خاص "هي"..ساعدني على خوض حياةٍ أفضل لي ولعائلتي: تجربة منى الحربي مع التصلب المتعدد
يمتاز شهر مايو الحالي بالعديد من الصفات والأوجه؛ فهو تقريبًا الشهر الأخير قبل حلول فصل الصيف الحار، وهو بداية انتهاء العام الدراسي في المدارس والجامعات. كما أنه يحمل الكثير من الأيام الصحية العالمية التي نُركَز عليها في قسم صحة على موقع "هي"، آخرها وأهمها هو اليوم العالمي للتصلب المتعدد MS الذي يوافق 30 مايو من كل عام.
والتصلب المتعدد هو حالةٌ مزمنة لا يمكن التنبؤ بها؛ تُصيب الجهاز العصبي المركزي، وتتسبب في تعطيل تدفق المعلومات بين الدماغ والحبل الشوكي. لازال سبب مرض التصلب المتعدد غير معروف، كما أنه حالةٌ فردية تختلف أعراضها من شخص لآخر. ورغم أنه لايوجد علاجٌ تام ونهائي للتصلب المتعدد؛ إلا أن التشخيص المبكر ومعالجة الأعراض، يُسهمان بشكلٍ كبير في تحسين الصحة والعافية على المدى الطويل، مع إمكانية تقليل الانتكاسات التي قد تحدث لبعض المُشخصين بالتصلب المتعدد.
يؤكد الأطباء أن العلاج في أي مرحلةٍ من مراحل الحالة له فوائد جمة؛ كما أن الأبحاث مستمرةٌ حول العلاجات التي يمكن أن تُحسِن من حياة المتعايشين مع التصلب المتعدد والمحيطين بهم.
للإطلاع أكثر على حياة وأحوال بعض السيدات المصابات بالتصلب المتعدد، ومعرفة المزيد حول تجربتهنَ هذه وما قد ينصحنَ به أي فردٍ قد يُصاب به مستقبلًا؛ كان لنا هذه المقابلة الشيقة مع السيدة منى الحربي، سفيرة الجمعية الوطنية لـ"التصلّب المتعدد" في الدولة، محاربة من الطراز الأول، تعايشت مع المرض وحوَلته إلى طاقة للنجاح..
عزيزتي منى، أخبرينا المزيد عنكِ.
أنا منى الحربي، إماراتية وأم لثلاثة أطفال؛ متعايشة مع التصلب المتعدد منذ عام 2015. حاصلة على درجة البكالوريوس من جامعة الإمارات العربية المتحدة في عام 2006، ودرجة الماجستير من جامعة حمدان بن محمد الذكية (HBMSU) في عام 2022. بصفتي أحد سفراء الجمعية الوطنية للتصلب المتعدد، أساعد في نشر الوعي حول التصلب المتعدد من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. كما أنني أحب السفر.
متى وكيف تمَ تشخيصك بالتصلب المتعدد؟
تمَ تشخيصي بالتصلب المتعدد في عام 2015 بعد تعرضي لبعض الأعراض لمدة 4 سنوات. قررت زيارة الطبيب بعد أن بدأت أعراضي بالتزايد، وعرفت منه بتشخيصي بالتصلب متعدد.
كيف كانت تجربتكِ الأولى عند التشخيص بالتصلب المتعدد؟
أول ما بدر إلى ذهني كان "حسنًا، اصرفوا لي الدواء ودعوني أعود إلى حياتي". كانوا قد عرضوا علي أشعة الرنين المغناطيسي، وأعطوني بعض النشرات التوضيحية، وشرحوا لي الحالة؛ لكن لم يكن لدي المعلومات الكافية عن التصلب المتعدد آنذاك، ولم أكن أعرفُ أن هذا سيكون تغييرًا جذريًا في حياتي.
كيف تصفين رحلتكِ مع التصلب المتعدد حتى الآن؟
بدأت رحلتي ببعض التحديات التي كانت أشبه بالركوب على أرجوحة، عاطفيًا ومعنويًا. تعرضتُ لنوبتين من التصلب المتعدد في يونيو 2016 ويونيو 2019، وعلى الرغم من أنهما كانتا صعبتين، إلا أنهما جعلتاني أفهمُ حالتي أكثر. في بعض الأحيان شعرتُ بالضغط النفسي، ولكن بعد ذلك أخذت وقتًا كافيًا لزيادة معرفتي بالتصلب المتعدد بشكل أفضل، ووجدتُ في النهاية أنه كان وقتًا سعيدًا بشكلٍ خاص.
ما هي بعض التحديات التي قد يواجهها الأشخاص الذين يعانون من التصلب المتعدد؟
تشخيصكِ بالتصلب المتعدد دون فهمٍ كافٍ له قد يُسبَب بعض القلق. في البداية حين قرأتُ عن الأعراض أثرت على حالتي النفسية، فمن المهم للشخص أن يكون لديه الدعم المعنوي المناسب. بإمكان المرء أن يعيش حياةً طبيعية جدًا مع التصلب المتعدد حين تتوفر المعلومات والموارد الصحيحة.
في بداية تشخيصي واجهتُ صعوبة في العثور على الدعم والموارد المناسبة لمساعدتي على التكيَف مع حالتي وإجراء التعديلات اللازمة في حياتي للعيش كفردٍ فاعل مع التصلب المتعدد. ولكن حين تعرفتُ على الجمعية الوطنية للتصلب المتعدد صار التكيَف أفضل وأسهل. على الرغم من أن رحلتي بدأت بدروسٍ في التحديات، إلا أنني ممتنة للمعرفة التي أصبحتُ أملكها اليوم، وأستطيع الآن أن أشعر بقيمة الوقت الثمين مع أطفالي والأمل، وأملي في مستقبلٍ مليء بالإمكانيات.
في رأيكِ، هل هناك جانبٌ إيجابي للتصلب المتعدد؟
بالتأكيد هناك جانبٌ إيجابي للتصلب المتعدد، أقولُ ذلك بثقة من خلال تجربتي في التعايش معه طيلة السنوات الماضية. لقد كانت تجربتي بمثابة نقطة تحول بالنسبة لي وساعدتني في تغيير نظرتي السابقة إلى الحياة.
بنيتُ نظرةً جديدة عن التصلب المتعدد وتأثيره على حياتي، فقمتُ بإجراء العديد من التغييرات الضرورية في كل جانبٍ من جوانب حياتي، مثل الأشخاص الموجودون حولي؛ واللغة التي استخدمها؛ والذين أقضي اوقاتي معهم.
وقد لخصتُ ما تعلمته في خمسة عناصر:
- الوعي: ضرورة التعرف على الاضطرابات المناعية، وخاصةً التصلب المتعدد وأنواعه، من أجل معرفة ماهية التعديلات التي يجب أن أجريها في حياتي.
- النظرة: غيّرتُ النظرة التي كنت أنظر بها إلى التصلب المتعدد، فبدلًا من التفكير فيه كحالة مُعيقة، نظرتُ إليه كحافز يدفعني لتحقيق أهدافي ويمنح الأمل للأشخاص الذين يتعايشون مع الاضطرابات المزمنة.
- التغيير: دفعني التصلب المتعدد لتغيير حياتي وحفَزني لإحداث التغييرات اللازمة التي كنتُ بحاجة إليها والتي لم أكن لأحُدثها لولا تشخيصي بالتصلب المتعدد، خاصةً خياراتي الصحية ونمط حياتي.
- الأفعال: تحويل الكلام إلى نتائج واتخاذ إجراءٍ فوري خاص بكل ما يحتاج لتغييرٍ في حياتي، دفعني للالتزام بالتغلب على تحديات الحياة مع التصلب المتعدد.
- وأخيرًا القبول: كان هو العنصر الرئيسي للعيش بعقليةٍ صحية.
كيف تتأقلمين مع التصلب المتعدد في حياتكِ المهنية والشخصية؟
التأقلم مع التصلب المتعدد يتطلب القبول والعثور على الدعم المناسب، والمصادر المناسبة للمساعدة، سواء كانت مهنية أم شخصية؛ أحافظ على التواصل مع مجتمع التصلب المتعدد، وهو الذي لا يقتصر فقط على المتعايشين مع التصلب المتعدد ولكن أيضًا داعمي المتعايشين مع التصلب المتعدد، ومجموعات التصلب المتعدد من خلال الجمعية الوطنية للتصلب المتعدد التي قدمت الكثير من المعلومات المهمة والدعم لمجتمعنا في دولة الإمارات من خلال حملاتها، ومجموعات الدعم، والفعاليات الاجتماعية وتيسير المشاركة عبر الإنترنت، بالإضافة إلى التوعية بالتصلب المتعدد.
أخبرينا المزيد عن نمط حياتكِ، هل هو مثل نمط حياة أي شخص عادي، أم أنك تتبعين نظمًا مُعينة للأكل والعيش؟
أحاولُ الحفاظ على نمط حياةٍ بسيط مع روتين يومي منتظم وأستمع جيدًا إلى جسدي عندما يحتاج إلى الراحة. أبذلُ قصارى جهدي لاتباع نظامٍ غذائي صحي - لكن في بعض الأحيان أكافئ نفسي مع أطفالي بوجباتٍ لا أصفها بالمتوازنة صحيًا للمرح بين الحين والآخر – وأحاولُ أخذ الأمور ببساطة مع نفسي. كنتُ لا ألتزمُ كليًا بجلسات العلاج الطبيعي أثناء رحلتي نحو تقبلي للتغيير؛ ولكن بعد التقبل، أصبحت ألتزمُ بجلستين أسبوعيًا، وعندها أصبحتُ أشعرُ بمدى فائدتها على المدى البعيد. هذه رسالتي لمن يمر بذلك الآن: الاستمرارية هي الأساس، قد يكون الأمر صعبًا في البداية، لكن أعدكِ بأن الأمور ستكون أفضل بكثير مع الوقت. أمارسُ العديد من الأنشطة الممتعة وأخرجُ مع ابنتي وأخواتي وأحيانًا صديقاتي المُقربات. كما أشاركُ في بعض فصول اللياقة البدنية أسبوعيًا أو أقومُ ببعض التمارين في المنزل عبر الإنترنت - حسب مستوى طاقتي – أي أنني أحاولُ دائما الحفاظ على الاستمرارية في أنشطتي طوال العام. أكثر ما أستمتعُ به هو المشي في الهواء الطلق خلال الشتاء، والمشي في الداخل خلال فصل الصيف. كما أني أحبُ القراءة في وقتي الخاص، وأحيانًا أستمتع بالتجمعات العائلية.
كيف تتابعين التكنولوجيا الجديدة والتطورات في علاج التصلب المتعدد؟
أتابعُ ذلك من خلال القنوات الرسمية الموثوق بها مثل الجمعية الوطنية للتصلب المتعدد ومقدمي الرعاية الصحية الذين يتابعون حالتي. أنصح دائمًا المتعايشين مع التصلب المتعدد بالتوجه إلى المصادر الموثوقة، خاصةً عند البحث عن الطبيب المناسب الذي يكون على دراية بحالتهم وتطورها.
ما الذي غيَره التصلب المتعدد فيكِ، على المديين القريب والبعيد؟
في هذه المرحلة من حياتي وبعد التعايش طوال تلك السنوات مع التصلب المتعدد، أراهُ كنعمة، أحيانًا أتساءلُ وأفكر ماذا لو لم يكن لديَ التصلب المتعدد، كيف كانت ستكون حياتي؟ هل سأكونُ من أنا عليه اليوم؟ كيف ستكونُ علاقتي بأطفالي؟ هل كنتُ سأكمل دراستي العليا؟ هل كنت سألتزمُ بالعيش بصحةٍ جيدة؟ لم يعد لديَ نفس القلق الذي كان عندي عندما تمَ تشخيصي في البداية للمرة الأولى. التغيير الذي حدث لي من التصلب المتعدد، أنه غيَّر نظرتي بالكامل. يجب أن أعترفَ بفضل التصلب المتعدد في جعلي أحسن مما كنتُ عليه في السابق.
هل تخشين من عواقب التصلب المتعدد على حياتكِ في السنوات القادمة، وكيف تتعاملين مع هذه المخاوف؟
كما ذكرتُ سابقًا، لن أكون صادقة تمامًا إذا قلت أن التفكير بالتصلب المتعدد ومستقبلي لا يُقلقني أحيانًا. ولكن مع نظرتي الجديدة ومستواي الحالي من الوعي، أنا متفائلة وفي كل مرة تراودني فيها تلك الأفكار السلبية أو الشعور بالخوف، أعيدُ نفسي إلى الحاضر وإلى هذه اللحظة الحالية وأقرُ بذاتي هنا والآن.
لقد درَبتُ عقلي على ترك الماضي في الماضي وترك المستقبل للمستقبل فقط؛ وعليّ التركيز على اللحظة الحالية. فكما أقول دائمًا لأطفالي "ما تقوله لعقلك، يؤمن عقلك به". كلٌ منا لديه مخاوفه من المستقبل وما قد يحدثُ لنا أو لأحبائنا، ولكن أفضل طريقة للتعامل مع هذه المخاوف هي عيش اللحظة الحالية.
هل تشاركين في أي فعاليات أو أنشطة للتوعية بالتصلب المتعدد في دولة الإمارات؟
أنا مناصرة قوية لمجتمع التصلب المتعدد؛ حتى أنني قمتُ بإجراء مقابلاتٍ مع أصحاب التجارب الحقيقية والندوات عبر الإنترنت. شاركتُ أيضًا في العديد من فعاليات التوعية بالتصلب المتعدد التي نظَمتها الجمعية الوطنية للتصلب المتعدد للتواصل مع مجتمع التصلب المتعدد. كما شاركتُ مرة واحدة في مسيرة التصلب المتعدد التي أُقيمت في ياس مول في أبوظبي بمناسبة اليوم العالمي للتصلب المتعدد بالإضافة إلى مشاركة مختلف المنشورات عبر المنصات المتعددة والتعاون مع أطرافٍ مختلفة لرفع الوعي بالتصلب المتعدد ودعم مجتمع التصلب المتعدد.
ما النصيحة التي تودين إعطائها للمُشخصين حديثًا بالتصلب المتعدد؟
سأقول لهم أن يستمروا في المضي قدمًا. فمن الطبيعي خلال رحلة التكيف مع التشخيص أن تكونوا أولًا في حالةٍ من عدم التصديق، ولكن استمروا في المضي قدمًا؛ لا تستسلموا لهذه الحالة فترةً طويلة. استمروا في البحث عن الطريق حتى تصلوا إلى القبول؛ أعدكم أنكم ستجدون متعةً كبيرة متى ما وصلتم لهذا التقبَل.
آخر كلمة لقارئات"هي".
استمعنَ إلى بعضكنَ البعض، استمعنَ إلى أحبائكنَ، سواء كنتنَ تعشنَ مع التصلب المتعدد أو داعمات للمتعايشين مع هذا المرض. كنَ لطيفات وأحسنَ الظن بهم، فنحن لا نعلمُ أبدًا ما يمر به الآخرون، ولكني متأكدة أنهم سيقدرون أثر اللطف والتعاطف كثيرًا.