يسرا يوسف مقدمة بودكاست "ونسة مع أوسا" تكتب لـ"هي": تأملات في صوت المرأة السودانية قصص تروى وأصوات تُسمع

يسرا يوسف مقدمة بودكاست "ونسة مع أوسا" تكتب لـ"هي": تأملات في صوت المرأة السودانية قصص تروى وأصوات تُسمع

مجلة هي

لطالما كان صوت المرأة السودانية محجوبا عن الساحة العالمية، وخاصة في ظل الظروف الصعبة التي مررنا بها مؤخرا جراء الحرب في السودان. في الثالثة والعشرين من عمري، وجدت نفسي أقف عند نقطة تحول في حياتي، حيث بدأت أكتشف قوة الكلمة وأهمية الصوت، وخاصة صوت المرأة السودانية. لم يكن الأمر يتعلق فقط بإطلاق بودكاست أو تقديم منصة للنساء في الحديث، بل كان انعكاسا لرغبتي العميقة في كسر الصور النمطية وإظهار جانب جديد من هويتي، وهويتنا السودانية. كفتاة سودانية نشأت بين العادات التقاليد، كنت دائما أشعر بأنني أريد أن أكسر الحواجز وأظهر شخصيتي القوية والمختلفة. وبأن هناك قصصا تستحق أن تُروى بطريقة مختلفة، وبأصوات تشبهنا. في الوقت الذي يمر فيه السودان بأصعب مراحله، كنت أبحث عن وسيلة تجعلني أسهم في تغيير السرد العالمي عنا. رغم أهمية رؤية السودانيين كضحايا للحرب شعرت أيضا بأننا أكثر من ذلك، وأردت أن نقدم أنفسنا بصوت مفعم بالحياة والثقافة.

لطالما كانت فكرة الحديث مع الناس و"الونسة" جزءا من شخصيتي، سواء كانوا أصدقاء، أو عائلة، أو حتى غرباء. أستمتع بالسؤال والاستماع، وأحب أن أرى لمعة العينين عندما يشارك أحدهم قصة قريبة من قلبه. ربما هذا ما جعلني أجد نفسي في دور المستضيفة. "ونسة مع أوسا" لم يكن مجرد فكرة لبودكاست، بل كان انعكاسا لرحلة شخصية، رحلة لفهم نفسي وتطوير شغفي بالتواصل مع الآخرين ونقل مشاعر حبي للوطن، أردت أن يكون خفيفا وسهلا على القلب، شيئا يذكرك بالجلوس مع عائلتك في موطنك. وهذا الشعور الذي افتقدته عندما بدأت الحرب في السودان. تجربتي كأول شابة سودانية تستضيف شخصيات محبوبة من خلفيات مختلفة هي شيء أفتخر به. لم يكن الأمر سهلا. كوني أعمل في مجال لم يُكتشف كثيرا في مجتمعنا، شعرت بوزن المسؤولية على كتفي. كيف يمكنني أن أقدم محتوى يحترم جمهورنا ويعكس قيمنا، بينما يظل خفيفا وقريبا من القلب؟ كيف أُظهر للعالم أن السودان غني بالثقافة، والعمق، والقصص الملهمة؟ خلال رحلتي مع البودكاست، تعلمت الكثير عن نفسي. اكتشفت شغفي بالاستضافة، وأدركت مدى قدرتي على خلق مساحات آمنة للحديث. كل ضيف أستقبله، سواء كان مشهورا أو شخصا يعيش بعيدا عن الأضواء، علّمني درسا جديدا. من كل حلقة تعلمت ألا أخاف من طرح الأسئلة الصعبة، وأن أكون صادقة مع نفسي ومع جمهوري. أحد الأشياء التي أعتز بها بشدة هو أن رحلتي قد تلهم الفتيات السودانيات، وتشجعهن على الإيمان بأنفسهن..

عندما أرى تعليقات من فتيات صغيرات يقلن إنهن يجدن أنفسهن فيّ، أو أنهن يشعرن بالفخر بتمثيل سوداني قريب من واقعهن وبنت سودانية تشبههن، أعرف أنني على الطريق الصحيح. هذه اللحظات هي التي تجعلني أستيقظ كل يوم بشغف أكبر للعمل على شيء يعكس قصتي وقصصنا جميعا.

لكن هذا الطريق لم يكن يخلو من التحديات. كان عليّ مواجهة مخاوفي، سواء كانت مخاوف من الفشل أو من عدم التقبل أو التعليقات السلبية.. في كل مرة كنت أتغلب على تلك المخاوف، كنت أشعر بأنني أقوى وأكثر قربا من ذاتي الحقيقية. البودكاست علمني الصبر، علمني أن أكون مستمعة جيدة، وعلمني أن أقدر قوة الكلمة حين تقال من القلب. اليوم، أشعر بأنني أسهم في إحداث تغيير إيجابي من خلال ما أقدمه، حيث أسعى دائما لدمج الترفيه مع التوعية الثقافية والاجتماعية، وهو ما يساعدني على تسليط الضوء على القضايا السودانية بشكل غير مباشر وبطريقة قريبة من القلوب. كل ما أقدمه في حياتي المهنية ومشاريعي هو امتداد لشخصية يسرا وانعكاس لقيمها وطموحاتها.