داء لايم أحدها.. أمراض المناعة الذاتية في ازدياد وهذه أسبابها
قفزت أمراض المناعة الذاتية إلى الاهتمام من جديد، بعد إعلان عارضة الأزياء العالمية من أصول فلسطينية "بيلا حديد" Bella Hadid شفاءها من مرض لايم. وجاء الإعلان عبر حساب بيلا على منصة إنستغرام، للاحتفال بانتصارها على هذا الداء الذي تسبب لها بمشاكل صحية وابتعاد قسري عن منصات عرض الأزياء لبعض الوقت.
كانت حديد قد أصيبت بهذا المرض منذ عدة سنوات، وقد قامت مؤخرًا بإطلاع جمهورها على رحلة علاجها عبر حسابها الرسمي على "إنستغرام" عبر فيديوهات قصيرة وصور؛ تُوثَق فترة علاجها وصراعها مع هذا المرض لحوالي 15 عامًا تقريبًا.
وخلال شكرها لأفراد عائلتها والفريق الطبي المعالج لها، تحدثت بيلا عن معاناتها الشديدة مع المرض، الذي تسببت به لسعة حشرة القرادة؛ مشيرةً إلى أنها كانت تجربةً مؤلمة، لكنها الأكثر تنويرًا في حياتها التي أصبح فيها "أصدقاء جدد ورؤى جديدة وعقل جديد" بحسب قولها.
ويبدو أن بيلا حديد ليست الوحيدة التي تعاني من هذا المرض، وغيره من أمراض المناعة الذاتية التي شهدات ازديادًا كبيرًا خلال السنوات الماضية. لكن الإضاءة على هذه الشخصية المشهورة، دفعت بالكثيرين لتحرَي المزيد من المعلومات حول داء لايم وغيرها من هذه الأمراض.
أمراض المناعة الذاتية في ازدياد
شهدت بعض الدول ممن لم تكن تعاني من هذه الأمراض، ظهورًا لأمراض المناعة الذاتية خلال السنوات 40 الماضية.. هذا ما تحدث عنه الخبير العالمي جيمس لي لصحيفة Observer البريطانية. مشيرًا إلى أن أعداد حالات المناعة الذاتية بدأت بالإرتفاع منذ حوالي 40 عامًا في الغرب؛ لكنها بدأت بالظهور في بلدان لم تكن تعاني من هذه الأمراض من قبل.
جيمس لي الذي عمل مع زميلته كارولا فينوسا على مجموعات بحثية منفصلة للمساعدة في تحديد الأسباب الدقيقة لأمراض المناعة الذاتية؛ وذلك ضمن جهود دولية كبيرة لمحاربة هذه الأمراض من ضمنها مبادرة معهد فرانسيس كريك في لندن، قال أن أكبر زيادة حديثة تمَ رصدها لأمراض المناعة الذاتية، كانت لحالات مرض التهاب الأمعاء في منطقة الشرق الأوسط وآسيا. وهي مناطق بالكاد كنت تشهد هذا المرض من قبل، بحسب ما جاء على موقع "سكاي نيوز عربية".
فما هي أسباب تزايد أعداد المصابين بهذه الأمراض في منطقتنا؟ هذا ما يجيب عليه الخبيران.
أسباب ارتفاع أمراض المناعة الذاتية
بحسب الخبير لي، فإن الجينات البشرية لم تتغير خلال العقود الماضية.. فما هو السبب الذي أدى لهذه الزيادة في أمراض المناعة الذاتية، وتحديدًا في دول لم تكن تشهد أي إصابات بها؟
قال لي في هذا الشأن: "لم تتغير الجينات البشرية خلال العقود القليلة الماضية، ما يعني أنه يتغير شيء ما في العالم الخارجي بطريقة تزيد من استعدادنا للإصابة بأمراض المناعة الذاتية." وأيدته فينوسا في هذا القول، مشيرةً إلى أن التغيرات الحاصلة في النظام الغذائي المتبَع في معظم دول العالم، والذي تبَنى إدخال الوجبات ذات النمط الغربي إلى نظامهم الغذائي، والإقبال الكبير على تناول الوجبات السريعة؛ هي أحد الأسباب وراء زيادة أعداد المصابين بأمراض المناعة الذاتية في المنطقة.
وأضافت: "تفتقر الوجبات السريعة إلى مكونات مهمة مثل الألياف، وتشير الأدلة إلى أن هذا التغيير يؤثر على ميكروبيوم الشخص (مجموعة الكائنات الدقيقة الموجودة في أمعائنا، التي تلعب دورًا رئيسيًا في التحكم بوظائف الجسم المختلفة. هذه التغييرات في الميكروبيومات لدينا، تؤدي بعد ذلك إلى أمراض المناعة الذاتية، والتي تم اكتشاف أكثر من 100 نوع منها حتى الآن."
ليس ذلك فحسب، بل تلعب الحساسيات الفردية دورًا بارزًا في ازدياد الإصابات بمثل هذه الأمراض، وفقًا للخبيرين؛ منها مرض الاضطرابات الهضمية والذئبة، التي تُسبَب الالتهاب والتورم والتلف لأعضاء مختلفة، بما في ذلك القلب.
كذلك أكد لي الحاجة الشديدة لعلاجات وأدوية جديدة أكثر من السابق، ما زالت حالات أمراض المناعة الذاتية ترتفع في جميع أنحاء العالم. وقال: "في الوقت الحالي، لا توجد علاجاتٌ لأمراض المناعة الذاتية، التي تتطور عادةً لدى الشباب، بينما يحاولون إكمال تعليمهم والحصول على وظيفتهم الأولى وتكوين أسر. ما يعني أن أعدادًا متزايدة من الأشخاص سيخضعون للجراحة أو سيضطرون للحصول على حقن منتظمة لبقية حياتهم."
في المملكة المتحدة وحدها، أصيب حوالي4 ملايين شخص بأمراض المناعة الذاتية، ويعاني بعض الأفراد أكثر من حالة واحدة. أما على الصعيد العالمي، فتشير التقديرات إلى أن حالات أمراض المناعة الذاتية ترتفع بنسبة تتراوح بين 3 إلى 9% سنويا. ويعتقد معظم العلماء أن للعوامل البيئية دورٌ رئيسي في هذا الارتفاع.
تجدر الإشارة إلى أن أمراض المناعة الذاتية متعددة؛ منها مرض السكري من النوع الأول، التهاب المفاصل الروماتويدي ومرض التهاب الأمعاء والتصلب المتعدد. ويقوم الجهاز المناعي في الجسم، والذي يحمينا عادةً من البكتيريا والفيروسات المسببة للأمراض؛ بمهاجمة الأنسجة السليمة للمصابين بهذه الأمراض، وفق ما ذكرت صحيفة "الغارديان" البريطانية. ما يجعل هذا الجهاز الحيوي، غير قادر على التمييز بين الخلايا السليمة وغزو الكائنات الحية الدقيقة، لتهاجم أنسجتهم وأعضاءهم.
أسباب وأعراض داء لايم
بالعودة إلى المرض الذي تعافت منها العارضة العالمية بيلا حديد، يشير موقع "مايو كلينك" المتخصص إلى أن الإصابة بداء لايم تحدث بسبب البكتيريا البورلية. ويُصاب البشر بهذا الداء عادةً من لدغة قُرادة تحمل هذه البكتيريا، وهي حشرة تعيش في معظم أنحاء الولايات المتحدة، بالإضافة إلى أوروبا وجنوب وسط كندا وجنوب شرقها.
بالنسبة للأعراض، فقد تبدو لدغة القُراد كنتوء صغير على الجلد مثير للحكة، وتشبه إلى حد كبير لدغة البعوض. وتتفاوت أعراض داء لايم من حالة لأخرى؛ وقد تظهر على مراحل يمكن لها أن تتداخل فيما بينها.
بعض الأشخاص قد لا تظهر عليهم أعراض المرحلة المبكرة المعتادة أو المرحلة الأولى؛ والتي تظهر في فترة تتراوح بين 3 أيام إلى 30 يومًا بعد التعرّض للدغة القُرادة. الطفح الجلدي هو عرضٌ شائع لداء لايم، لكنه لا يحدث دائمًا.
وتشمل أعراض المرحلة الأولى لداء لايم الأخرى ما يلي:
- الحمى.
- الصداع.
- الإرهاق الشديد.
- تيبّس المفاصل.
- الرضوض والآلام العضلية.
- تورم العُقد اللمفية.
في المرحلة الثانية، يمكن أن يتفاقم داء لايم في حال لم تتم معالجته وهي مرحلةٌ أكثر خطورةً وأوسع انتشارًا، وقد تشمل أعراض المرحلة الأولى إضافة إلى:
- انتشار الطفح الجلدي وظهوره في أجزاء أخرى من الجسم.
- ألم الرقبة أو تيبّسها.
- ضعف العضلات في أحد جانبي الوجه أو كليهما.
- نشاطٌ للجهاز المناعي في أنسجة القلب قد يتسبب بعدم انتظام ضربات القلب، ونشاط مماثل في العين يُسبب الألم أو فقدان البصر.
- ألم يبدأ من الظهر والوركين ويمتد إلى الساقين.
- الشعور بألم أو خَدَر أو ضعف في اليدين أو القدمين.
- تورّم مؤلم في أنسجة العين أو الجفن.
أما في المرحلة الثالثة لداء لايم، وهي مرحلة المرض متأخر الإنتشار؛ فيمكن أن تظهر فيها أعراض المرحلة المبكرة وأعراض أخرى. وقد سُجلت حالة التهاب المفاصل الكبيرة كأحد أكثر الحالات شيوعًا لهذه المرحلة في الولايات المتحدة، خاصةً في منطقة الركبتين. أما داء لايم المنتشر في أوروبا، فقد يتسبب في حدوث مرض جلدي يسمى التهاب الجلد الضموري المُزمن؛ حيثيتغير لون جلد ظاهر اليدين وأعلى القدمين ويتورم. وقد يظهر الالتهاب أيضًا فوق المرفقين والركبتين. فيما تتسبب الحالات الأكثر حدةً في تضرر الأنسجة أو المفاصل.
لذا ننصحك عزيزتي القارئة، بوجوب التوجه إلى الطبيب المختص في حال بدأتِ بالشعور بأي من الأعراض المذكورة أعلاه. فقد تكونين مصابةً بداء لايم أو غيره من أمراض المناعة الذاتية، وحده التشخيص والفحص الطبي كفيلان بتأكيد هذه الإصابة أو تبديدها. وبما أن الوقاية هي خير علاج، لذا ننصحك عزيزتي بوجوب عدم إهمال أية لدغة تصابين بها سواء في المنطقة العربية أو أثناء سفركِ خارج البلاد؛ لتفادي مضاعفات هذه الأمراض.