أمي وزوجتي وبناتي
نعتز في مجلة "هي" بأن الأديب العالمي الكبير نجيب محفوظ خصنا بمقالة عن زوجته وابنتيه نشرناها قبل وفاته (30 أغسطس 2006) باعتبارها آخر مقالة طويلة كتبها قبل رحيله، وها نحن نعيد نشر مقتطفات منها اليوم بمناسبة عيد ميلاده الذي يصادف في هذا الشهر (ولد في 11 ديسمبر 1911).
أنا أرى أن تحضر البشرية وعبر منجزاتها في ركبها الطويل لم تضف للمرأة الكثير، مثلما اصطفاها، واختصها به المولى عز وجل من فطرة وسمو ورفعة ورحم يحتوي، وكذلك كان الأنبياء في رسالاتهم، ومن بعدهم الحضارات والشرقية منها على وجه الخصوص، ومن هنا فإن دور المرأة في حياتي ككاتب يتمثل معناها في أمي، وزوجتي وبناتي (رفيقاتي في حياتي من بعدها).
الأولى وهي الأم ربتني مرضعة فعلمتني وأشبعتني بحنانها، ولم تبخل علي بأي شيء.
الثانية هي زوجتي السيدة "عطية الله" وهي من شملني بالرعاية والتكفل الأسري والإنساني، هي ودودة كانت في حياتي، صديقة كان لها الفضل الأول في تنظيم حياتي الإبداعية والأسرية، فكانت تستقبل إخوتي وأقربائي في منزلي دوماً ووقت غيابي في عملي أو كتابتي الإبداعية، وهي التي قامت (وكان لها الدور الأكبر) في تنظيم أوقات القراءة والكتابة في حياتي، وبالإضافة لمسؤولياتها العديدة في المأكل والملبس وخلافه مازالت السيدة "عطية الله" وهي فعلاً عطية من الله، مشغولة ومهتمة بالحفاظ على أموالي ومصادر دخلي من تعاقداتي مع دور النشر أو حتى الدوريات والصحف.
آخر دور للمرأة في حياتي أراه يومياً مجسداً في بناتي قرة عيني "فاطمة" و "أم كلثوم" فهما زهرتا حياتي والرحيق الباقي في دنياي. فكلهن مجتمعات وكل فيما يخصه أو تشارك فيه أو فرضته عليها ظروف الحياة أو التربية – أضاف لبنة في بناء نجيب محفوظ الطفل والصبي والشاب والرجل العجوز والشيخ الذي حصد العديد من الجواهر الحياتية والإنسانية والاجتماعية والأدبية العظيمة بفضل المرأة التي كانت دافعاً مباشراً وغاية ووسيلة للحلم في كياني.
المرأة كانت ولم تزل سبباً يقيني في إلهامي ووصولي لغاياتي وتحققي في الكتابة مكتملاً وممتلئاً بحنانها ودفئها، ولذا فإنه ومهما تطورت الحياة ورؤى التحضر في مسار الإنجازات البشرية والتقدمية الغربية منها على وجه الخصوص فلن توفى المرأة حقها كما أعطتها الرسالات الربانية والحضارات الشرقية العريقة والمصرية منها على وجه الخصوص.