألماني "Copilot" (طيار مساعد) إخراج آن زهرة بيراشد، والذي تابع التحول المفاجئ لشاب جامعي ينتهي به الأمر لأن يصبح أحد المشاركين في تنفيذ تلك الهجمات.
في مسابقة دروته 72، يضم مهرجان برلين فيلم "Rabiye Kurnaz vs. George W. Bush" (رابي قرناز ضد جورج دبليو بوش) للمخرج الألماني آندريس دريسدين، والذي يتناول شخصية أخرى قريبة من أحداث 11/9.
أحداث الفيلم مبنية على قصة حقيقية. مُرات قرناز كان أحد المشتبه فيهم بعد تفجيرات مركز التجارة العالمي، واقتيد لاحقًا لمعتقل غوانتانامو، سيئ السمعة. رغم عدم وجود إدانة ضده فإنه ظل معتقلًا لأكثر من 5 سنوات، قبل أن يُفرج عنه في عام 2006. خلال أحداث الفيلم نتابع رحلة أمه، رابي قرناز، تركية الأصل التي تحيا في ألمانيا، وتتواصل جهودها للإفراج عن ابنها بمصاحبة المحامي برنارد دوكر.
الفيلم في بعض مشاهده أشبه بأفلام المحاكم (Courtroom films) بخلاف أننا لا نشاهد إلا القليل جدًا من المشاهد داخل قاعات المحكمة، لكننا نحتفظ بأجواء جمع الأدلة ومقابلة الكثيرين لتصعيد القضية بشكل مستمر لحين الحصول على البراءة.
عادة في هذا النوع من الأفلام، إذا كانت القضية معروفة والحكم فيها وقع بالفعل، فإن ما يقدمه صناع الفيلم هو دراما كواليس القضية، والتحولات التي تحدث طوال الوقت لحين اللفظ بالحكم، وهو الأمر الذي يكون جذابًا للمشاهد. تبدو المهمة الأصعب أمام كاتب السيناريو في هذه الحالة هي محاولة تبسيط المصطلحات والإجراءات القانونية المعقدة لنقلها إلى أكبر قدر ممكن من المشاهدين، مع الاستفادة منها دراميًا في الآن ذاته لتصبح مشوقة.
يعتمد "رابي قرناز" على قزات عديدة في الزمن، للانتقال بين أحداث القضية، لكننا عند نقطة معينة نشعر أننا ندور في نفس الدائرة، رغم تغيير الأماكن والانتقال من ألمانيا إلى الولايات المتحدة في بعض المشاهد، فإننا نشعر أننا نكرر نفس الكلام دون جديد يذكر إلا من إضافة جهة جديدة أعلى ستُصعّد القضية إليها، مع وجود بعض اللحظات المؤثرة من الأم بطبيعة الحال.
إذ يظهر اسم "رابي" في عنوان الفيلم، فإننا نعلم أن دورها في الأحداث سيكون كبيرًا ورئيسيًا. يختار المخرج تناولًا مختلفًا للشخصية إلى حد كبير. من المعتاد في هذا النوع من الأفلام أن تكون الأم التي تفتش عن ولدها، حزينة ومكتئبة طوال الوقت، بينما شاهدنا رابي في الفيلم على النقيض، هادئة وحماسية وتعد الطعام وتهتم بإطعام المحامي أيضًا في أغلب الوقت. أكسب أداء الممثلة ميلتيم كابتان جاذبية للشخصية، إذ تؤديها بتلقائية مميزة، ونشعر أنها توحدت معها. لكن يبقى التصور العام للشخصية هو المشكلة.
بانتصاف الفيلم، وخاصة بعدما تعلم الأم بانتقال ابنها إلى غوانتانامو، نشعر أنها أم تنتظر عودة ابنها من رحلة عمل طويلة وشاقة، وليس من اعتقال وتعذيب في أحد أبشع المعتقلات في العصر الحديث. يصنع هذا حاجزًا قويًا بين إمكانية التعاطف مع رابي خلال النصف الثاني من الفيلم، حتى أن مشهد بكائها وهي تلقي كلمة في أحد التجمعات يبدو غريبًا للوهلة الأولى، بعد أن اعتدنا مشاهدتها أكثر بهجة في البداية.
مع التركيز على رابي والمحامي، تتضاءل بقية الشخصيات الأخرى داخل الفيلم، وهو ما لم يكن في صالح العمل الذي تمتد مدته إلى ساعتين، خاصة مع رتابة التحقيقات كما ذكرنا، بل إن بعض الشخصية تبدو في بعض الأحيان كأنها موجودة دون أن تشكل إضافة حقيقية يمكن الوقوف عندها، مثل شقيقة رابي التي ظهرت في عدة مشاهد دون أن نشعر لها بتأثير حقيقي، وزوجة مُرات، التي كانت مشاهدها وصلات من البكاء عليه.
فيلم "Rabiye Kurnaz vs. George W. Bush" يلفت النظر إلى جانب ربما يكون جديدًا في ما لأسر معتقلي غوانتانامو، لكنه يفتقر إلى العمق، ويقع في فخ التكرار بشكل واضح في نصفه الثاني، فلا يبقى إلا أداء الممثلين يدفع الفيلم إلى الأمام.
الصور من الخدمة الإعلامية للفيلم