الدكتورة مريم مطر ل "هي": التوعية بالأمراض الوراثية يتزايد والعلاج الجيني يساهم بالقضاء عليها
الأمراض الوراثية هي أي مرض وراثي ينتج بسبب حدوث خلل في المادة الوراثية للفرد، ويمكن أن يتراوح حجم الخلل الحادث في الجينات بين البسيط والذي يحدث في قاعدة واحدة من DNA إلى الخلل الكبير، الذي يحدث لكروموسوم كامل أو مجموعة من الكروموسومات مثل إضافة كروموسوم كامل أو حذفه.
وتشهد المنطقة العربية، والخليجية بشكل خاص، انتشاراً كبيراً للأمراض الوراثية التي يدأب الأطباء وخبراء الصحة على التوعية بخصوصها والسعي لإيجاد حلول لها. منها العلاج الجيني الذي بدأت دولة الإمارات باعتماده في الفترة الأخيرة، وعنه تخبرنا أكثر الدكتورة مريم مطر، رئيسة ومؤسسة جمعية الأمراض الجينية ومركز الشيخ زايد للأبحاث الجينية في الإمارات في مقابلة مع موقع "هي".
ما هي نسبة الأمراض الوراثية في المنطقة، وهل انخفضت نسبتها مع التطور التكنولوجيا الحالي؟
تتفاوت نسب الإصابة بالأمراض الوراثية بين بلد وآخر، لكن يمكننا القول إن هذه النسب لم تقل وإنما البرامج الوقائية المعدّة لمواجهة الأمراض الوراثية والحد منها والوعي بمخاطرها وأهمية تداركها في تصاعد مستمر، وذلك بالطبع بفضل تعاون صناع القرار معنا وإدراكهم لأهمية تفعيل البروتوكولات الطبية والقوانين التي تفرض التشخيص المبكر على المجتمع بكافة فئاته، خصوصاً لدى تلك الأكثر عرضة للإصابة من غيرها.
كيف برأيك سيساهم العلاج الجيني في الحد من العديد من الأمراض الوراثية والخطيرة؟
يمكّننا العلاج الجيني أكثر من الإستفادة من المعلومات الواردة في برنامج الجينوم الإماراتي لحصر أنواع الأمراض الوراثية الأكثر شيوعاً في دولة الإمارات، والشروع بتحليلها بطريقة تحدّ من انتشار هذه الأمراض والوقاية منها والقضاء على بعضها، حيث يتم استخدام المعلومات في سبيل التشخيص السريع والدقيق للكثير من الأمراض، وإعطاء التوصيات للعلاجات المناسبة وبالتالي الحد من خطر مجموعة لا يستهان بها من الأمراض الوراثية.
حدثينا أكثر عن أمراض جوشر وهنتر وفابري وكيف تظهر بشكل مختلف من شخص لآخر، مع عدم وجود ارتباط بين النمط الجيني والنمط الظاهري.
تعتبر هذه الأمراض الأكثر شيوعاً من بين أكثر من 50 مرضًا وراثياً نادراً من اضطرابات التخزين الليزوزومية، وهي عبارة عن اختلالات أيضية استقلابية موروثة ناتجة عن عيوب وراثية تسبَب نقصًا في البروتينات الليزوزومية. كما أنها متعددة الأنظمة، وبمعظمها وبنسبة 70%، تسبب اختلالات وظيفية حادة في الدماغ، ومع ذلك فإن الأنماط الظاهرية لأمراض معينة وتختلف كثيراً وتتغير من الإعتلال العصبي وصولاً إلى التنكس العصبي الشديد بسبب نقص الإنزيم نفسه.
كما أن مستوى النشاط المتبقي للإنزيم الناقص في كثير من الأحيان لا يتوافق مع شدة المرض. حيث أظهرت الدراسات أن هناك العديد من الطفرات التي تعود آثارها لعوامل أخرى تؤدي لمثل هذا التباين في الأنماط الظاهرية للمرضى. وقد أشارت بحوث في السنوات الماضية أن هناك العديد من الأنشطة الفيزيولوجية والعوامل البيئية التي يمكن أن تقود بشكل كبير مسار أمراض التخزين الليزوزومية. وَيتجلى ذلك - على سبيل المثال لا الحصر- في العدوى الميكروبية التي تصيب في كثير من الأحيان مرضى اضطرابات التخزين الليزوزومية أكثر من غيرهم بسبب ضعف التفاعلات المناعية، والتغير الحاصل في فيزيولوجية الخلايا لديهم.
يمكن الإفتراض بأن دينامكية خلق الصفائح الدموية التي لا يمكن أن تتحلل بكفاءة، قد تكون إحدى أهم أعراض أمراض التخزين الليزوزومية وخصوصاً أعراض الاعتلال العصبي. لا يمكننا حاليًا تحديد أهمية عوارض معينة او أنشطة حيوية بعينها في رصد مراحل تطور هذه الأمراض.
ما هي أهمية التشخيص المبكر والوصول إلى الأنزيم والإختبار الجيني في تحسين نتائج العلاج للأمراض الوراثية؟
إحدى أهم النقاط في مسيرة علاج الأمراض الوراثية على صعيد دولة الإمارات العربية، أن قائمة الأمراض المصنّفة بالنادرة في تقلص مستمر بفضل السعي الدؤوب نحوَ تقليل تكاليف فحوصاتها بحيث تصبح في متناول الجميع، بالإضافة إلى التقدم العلمي الملحوظ الذي تحرزه مراكز الأبحاث الجينية في هذا المجال وكذلك الاهتمام الكبير الذي تبديه شركات الأدوية من ناحية الكشف المبكر عن الأمراض الجينية وإيجاد العلاجات والعقاقير الناجعة لها.
هل كان لفيروس كورونا تأثير سلبي على معالجة الأمراض الوراثية، وما الوسائل المتبعة من قبل دولة الإمارات لتذليل هذه العقبات؟
خلال جائحة كوفيد- 19، واجه مرضى الأمراض النادرة والمعقدة تحديات أكثر من غيرهم. وغالباً ما يواجه هؤلاء المرضى وعائلاتهم في الأيام العادية قصوراً كبيراً في الرعاية والمعاينات السريرية، ما يدفعهم بالشعور بأنّهم "متروكون في الظلام". ومع انتشار الوباء، كثرت التحديات مع تعذر نيل الدعم الصحي والرعاية الطبية اللازمين بالكامل، حتى المعتاد منها.
وفيما تمكن معظم الناس من التنعم مجدداً بحياة طبيعية لا سيما بعد التخفيف من قواعد الإغلاق الصارمة، فإن مرضى الأمراض النادرة ما زالوا يعانون الإنعكاسات السلبية والإضطرابات الناجمة عن انتشار كوفيد- 19 ومنها التأخر في تشخيص الحالات وتدني خدمات العناية السريرية المقدّمة. حتى المرضى الذين تلقوا تشخيصًا دقيقًا لحالتهم منذ مارس 2020 المنصرم، طالتهم تحديات الوباء الكبيرة حيث جرت الاستعانة بالعديد من الأطباء المتخصصين في الأمراض النادرة لتغطية الخدمة الطبية للحالات المصابة بالكوفيد.
بالإضافة إلى ذلك وخلال فترة الإغلاق العام، جرى تصنيف الخدمات التي يعتبرها العديد من المرضى أساسية في مسيرة تطورهم العلاجي، مثل خدمات علاج النطق والعلاج الطبيعي، على أنها "غير أساسية" ما اضطر المراكز المعنية بتقديم مثل هذه الخدمات على إغلاق أبوابها. كما كان لكوفيد 19 أثر بالغ على الصحة النفسية لمرضى الأمراض النادرة وعوائلهم، إذ إن الخوف من الإصابة بالوباء دفع هؤلاء للامتناع عن تحصيل أو طلب الرعاية الطبية حتى.
إزاء هذا الوضع، اتخذت دولة الإمارات العربية المتحدة خطوات إنقاذية فارقة، منها مثلاً اعتماد مراقبة المرضى عن بُعد باستخدام أجهزة محمولة. وبهذا، لم يعودوا مضطرين للسفر أميالاً لزيارة المتخصصين، بل أصبح بمقدورهم عوضاً عن ذلك الحصول على استشارة افتراضية عبر الفيديو.
كيف تنظرين إلى اهتمام دولة الإمارات ببرنامج الجينوم، وما الخدمات التي سيقدمها لسكان الدولة؟
تعدّ الإمارات العربية المتحدة ضمن مصاف الدول العالمية التي تحرز تقدماً مستمراً ومواكباً في مضمار التطوير التكنولوجي والمعلوماتي والآلاتي المتواصل لمشروع المسح الميداني الإماراتي (الجينوم)، وهي بالتأكيد خطوات فاعلة تعمل على تذليل العقبات التي تعترض مثل هذه المشاريع.
لا شك أن برنامج الجينوم الإماراتي هو أحد أهم مشاريع الأمن الصحي القومي في دولة الإمارات العربية المتحدة كونه يندرج ضمن أولويات الدولة في دعم القطاع الصحي بهدف بناء منظومة طبية علاجية وقائية عالمية المستوى، وذلك عبر فهم طبيعة الأمراض الوراثية والمزمنة السائدة وبالتالي تصميم استراتيجيات الرعاية الصحية التي تلبي احتياجات الأجيال الحالية والمستقبلية وتركز على كشف الطفرات الجينية المبكرة، وتفعيل السياسات والبرامج والخدمات العلاجية والوقائية المبكرة من خلال إجراءات الفحص المبكر وفحوصات ما قبل الزواج.