مسيرتي التكنولوجية: من الصفر إلى رائدة أعمال في مجال التكنولوجيا
بقلم رائدة الأعمال Ghizlan Guenez
كــــانت عــــلاقــــــتي بالتكــنولوجـــــــيا لمــــدة طويلة علاقة مستهلك يستخدمها لتسهيل حياته، لكن لم أتعمّق في هذا المجال بما فيه الكفاية إلى أبعد من فهم أساسياته. لم أكن أعلم أنّ التكنولوجيا ستصبح لاحقا في حياتي المحرّك الذي يقود كل المشاريع التي أطلقها كرائدة أعمال، والوسيلة التي من خلالها سأنشئ مجتمعات نسائية رائعة. ولم أكن أعرف أنّني سأصبح في الواقع، من خلال تطوّر عملي، مدافعة عن إدماج المزيد من النساء في ميدان التكنولوجيا.
أعتقد أننا نحن الفتيات، نترعرع على معتقدات تتعلّق بمجالات الحياة والأعمال التي يمكننا القيام بها، أو تلك التي لا نجيدها، وفي حالتي، تشرّبتُ الكثير من تلك المعتقدات السائدة. على سبيل المثال، هناك فكرة سائدة تقول إن الرجل ينجح في عالم التكنولوجيا لكن من الصعب أن تعمل فيه النساء. ذلك فضلا عن قلق الكثيرين من الضرر المحتمل الذي قد تُلحقه التـكنـــولوجـيـــا بسـلوكيـاتنــــا وحيــــــاة أطـفــالنــــا، لكنّ الحقيقة هي أنّ التكنولوجيا محايدة، وأنّ ما يحدّد نتيجتها هو كيفية استخدامها.
تغيّر كل شيء عندما تركتُ مسيرتي الاستثمارية التي وصلت إلى 15 سنة، وقرّرتُ المغامرة في مجال ريادة الأعمال في عام 2017 حين أطلقتُ مشروعي الأوّل، "ذا موديست" The Modist وهو منصّة تسوّق إلكترونية تقدّم أزياء فاخرة مختارة بدقّة لتحاكي أذواق جميع نساء العالم اللواتي يخترن إطلالات محتشمة. وكان ذلك الوقـــــت الــــذي تــــــلاشى فيـــــه الغمـــــــوض المحيــــــــــــط بالتكنولوجيا بالنسبة لي، وأصبحت وسيلة تمكّنني من الوصول إلى ملايين النساء حول العالم من كل مناحي الحياة وكافة الخلفيات والمعتقدات والأعمار جمعهن حبّهن للأزياء المحتشمة. سمح لي ذلك بتوفير تجارب رائعة عبر الإنـــــترنت، وكســـر القوالــــب النمـــطــيــــــة حـــول الاحتـــشـــــام من خــــلال إثــبـــــات إمـــكانيـــــة أن تكون هــــذه الأزياء عصـــريـة ومواكـبة للموضة، وتغيير الأفكار السائدة عن الأزياء المحتشمة والمرأة المحتشمة، وفي نهاية المطاف، تعزيز أهمية هذا الأسلوب في الأزياء وغرسه بثبات على خريطة الموضة العالمية.
لم يقتصر الأمر على ذلك، بل استطعنا من خلال منصات وسائل التواصل الاجتماعي أن ننشئ وننمي مجتمعا رائعا من محبّات الموضة المحتشمة. بتنا عائلة إلكترونية واحدة، نطلق محادثات مهمّة، ونرتقي بمستوى التعبير الذاتي. ربطتنا قيم مشتركة حدّت من أي اختلافات قد تكون موجودة، وأخيرا باتت تلك الجماعة القلب النابض للشركة.
عنـــــدما أقفــــــلت منـصة "ذا موديست" في عام 2020 بسبــــــب جـــــائــــحة كورونـــــا، كانـــــت أصــــوات تلك الجماعة هي الأعلى في إظهار الحبّ والدعم والتعاطف معي كمؤسّسة للمنصّة، ومعنا كفريق للشـــــــــركة. وكـــــــان ذلك الحـــــافز لإنشـــــــاء شركتَيّ التاليتين: الأولى هي منصّة "إف فورس" FForce الإلكترونية المعنيّة بالتكنولوجيا التعليمية، والتي تمّ إنشاؤها بهدف توفير محتوى ودروس للنساء في مجال ريادة الأعمال والتنمية الذاتية. والشركة الثانية هي "كوين مود لابز" Queen Mode Labs وهي عبارة عن استوديو للموضة الرقمية يضمّ مجموعة من الرموز غير القابلة للاستبدال NFT أسسناه بهدف استقطاب نساء كان الكثير منهنّ جزءا من مجتمع "ذا موديست"، ومنحهن فرصة للتواصل وبناء علاقات هادفة، ودعم بعضهنّ بعضا للنمو في مختلف مجالات الحياة.
وقد أدّت التكنولوجيا دورا مهمّا في منصة "كوين مود" لأنّ الرموز غير القابلة للاستبدال كانت حينذاك وما زالت تكنولوجيا ناشئة. كانت جديدة، وأثارت ضجّة كبيرة، وأسيء فهمها في بعض الأحيان، لكنّها ساعدتنا، أنا والمؤسِّسة المشاركة على استخدام تكنولوجيا "سلسلة الكتل" من أجل بناء مجتمعٍ مترابط عالميا يتجاوز الحدود الجغرافية. إنّ فهم تكنولوجيا جديدة حين لا يتعلّق ذلك بخلفيّتك صعب طبعا، لكن القيام بذلك في مجال يتطور ويتغير يوميا أمر آخر تماما. وبصفتنا امرأتين مؤسّستين استطاعتا تحقيق ذلك، رأينا بوضوح أنّ النساء هنّ أقلية في هذا المجال، واستنتجنا أنّ السبب لا يعود إلى نقص المواهب أو المهارات، وأنّ نجاحنا يعني إمكانية نجاح نساء أخريات. لذلك، يتمثّل جزء من مهمّة "كوين مود" في استقطاب المزيد من النساء إلى مجال التكنولوجيا.
انطلقت مسيرتنا في تثقيف النساء حول الجيل الثالث للويب والرموز غير القابلة للاستبدال بالتحديد من خلال إقامة فعاليات قاعدية أسميناها Wallet Parties؛ فكنّا ندعو مجموعات من النساء، ونمضي معهنّ ساعتين أو ثلاث ساعات بطريقة شبيهة بورش العمل التقليدية، ونشرح لهنّ عن ماهية الرموز غير القابلة للاستبدال، وكيفية استخدام تلك التكنولوجيا وإمكانيات تطبيقها في حياتهنّ اليومية، فضلا عمّا يجب التيقّظ له في هذا المجال، وغير ذلك. وقد نتج عن ذلك أكثر من مجرّد نساء يتواصلن ويلتقين حول فكرة "كوين مود"، بل كان اكتشافا للعديد منهنّ، فأدركن أنّه لو تمّ تفسير التكنولوجيا بعيدا عن استخدام المصطلحات الخاصة والمعقّدة، فسيسهل عليهن فهمها وسيجدن أنفسهنّ أكثر حماسةً، إذ دائما ما غادرن تلك الاجتماعات وهن يشعرن بأنهن متمكنات بعد أن تعلّمن أشياء جديدة في مجال لطالما اعتقدن أنهن لن يبرعن فيه. وقد طلبنا منهنّ طلبا واحدا: أن يعلّمن نساء أخريات ما تعلّمنه في الاجتماع. وهكذا فعلن!
إن "كوين مود" مجموعة NFT منفعية، بمعنى آخر، يمنحك كلّ رمز غير قابل للاستبدال ( تخيلي الرمز مشابها لبطاقة عضوية رقمية تحمل بيانات حول مزايا العضوية) فوائد معيّنة. أمّا "الموضوع" أو محور التركيز لمشروع "كوين مود"، فهو النساء اللواتي يرغبن في اللقاء والتواصل ضمن جماعة تتشارك قيما موحّدة، أبرزها التركيز على التطوّر الشخصي والمهني والدعم المتبادل في ذلك. يواصل هذا المجتمع الذي نفتحر جدا بتأسيسه، الازدهار والنمو؛ وقد أثمر شراكات مهنية بين النساء، وأدّى إلى بناء صداقات طويلة الأمد، فضلا عن تبلور قصص شخصية مذهلة عن دعم النساء بعضهن بعضا.
بعد أن خضتُ هذه الرحلة، زاد حبّي للتكنولوجيا، لكونها أداة تمكين ومساحة للفرص. وأصبحتُ متشوّقة لمعرفة أحدث التقنيات إذ بدأتُ أراها مزوّدا للحلول من أجل إنجاز الأعمال بسرعة وبفاعلية أكبر وبطريقة مقيسة. على الصعيد الشخصي، أشعر بامتنان كبير للتكنولوجيا التي مكّنتني من بناء مجتمعٍ إلكتروني مذهل على إنستغرام، مجتمع يحفّزني كل يوم وأحاول أن أضيف قيمة إليه يوميا. غير أن أكثر ما يشعرني بالامتنان هو العيش في بلد ومنطقة أثبتا للعالم أنّهما في طليعة الرقمنة والتقدّم التقني، ولا شيء أكثر تمكينا من ذلك. لذا، أقول لكلّ امرأة وفتاة فكّرت يوما في اكتشاف المجال التكنولوجي: افعلي ذلك! وعندما تنطلقين في رحلتك هذه، اصطحبي معك فتيات أخريات.