احتضان القوة الأنثوية في القيادة الطريق نحو الأصالة والتوازن
ضمن عالم غالبا ما نعتقد فيه أن القادة أقوياء ومباشرون وغير عاطفيين، يأتي ازدهار القيادة الأنثوية بتغيير منعش. ولا يقتصر هذا النوع من القيادة على النساء فقط، بل يتعلّق بالصفات التي نربطها عادة بالأنوثة، مثل الانفتاح والاهتمام والتفهم والاستعداد للإصغاء. لم يعد يُنظر إلى هذه السمات الآن على أنها نقاط ضعف، بل مهارات قوية في العمل وداخل الفرق.
التعرّضية.. جوهر التواصل
التعرّضية تغيّر قواعد اللعبة في مجال القيادة. ولا تعني أن نكون ضعفاء، بل أن نتحلّى بالشجاعة الكافية لنكون على حقيقتنا، ونظهر الذات الحقيقية. باستطاعة هذا الصدق أن يبني الثقة، ويقرّب أعضاء فريق العمل بعضهم إلى بعض. إن القائد القادر على التحدّث عن صراعاته الشخصية ينشئ مساحة يشعر فيها الجميع بالأمان لمشاركة الأفكار والمجازفة. هذا النوع من المصارحة لا يساعد الناس على الشعور براحة وسعادة أكبر في مكان العمل فقط، بل يطلق أيضا شرارة الإبداع وولادة الأفكار الجديدة.
الذكاء العاطفي.. القيادة بالقلب
إن فهم عواطفك والتعامل معها، إلى جانب التعاطف مع مشاعر الآخرين، عنصر أساسي في القيادة الأنثوية. يسهم هذا الذكاء العاطفي في صياغة مكان عمل يشعر فيه الجميع بأن هناك من يفهمهم ويقدّرهم. وهو أمر مهمّ جدا لحل النزاعات، وإبقاء الناس مندفعين ومتحفزين، وبناء فريق مخلص وملتزم. وكلما زاد اتصال القائد بعواطفه، كان بإمكانه التعامل بشكل أفضل مع التقلبات العاطفية لفريقه، وهو ما يجعل مكان العمل أكثر سعادة وإنتاجية.
التقبّل.. الترحيب بالمساعدة والأفكار المقترحة
تنطوي القيادة الأنثوية أيضا على الانفتاح في اتّجاه التلقي والقبول، سواء أكان ذلك لمساعدة ما أو ثناء أو أفكار جديدة. في مقاربة القيادة القديمة، كان من الممكن أن يبدو طلب المساعدة علامة ضعف، لكنه الآن يعدّ نقطة قوة. إن الانفتاح على أفكار الآخرين، ودعمهم ينسجان خيوط بيئة عمل أكثر تعاونا ودعما، فيحطّمان الجدران المعتادة بين المدير والموظف، ليمهّدا الطريق أمام تشكّل فريق يعمل معا بشكل أوثق وأكثر فاعلية.
الثقة.. بناء فرق قوية
الثقة مهمّة للغاية في أي شكل من أشكال القيادة. تصب القيادة الأنثوية تركيزا كبيرا على بناء الثقة وتعزيزها داخل الفريق، وذلك يشمل الثقة بالنفس وبأعضاء الفريق وسير العمل. حين يظهر القائد ثقة حقيقية، يمدّ أعضاء فريقه بالثقة الذاتية وحس المسؤولية. وهذه الثقة قادرة على منح بيئة العمل إيجابية تتيح للجميع أن يكونوا مبدعين ويخرجوا بأفكار جديدة.
الحدس.. القوة الخفية خلف القرارات
من الأجزاء المميزة التي تتألف منها مفاهيم القيادة الأنثوية، الاعتماد على الحدس. وذلك يعني الثقة بالصوت الداخلي، وليس فقط بالوقائع والبيانات. في عالم الأعمال السريع الحركة، إن القدرة على الاستيعاب السريع لظرف معيّن، واتخاذ القرارات المبنية على وقائع وحدس، تستطيع أن تحدث فرقا حقيقيا. وهو ما يؤدّي إلى قيادة فاعلة ومكتملة أكثر.
من العدوانية إلى التعاطف
في الماضي شعرت قيادات نسائية كثيرة بأن عليهن أن يكنّ صارمات وحازمات بشكل مفرط كي يجدن الاحترام. لكن هذا أدّى في كثير من الأحيان إلى إرهاق وشقاء. عودة سمات القيادة الأنثوية تعني الانتقال نحو طريقة قيادة أكثر توازنا وتفهّما وتركيزا على الفريق. لا نقصد هنا التخلّي عن القوة، بل مزجها باللطف والتفهّم والتعاون.
القيادة الأنثوية.. فرق عمل سعيدة وصحّية
تؤدّي القيادة الأنثوية دورا مهمّا في منع الإرهاق الوظيفي المعروف باسم "الاحتراق النفسي"، وهي مشكلة كبيرة موجودة في بيئات العمل المجهدة اليوم. لكن القيادة الأنثوية تجعل بيئة العمل أكثر صحّة من خلال نشر ثقافة تفاهم وتشجيع التوازن المتناغم بين الحياة والعمل. فيهتم هذا النهج برفاهية الموظفين، واعيا بأن الفريق السعيد يكون أكثر إنتاجية وإبداعا.
في نموذج القيادة الأنثوية لا يقاس النجاح فقط بكسب المال أو مكانتنا في السوق، بل يعتمد أيضا على رضى الموظّفين وسعادتهم. وهذه النظرة الأشمل للنجاح تفضي إلى بيئة عمل تكون أفضل للجميع، فتنخفض فيها مستويات الإرهاق والإجهاد مع الوقت، وتبقى مستويات الإنتاجية عالية على المدى البعيد.
إعادة تعريف الأنوثة في القيادة
اليوم تعيد الكثير من النساء القائدات اكتشاف صفاتهن الأنثوية واحتضانها وإظهارها، فيجدن أنها أكثر طبيعية ومناسبة لهن. ذلك لا يعني رفض السمات الذكورية في مجال القيادة، بل إيجاد توازن يثمر أفضل ما في الجهتين. المهم هو أن نفهم أن القوة لا تعني دائما أن تكوني شديدة أو حادّة، يل يمكن أن تتجلّى في الاهتمام والتفهّم ومساعدة الآخرين على النمو.
سبيل المضي قدما
فيما نمضي قدما، سيكون أساسيا إحضار سمات القيادة الأنثوية إلى كل أنواع الأدوار القيادية، بغض النظر عن جنس المرء. وباستطاعة مثل هذا الانتقال نحو نهج قيادي أكثر توازنا، أن يحوّل المنظمات لتصبح أكثر صحة وابتكارا وقوة. مع ثورة القيادة الأنثوية، لا نستبدل أسلوبا بآخر، بل نعزز مقارباتنا القيادية ونضيف إليها، في سبيل تحديد أسلوب قيادي شمولي، متعاطف، وفعّال للجميع.
ختاما، تكمن قوة احتضان القيادة الأنثوية في إبراز صفات مثل التوازن والتعاطف والحدس، وإلقاء الضوء عليها. وهي ميزات كثيرا ما يتم تجاهلها وإهمالها في القيادة التقليدية، لكنها صارت تعتبر الآن ضرورية لقيادة ناجحة ومؤثرة. وفيما يتقبل المزيد من القادة هذه الصفات ويحتضنونها ويتبنونها، يمكننا أن نتوقع تغييرات كبيرة في كيفية عمل الشركات وعمل أعضاء الفرق معا. وهي خطوة نحو مستقبل أكثر توازنا وشمولية واستدامة في عالم الأعمال.
