القيمة والمؤرخة الفنية إيمان الجبرين تكتب لـ"هي": كيف تُعيد الفنادق تجارب هويتنا الثقافية؟
على الرغم من المنافسة الشديدة في مجال الضيافة، وخاصة مع ازدهار حركة السياحة في المملكة والإمارات، برز مؤخرا اســـــم "فـــــــــنادق شـــــــدا" في تجربة سيـــاحيــــة مــمــيــزة للـنـــــــــزلاء. في عام 2022، بدأت أعمال الإنشاء لفندق جديد في دبي، وهو الفندق الأول من سلسلة شدا في الإمارات، لذلك أراد المسؤولون تقديم تجربة استثنائية جديدة ترتكز بشكل أساسي على هوية تراثية وفنية خاصة. وقد كلفتني الشركة المالكة بتطوير هذه الهوية منذ المراحل المبكّرة للمشروع.
وعلى الرغم من أنني خلال العشرين عاما من مسيرتي في التقييم الفني كنت بعيدة تماما عن مثل هذه المشاريع بسبب تركيزي على المعارض غير الربحية، فإن ما جذبني للعمل على هذا المشروع هو أنه مشروع إنساني بحت، ولم يكن ربحيا بأي شكل من الأشكال، بل على العكس، كان الهدف هو إيجاد فرص لدعم الفنانين والحرفيين في جنبات الفندق. وهذا يعكس روح فنادق شدا، التي تملكها وتديرها بشكل مباشر عائلة سعودية صغيرة، يحمل أفرادها الكثير من القيم الإنسانية، ويسعون بجدّية لتحقيقها على أرض الواقع رغم تحديّات السوق وتقلباته.
بدأت العمل بشكل مباشر مع المصممة رنا قرّاش ابنة مالك الفنـــــدق وأحـــــد الــعـــاملـــيــــــن في الــشـــركة والمسؤولة عن الهوية والتصميم الداخلي للفندق، واتفـــقـــنــــــا معا عــــــلى رغبتنا في أن يقدّم هذا الفـــــــندق لنزلائه تجربة أشبه ما تــــــكون "بأحضان الأمهّات" التي تقتل كل شعور بالاغتراب؛ وأن يكون بمنزلة الوطن المــــــتـــــنقل والذاكـــــرة الحيّة التي نحــــــملها أينما ذهبنا. لذا بدأنا إلهامنا بدراسة توظيف نقوش الحنّاء الإماراتية في زخرفة حوائط الفندق، فهي فنّ نسائيّ بامتياز يذكرنا ببركة كفوف الأمهات حين نقبّلها وتملأ أنوفنا برائحة شجر الجنّة.
واتفـــــقنا على جـــــعل "شــــــدا جميرا" مناســـبــة للاحتفاء بفنون الـــــمرأة حــــول الــعـــالــــــم، فـعــمـلـــنــــــا على شقّيــــــــــن، الأول يختص بالأثاث والكماليات والتشطيب، وتوّلت مسؤوليته بالكامل المصممة رنا قرّاش، إذ حرصت على تصنيع معظم المنتجات يدويا كالسجاد والأقمشة والفخار والبلاط وغيرها. وقد جلبت تلك المصنوعات من شتى مناطق المملكة، وبعضها الآخــــر من خــــارج الـمـمـلــكــــــة. ولم يــقـــــف عمــلـــهــــــا عــــــند حدود التعامل مع المصانع والمحترفات، بل تعاونت أيضا مع أحد أربطة جــــدّة الــــتي تــــؤوي النزيلات اللواتي تقطعت بهنّ السبل، لتصنيع مجــمــوعــــة من مرايا الفندق بخامات معادة التدوير تحت إشراف فنانة عالمية.
أما الشقّ الثاني، فهو مختص بالأعمال الفنية المعاصرة، وقد عملت عليه بالتعاون مع رنا، فاخترنا مجموعة من الأعمال الفنـــيــــة والــصـــور الــــتي أبـــدعـــهــــا عـــــدد مــــن الفنانين والفنانات السعوديين والإماراتيين.
وعدد من هذه الأعمال صنعت خصيصا للفندق، مثل الثريا المستوحاة من مغزل الصوف للفنانة خلود البقمي، وعمل المرآة السحرية الذي أنتجته خصيصا ليزيّن مدخل الفندق، ويحكي للزائرين قصة كفاح الجدّة "ملحة" والدة مؤسس شدا، والتي استمدّت منها عائلته القوة والإصرار والعزيمة على النجاح مهما كانت الظروف. ولم يقف التعاون عند هذا الحدّ، بل حرصنا سويا على اختيار مجموعة منتقاة من الكتب الفنية القيّمة لمتعة النزيل في مكتبة البهو. كما سنصدر لاحقا كتابا خاصا يحكي تفاصيل هذه الرحلة، ويفسّر جميع القطع الفنية والأثاث وغيرها من محتويات الفندق، ومصدرها، وصناعها، والفكرة من ورائها.
إن تجربة المبيت في "شدا جميرا" تجربة مختلفة بحقّ، فقد اهتم القائمون عليه بأدق التفاصيل، حتى في اختيار المشغلين للمطعم والفندق، وهو الأمر الذي يجعلك تشعرين بأنك تهيمين في أرجاء صالة فنية تتيح لك تجربة العيش ولو لبضع ليال في جنباتها.