
د. جنى بو رسلان تكتب لـ"هي": ما هو الحب بالنسبة لي؟
في عدد الحب، أجد نفسي أعيد تعريف مفهومي للحب، بعيدا عن الكليشيهات التقليدية، وأقترب من حقيقة ما يعنيه هذا الشعور بالنسبة إلي بصفتي إنسانة عاشت تجارب حياتية مميزة وفريدة. وباعتباري محاضرة جامعية ومؤثرة عربية لبنانية، ومدافعة عن الصحة النفسية، أعيش حالة من النضج العاطفي والفكري التي تجعلني أعيد ترتيب أولوياتي وإعادة تقييم مفاهيم الحب والعلاقات.
الحب بين الاكتمال والنقصان
إلى اليوم لا أعتقد أنني عشت قصص حب مكتملة. ربما لأنني دائما ما كنت أفتح الباب لفرصة ظننتها تستحق، على أمل أن يكتمل النصاب، ولكني اكتشفت أنني أستحق أكثر، وأن قيمتي وطموحاتي ومفاهيمي للحياة أكبر. ليس "أكثر" بالمفهوم المادي بالضرورة، وإنما أكثر بالمعنى المعنــــــــوي والروحي. الحــــــب، بالنســــــبة إلي، لم يعد يتعلق بمحاولة تغيير أي شيء يخصني ليناسب تصورات الآخر (المثالية)، بل بالقبول. قبول الاختلاف، واحتضان التباينات التي تغني العلاقة بدلا من أن تستهلكها. الحب ليس أن نجبر أحدا على أن يلعب دورا محددا في صورة نحن رسمناها، بل أن نمنحه الحرية ليكون نفسه، ونحن كذلك.
الوقت هو الحب الأعمق
عندما أفكر في الوقت الذي أخصصه لأي شخص، أراه كأثمن هدية يمكنني تقديمها. في سن الحادية والأربعين، أدرك الآن قيمة الوقت كأصل لا يُعوض. لذا، أصبحت أتعامل مع الحب كاستثمار وقتي وروحي في شيء يستحق، في شخص أو في شغف أو في قضية تملؤني من الداخل. استلهمت هذه الفكرة من شخصيات نسائية قوية، مثل أمل علم الدين، التي لم تقبل موعدا مع جورج كلوني ثلاث مرات متتالية إلا بعدما أثبت أنه لن يكون مضيعة لوقتها.
في عالمنا الرقمي السريع، حيث يمكن استبدال العلاقات الإنسانية بلمسة شاشة، أجد نفسي أبتعد عن فكرة العلاقات السطحية. لم أعد أبحث عن الحب في العلاقات الهشة أو في التوقعات السطحية. إذا لم يكن الحب صادقا، ومريحا، وملهما للنمو الشخصي، فأنا ببساطة أختار ألا أستثمر وقتي فيه.
الحب في الشغف
ربما تكون علاقتي الأكثر رسوخا وديمومة هي علاقتي بشغفي. أجد الحب فيما أفعله كل يوم: نشر الوعي بالصحة النفسية، الكتابة والتعليم. هذا الشغف هو الذي يمنحني القوة لإلهام الآخرين، للوقوف أمام الكاميرا بثقة، لتقديم ما أؤمن به بكل حب. إنني أعيش الحب في قدرتي على الإبداع، في تقديم دورات تدريبية لشركات عالمية فاخرة، وفي تصميم دورات تعليمية تجمع بين الفكر والجمال.
الحب كتحرر
الحب، كما أراه اليوم، هو الحرية. بالنسبة لي، الحرية هي القيمة العليا، وهي التي تسمح لي بأن أكون متعددة الجوانب، وأن أعيش بتعبير كامل عن أفكاري وقيمي. إن لم أكن حرة، فكيف يمكنني أن أحب؟ وكيف يمكنني أن أعتني بمن حولي؟
لقد علمتني الحياة أن الحب يبدأ بالذات. أن أكون قوية، وممكّنة، وقادرة، ومؤمنة بنفسي، هذا هو الأساس الذي يبنى عليه كل شيء آخر. أن أقول "لا" حينما أحتاج إلى ذلك، أن أضع حدودا تحترم وقتي وطاقتي، هو من أهم أشكال الحب أيضا.
الحب كقوة داخلية
في هذا العام أحتفل بيوم الحب بطريقة مختلفة. أحتفل بكوني أقوى وأكثر جمالا من الداخل والخارج. أشعر بالنضارة، وبالثقة، وبالسلام الداخلي. إنني أحتفل بالحب الذي أعيشه من خلال تمكين الآخرين، من خلال نقل رسائل إيجابية في المحتوى الذي أقدمه عن أصول كالثقة والهوية والتمكين. إنني أحتفل بالحب كقوة تحركني نحو الأفضل دائما، من دون الحاجة لأن أبحث عنه خارج نفسي. ولكن هذا لا يعني أبدا أني لست بحاجة إلى رجل يعرف كيف يكون بجانبي وسندي، ويستقبل طاقتي الأنثوية لأنه يخاف مني كامرأة مستقلة وصاحبة فكر ورأي حر.
الحب، كما أراه اليوم، هو اختيار واعٍ. هو قرار بألا أتنازل عن وقتي أو شغفي أو حريتي لأي شيء لا يستحق. وهو الاستمرار في مسيرتي، في نشر رسالتي، وفي الاستمتاع بما أفعله كل يوم.
في عالم سريع الإيقاع ومليء بالسطحية، أختار أن أعيش الحب بعمقه الحقيقي، كعلاقة تبدأ من الداخل وتمتد إلى الخارج. وإذا لم يكن الحب حقيقيا، وصادقا، ومُلهما، فأنا أختار أن أحتفل بنفسي، وبشغفي، وبحريتي.
هذا هو الحب بالنسبة إلي، اليوم وغدا وكل يوم. "ومن هلق لوقتها، أنا يا جماعة تحت نصيبي".