نصائح لتحسين الصحة العقلية

لضمان التماسك الجسدي والنفسي: هكذا تحافظين على رفاهكِ وعافيتكِ العقلية

جمانة الصباغ

نقف أمام المرآة معظم الوقت، نتفقد أجسامنا ووجوهنا؛ نبحث عن الوزن الزائد في الأرداف والخصر، نتفحص بدقة ما إذا كانت التجاعيد ظهرت حول أعيننا أو أفواهنا، نرقب الشيب ما إذا ظهرت خصلاته الأولى في شعرنا.

نهتم كثيرًا بمظهرنا الخارجي، سواء كان ذلك بمثابة هوسٍ دائم أو اطمئنان بين الحين والآخر. لكن ماذا عن الداخل؟ كم مرة في اليوم، أو الشهر، أو حتى العام، نحاول إلقاء نظرةٍ فاحصة على حالتنا النفسية وما يحصل في دواخلنا؟ كم من المرات تفحصَنا مشاعرنا وعافيتنا العقلية والنفسية، وأعرناها اهتمامً يوازي اهتمامنا بأجسادنا؟

نصائح لتحسين الصحة العقلية-رئيسية واولى
نصائح لتحسين الصحة العقلية

متى كانت آخر مرة ذهبتِ فيها إلى الطبيب؟ منذ شهر؛ منذ ستة أشهر، منذ عام أو أكثر؟ ماذا عن آخر مرة أجريتِ فيها فحصًا الصحة العقلية؟ بالنسبة للعديد من النساء في دولة الإمارات، هناك فارق شاسع بين آخر مرة ذهبنا فيها إلى الطبيب بسبب مشكلةٍ جسدية وآخر مرة فحصنا فيها صحتنا العقلية. وفي حين أننا نعلم بوجود رابطٍ لا يمكن إنكاره ولا ينفصل بين الجسد والعقل، إلا أن رعاية عقولنا وصحتنا العقلية غالبًا ما تتخلف كثيرًا عن رعايتنا للجسد.

لماذا هذا؟ تجيب الدكتورة تشاستي من مركز ثرايف ويلبيينج Thrive Wellbeingعن هذا السؤال بالقول: "حسنًا، بالنسبة للكثير منا، فإنها حالةٌ من التراكم المُزمن للمسؤوليات المتزايدة باستمرار. نقول لأنفسنا، (لا بأس ... يمكنني الاستمرار في الفوضى ... الأمر ليس سيئًا للغاية ... يمكن أن يكون أسوأ)؛ ولكن مثل الضفدع الصغير في وعاء الماء الفاتر، لا نلاحظ التغيَر المتزايد في درجة حرارة الماء على شكل مطالب. ولكي نكون صادقين ومتعاطفين مع أنفسنا، كيف يمكننا أن نلاحظ ذلك؟ بين توقعات الحياة الأسرية (أن تكوني إبنةً أو زوجة أو أختًا أو أمًا أو خالةً صالحة...)، ومتطلبات العمل أو الدراسة، والالتزامات المجتمعية، و/أو الضغوط القائمة على النوع الاجتماعي، غالبًا ما تكون عقولنا مشغولةً وصاخبة ومُشتتة بسبب العبء العقلي للحياة الحديثة."

قبل اليوم العالمي للمرأة الذي يُصادف 8 مارس، وفي سعينا لمساعدة تمكين المرأة في كافة المجالات؛ تقدم لكِ "هي" اليوم، بعض النصائح المختصة للحفاظ على عافيتكِ العقلية واستعادة زمام الأمور في خضم زحمة الحياة اليومية وتحدياتها.

نصائح لتحسين الصحة العقلية

منذ سنٍ مبكرة، غالبًا ما يتم تكييف النساء لإعطاء الأولوية لاحتياجات الآخرين على احتياجاتهنَ الخاصة. وسواء كان ذلك للتواجد من أجل أفراد الأسرة، أو التفوق في العمل، أو محاولة تلبية معايير الجمال التي لا هوادة فيها، فإن الضغط المستمر لتكوني "كافية" يمكن أن يؤدي إلى الإرهاق والقلق والشك الذاتي والطاحونة التي لا تنتهي من الضغط المستمر.

تحدياتٌ كثيرة تجعلنا نشعر بالاكتئاب والقلق وقلة الرفاه العقلي
تحدياتٌ كثيرة تجعلنا نشعر بالاكتئاب والقلق وقلة الرفاه العقلي

في حين تدرك الكثيرات منا جيدًا، أن المطالب والتوقعات أكثر مما يستطيع أي إنسانٍ تحقيقه؛ فإن الطبيعة الخبيثة لهذه القضية غالبًا ما تتغلب على شعورنا بالمنطق. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تكون المدارس وأماكن العمل والمجموعات الاجتماعية وحتى الأُسر مُثقلةً بالتحيَزات والتجارب الضمنية والصريحة التي تتطلب من النساء بذل المزيد من الجهد لإثبات أنفسهنَ كقادرات ومخلصات.

وبالطبع، هناك أيضًا جانبٌ أثقل بكثير للواقع الذي تواجهه النساء. فعلى الرغم من التقدم الكبير والمهم الذي أحرزته النساء على مختلف الصُعد، ما زلنا نعاني من الاكتئاب والقلق والاضطرابات المرتبطة بالصدمات. في العديد من أنحاء العالم، لا تشعر 34٪ من النساء بالأمان عند المشي بمفردهنَ في الليل، وتشير التقديرات إلى أن 27٪ من النساء اللاتي كنَ في شراكاتٍ تتراوح أعمارهن بين 15 و 49 عامًا تعرضنَ للإساءة الجسدية و / أو الجنسية من قبل شريك (مؤشر صحة المرأة العالمي، 2022). بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما ترفض التحيَزات المجتمعية في مجال الرعاية الصحية آلام النساء باعتبارها "مُبالغٌ فيها" أو "هستيرية"، مما يؤثر على صحتهنَ البدنية والعقلية (Gilles-Hillel، 2023).

استبيان فحص الصحة العقلية

العديد من النساء يتحملنَ الضغوط النفسية دون أن يدركنَ استنزافهنَ العاطفي، مما يجعل من الصعب عليهنَ طلب الدعم. والنتيجة؟ يبقينَ على قيد الحياة بالتأكيد، ولكنهنَ لا يزدهرنَ ــ وهو خطٌ رفيع يمكن أن يؤثر بشكلٍ كبير على الصحة العقلية على المدى الطويل.

إذن، ماذا يمكننا أن نفعل؟ الخطوة الأولى هي أن يكون لدينا فهمٌ واقعي لكيفية عمل صحتنا العقلية الفردية. لذا، يمكن أن يكون أحد الأماكن التي يمكننا البدء منها، هو استبيان فحص الصحة العقلية الموثوق به والمشهور مثل هذا.

امنحي الأولوية للمتع اليومية الصغيرة التي تُشعرك بالسعادة
امنحي الأولوية للمتع اليومية الصغيرة التي تُشعرك بالسعادة

فائدة استبيان الفحص هي أنه ليس أداةً للتشخيص، لكنه يمكن أن يمنحكِ لمحةً عامة لتسهيل استكشاف الصحة العقلية. لن يمنحكِ كافة الإجابات؛ ولكن مثل قياس ضغط الدم، على سبيل المثال، فهو خطوةٌ صغيرة وقابلة للتحقيق لجمع المعلومات، يمكن أن تساعدكِ في بناء أو فهم جزءٍ من لغز الصحة العقلية بشكل عام. يمكن أن تكون الاستبيانات مثل تلك المُشار إليها في هذه المقالة، غالبًا بمثابة أساسٍ للبدء في دعم احتياجات الصحة العقلية الخاصة بكِ.

ستجدين أدناه بعض الاستراتيجيات القابلة للتنفيذ والتي يمكن أن تساعد في بناء الصحة العقلية:

● عمليات تسجيل الوصول اليومية - اسألي نفسكِ: كيف أشعرُ اليوم؟ إذا استمر التوتر أو الحزن، عالجيه قبل تفاقمه.

● تحدَي الكمال - تقبَلي أن "الجيد بما فيه الكفاية" بحد ذاته كافي.. إن بذل قصارى جهدكِ لا يعني إرهاق نفسكِ؛ بل يتطلب فهم مطالبكِ وحدودكِ ومواردكِ، وتجنَب الإرهاق من خلال إدراك متى يصبح السعي إلى الكمال تخريبًا للذات.

● إعطاء الأولوية للُمتع اليومية الصغيرة - خصَصي مساحةً للأشياء التي تجلب البهجة أو السعادة إلى يومك - سواء كانت الموسيقى أو الطبيعة أو الفن أو الحركة. إن مجرد تناول كوبٍ من الشاي والاستماع إلى أغنيتكِ المفضلة (إذا كان هذا هو الشيء المُفضل لديكِ) هو طريقةٌ صغيرة، ولكنها ذات مغزى كبير، لإعادة الاتصال بنفسكِ.

تعلَمي قول لا لمنع استنزافكِ العقلي والنفسي
تعلَمي قول لا لمنع استنزافكِ العقلي والنفسي

● في بعض الأحيان، تحتاجين إلى قول كلا - "لا يمكننا أن نكون كل شيء للجميع. في بعض الأحيان نحتاج إلى تحديد الأولويات. نعم، هذا يعني أحيانًا خيبة أمل للآخرين، ولكن يمكننا القيام بذلك بالحب والاحترام (ثم نكون هناك من أجلهم في المقابل عندما يمتلئ كأسنا ولا يوجد شيء)، تؤكد الدكتورة تشاستي.

● اطلبي الدعم - العلاج ليس الملاذ الأخير، ولا هو للأشخاص الذين لا يستطيعون التأقلم؛ يتعلق العلاج بالنمو واكتشاف الذات وتقديرها. حتى لو كنتِ تشعرين بأنكِ "في كامل قواكِ العقلية"، فإن إجراء فحصٍ للصحة العقلية يمكن أن يُوفَر لكِ المزيد من الوضوح ويمنع الصراعات المستقبلية في عقلكِ وداخلكِ.

بالإجمال، فإن فحص صحتك العقلية ليس إجراءً يتم مرة واحدة فقط؛ بل هو عمليةٌ ديناميكية ومتطورة لمساعدتكِ في البقاء على اتصالٍ بأحد أهم أجزاء الجسم - العقل. لذا حافظي على صحتكِ وعافيتكِ العقلية بأعلى الدرجات، من خلال الاهتمام بها وإيلائها حيزَا مهمًا من تفكيركِ وتركيزكِ.

وليكن معلومًا لكِ عزيزتي، أن تمكينكِ في كافة مجالات الحياة، يبدأ من رفاهكِ الجسدي والنفسي والعقلي، فلتبدأي بتأسيس هذا التمكين جيدًا.