حمية البحر الأبيض المتوسط تحمي من أمراض القلب والخرف والسرطان

حمية البحر الأبيض المتوسط: كيف تحمينا من أمراض القلب والخرف والسرطان

جمانة الصباغ

من بين الحميات أو الأنظمة الغذائية الأكثر رواجًا وانتشارًا بين الناس، تأتي حمية البحر الأبيض المتوسط Mediterranean Diet في أعلى القائمة؛ نظرًا لتنوَع محتواها الغذائي من الأطعمة والزيوت وغيرها، والتي تحمل كلها صفات غذائية عالية الجودة.

ويتحدث خبراء الصحة والأطباء، بإسهاب وإعجاب؛ عن مميزات النظام الغذائي المتوسطي الذي أحرز نقاطًا عالية في مجابهة العديد من الأمراض المزمنة، وإطالة العمر، وتعزيز الشباب ومحاربة الشيخوخة. فهذا النظام الغني بالخضروات والفواكه والبقوليات والحبوب الكاملة، يُعد من الأنظمة التي تُقلَل من خطر الإصابة بأمراض القلب والخرف والسرطان بشكل قاطع، حسبما أورد موقع Medical News Today في تقرير شامل؛ تحدث فيها بالتفصيل عن مميزات هذا النظام في الوقاية من هذه الأمراض وكيفية الاستفادة منه.

ونحن من المحظوظين لمعرفتنا المسبقة بهذا النظام الحيوي، بل ونتناوله منذ سنوات طويلة ضمن نظامنا الغذائي اليومي. لذا لا ضير من إلقاء نظرة شاملة وواسعة، حول فوائد النظام الغذائي المتوسطي في حمايتنا من أمراض القلب والسرطان والخرف.

إنما بدايةً، وكما نفعل في معظم تقاريرنا.. فلنتعرف أكثر على هذا النظام.

النظام الغذائي المتوسطي يتصدر قائمة الأنظمة المحاربة للأمراض
النظام الغذائي المتوسطي يتصدر قائمة الأنظمة المحاربة للأمراض

ما هي حمية البحر الأبيض المتوسط؟

مصطلحٌ شامل، يشير إلى الأنظمة الغذائية القائمة على عادات الأكل التاريخية للأشخاص الذين يعيشون حول البحر الأبيض المتوسط؛ مثل اليونان، قبرص، تركيا، سوريا، لبنان، الأردن وفلسطين. وتوصي جمعية القلب الأمريكية، باتباع النظام الغذائي المتوسطي كأحد الأنظمة الأكثر نفعًا في تعزيز صحة الجسم بصورة عامة.

تمتاز حمية البحر الأبيض المتوسط بالمميزات الرئيسية التالية:

  • تناول كميات كبيرة من الخضار والفواكه والحبوب الكاملة والبقوليات.
  • منتجات الألبان قليلة الدسم أو الخالية من الدسم.
  • الأسماك والدواجن.
  • الزيوت النباتية غير الاستوائية والمكسرات.
  • كميات محدودة جدًا من السكريات المُضافة، المشروبات السكرية، الصوديوم، الأطعمة المُعالجة، الكربوهيدرات المُكرَرة، الدهون المُشبعة، واللحوم الدهنية أو المُصنعة.

وتضيف كلية الصحة العامة بجامعة هارفرد الدهون الصحية (مثل زيت الزيتون والأفوكادو والمكسرات والأسماك الزيتية) إلى هذه التوصيات.

فيما يخص اللحوم، يُنصح الأفراد الذين ينوون اتباع النظام الغذائي المتوسطي؛ بالتقليل منها قدر الإمكان، وتناولها من حين لآخر فقط. ولكن من الضروري الحصول على البروتين من الأسماك أو المأكولات البحرية مرتين على الأقل في الأسبوع وتناول كميات صغيرة من الدواجن والبيض ومنتجات الألبان في معظم الأيام.

الماء هو المشروب الأساسي في النظام الغذائي المتوسطي، وينبغي أن لا تقل كمية المياه التي يشربها الشخص البالغ يوميًا عن ليترين أو ثلاث؛ مُقسمَة طوال اليوم، وحسب احتياجات الشخص ونشاطاته البدنية.

وبما أن النشاط البدني تمَ ذكره هنا؛ لا بد من التذكير بوجوب إقران النظام الغذائي المتوسطي بأي نوع من النشاط البدني الممتع كل يوم، بحسب نصيحة الخبراء

على الرغم من أن الماء يجب أن يكون الشراب الرئيسي للشخص ، إلا أنه يمكن للناس أيضًا شرب كوب أو كوبين من النبيذ الأحمر كل يوم ، وفقًا للنظام الغذائي المتوسطي التقليدي. و

قال الدكتور سكوت كايزر، طبيب الشيخوخة ، ومدير الصحة المعرفية للشيخوخة في معهد علم الأعصاب المحيط الهادئ في مركز بروفيدنس سانت جون الصحي في سانتا مونيكا،  كاليفورنيا في معرض نصائحه حول اتباع هذا النظام:"تدعم الأبحاث فوائد تبنَي عادات نمط الحياة الصحية وتشير إلى الأهمية الحاسمة التي يمكن أن تلعبها في تشكيل صحتنا الفردية والجماعية في المستقبل. لذا ابدأوا بتضمين الكثير من الخضروات الطازجة - وخاصةً الخضار الورقية الخضراء – في نظامكم الغذائي؛واستمتعوا بالفواكه الطازجة - مثل التوت - والأطعمة الأخرى الغنية بمضادات الأكسدة ، جنبًا إلى جنب مع الأسماك وزيت الزيتون والأطعمة الأخرى الغنية بأحماض أوميغا 3 الصحية والمفيدة للدماغ."

لماذا تُعدَ الأنظمة الغذائية المتوسطية صحية؟

الأطعمة في النظام الغذائي المتوسطي غنية بمضادات الأكسدة والالتهاب التي تحارب الأمراض على اختلافها
الأطعمة في النظام الغذائي المتوسطي غنية بمضادات الأكسدة والالتهاب التي تحارب الأمراض على اختلافها

على مر السنين، تم اقتراح العديد من الأنظمة الغذائية للحفاظ على الصحة أو الحد من مخاطر الإصابة بأمراض معينة؛ لكن القليل منها صمد أمام التدقيق العلمي الصارم. مع استثناء واحد فقط، هو حمية البحر الأبيض المتوسط.

وقد أظهرت الدراسات المتتالية، وجود فوائد صحية كبيرة للأشخاص الذين يتبعون حمية البحر الأبيض المتوسط. ولم تُظهر هذه الأبحاث أنه يُقلَل من أمراض القلب والأوعية الدموية فقط ؛بل أنه قد يفيد أيضًا الإدراك، ويُخفَض خطر الإصابة بمرض السكري، كما يُقلَل من خطر الإصابة ببعض أنواع السرطان، ويُخفف من أعراض التصلب المتعدد.

ففي منتصف القرن العشرين الماضي، أظهرت دراسة الدول السبع أن الأنماط الغذائية في البحر الأبيض المتوسط واليابان في الستينيات؛ كانت مرتبطةً بمعدلات منخفضة من أمراض القلب التاجية والوفيات الناجمة عن جميع الأسباب. ومن وقتها، أظهرت أبحاث ودراسات مماثلة أن هذا النوع من النظام الغذائي لا يفيد فقط صحة القلب والأوعية الدموية؛ وإنما يُقلَل أيضًا من مخاطر العديد من الحالات الصحية الأخرى.

ومؤخراً، تزايدت الأدلة على الفوائد الصحية الواسعة النطاق لاتباع نظام غذائي متوسطي. ولكن ما الذي يجعل حمية البحر الأبيض المتوسط صحية للغاية، تحديدًا؟

أشار الدكتور إيمون ليرد، باحثٌ زميل في كلية ترينيتي في دبلن، أيرلندا؛ إلى أن "النظام الغذائي لمنطقة البحر الأبيض المتوسط يتميز باحتوائه على نسبة عالية من الفاكهة والخضروات، ونسبة عالية من الألياف، ومستويات عالية من الدهون الجيدة، وكميات معتدلة من الأسماك واللحوم، وكميات قليلة من الأطعمة المُصنعة عالية الجودة والأطعمة السكرية.تُوفر هذه المكونات الغذائية كميات كبيرة من الألياف والدهون الجيدة ومضادات الأكسدة والبوليفينول والفيتامينات والمعادن - الكولين وفيتامين ج والبوتاسيوم وفيتامين ب وفيتامين د من الأسماك وما إلى ذلك – إضافة إلى البروتينات التي تُوفر فوائد صحيةلعدد كبير من أجهزة الأعضاء والأنسجة."

حمية البحر الأبيض المتوسط وصحة القلب

حققت الكثير من الأبحاث في تأثير نظام البحر الأبيض المتوسط الغذائي على مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية(CVD).منها دراسةٌ تحليلية نُشرت في مارس 2023، وضمت مجموعة من المشاركين فاق عددهم 700000 شخص؛ توصلت إلى أن الالتزام الحقيقي بنظام غذائي متوسطي لهؤلاء المشاركين، أسهم في خفض خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية لدى النساء بنسبة 24 ٪، وخطر الموت من أي سبب بنسبة 23٪.

وعلَقالدكتور ليرد على هذه النتائج قائلًا: "من المرجح دومًا أن تلتزم النساء بالنظام الغذائي الصحي مقارنةً بالرجال، وهو ما قد يفسر سبب رؤيتنا المزيد من الفوائد الصحية لدى النساء."

ويبدو أن التحليل البُعدي يؤكد نتائج البحث السابق فعلى سبيل المثال، في العام 2015؛ وجد تحليل آخر مماثل أن النظام الغذائي للبحر الأبيض المتوسط، يمكن أن يكون عاملًا رئيسيًا في الوقاية من الأمراض القلبية الوعائية. وعندما نتحدث عن مزايا النظام الغذائي، فليس المقصود جانبٌ واحد معيَن منه؛ بل هو النظام الغذائي الكامل، الذي يبدو أن له هذا التأثير الإيجابي الكبير، كما أشارت الدكتورة جوانا هودجز، أستاذة التدريس المساعدة في علوم التغذية في جامعة ولاية بنسلفانيا ، في حديثها لموقع Medical News Today.

وأضافت: "خلصت الدراسة إلى أنه لا يوجد عنصرٌ محدد في حمية البحر الأبيض المتوسط، ثبت أنه مفيد،كما هي الحال النظام الغذائي بأكمله في الوقاية من الأمراض القلبية الوعائية."

لا بد أن يُصاحب اتباع النظام الغذائي المتوسطي مع شرب الماء وممارسة الرياضة
لا بد أن يُصاحب اتباع النظام الغذائي المتوسطي مع شرب الماء وممارسة الرياضة

حمية البحر الأبيض المتوسط والصحة المعرفية

من القلب، صعودًا نحو الرأس؛ وتحديدًا الصحة المعرفية، التي باتت تشهد تدهورًا كبيرًا لدى العديد من الناس حول العالم؛ ومردها في الغالب، عوامل وراثية أو حياتية خاطئة.

وتشير دلائل متزايدة، أن النظام الغذائي المتوسطي قد يُعزَز الوظيفة الإدراكية عند البشر. فقد أفادت دراسة نُشرت في مارس 2023 واستخدمت بيانات البنك الحيوي في المملكة المتحدة؛ أن الأفراد الذين لديهم التزام أعلى بنظام غذائي متوسطي، سُجل لديهم خطر أقل للإصابة بالخرف بنسبة تصل إلى 23٪، مقارنةً بأولئك الذين لديهم التزام أقل بهذا النظام الغني والمتنوع.

وخلصت نتائج الدراسة التي استخدمت بيانات أكثر من 60 ألف شخص؛ إلى أن النظام الغذائي للبحر الأبيض المتوسط، يُقلَل من خطر الإصابة بالخرف، حتى لدى الأشخاص الذين لديهم استعدادٌ وراثي للخرف. واستنتج الباحثون أن اتباع هذاالنظام الغذائي الغني بالأطعمة الصحية النباتية، قد يكون العامل الأساسي وراءتقليل مخاطر الخرف.

دراسة أخرى نُشرت أيضًا في مارس 2023، ونظرت في علم أمراض الزهايمر بعد الوفاة؛ وجدت أن الأفراد الذين اتبعوا نظامًا غذائيًا متوسطيًاMIND ، الغني بشكل خاص بالخضروات الورقية، كان لديهم حمل بيتا أميلويد أقل بكثير؛ والذي يُعتقد أنه مسؤولٌ عن العديد من أعراض مرض الزهايمر.

قد يكون هذا النظام الغذائي المميز، مفيدًا أيضًا للأشخاص المصابين بالتصلب المتعدد (MS). إذ وجدت دراسةٌ أولية تم تقديمها في الاجتماع السنوي الخامس والسبعين للأكاديمية الأمريكية لطب الأعصاب في أبريل 2023؛ أن الأشخاص المصابين بمرض التصلب العصبي المتعدد ممن اتبعوا نظامًا غذائيًا متوسطيًا؛ قلَ لديهم خطر ضعف الإدراك بنسبة 20 ٪ من أولئك الذين اتبعوه على أقل تقدير.

حمية البحر الأبيض المتوسط والسرطان

الداء الذي يودي بحياة الملايين من الناس حول العالم يوميًا، يبدو أنه مُحارب وبفاعلية كبيرة؛ من قبل النظام الغذائي المتوسطي. حتى أن هذا النظام، قد يُحسَن من فاعلية بعض علاجات السرطان.

كيف؟!..

وجدت مراجعةٌ عام 2019، أن الالتزام العالي بالنظام الغذائي للبحر الأبيض المتوسط كان مرتبطًا بمعدل أقل من العديد من أنواع السرطان؛ بما في ذلك سرطان الثدي والقولون والمستقيم وسرطان البروستاتا. وبحسب الدراسة ذاتها، فإن الخصائص المضادة للأكسدة والمضادة للالتهابات لمكونات النظام الغذائي المتوسطي"تمنع وتقاوم أضرار الحمض النووي كما تُبطئ تطور أشكال مختلفة من السرطان".

ونجد هذه المضادات والعناصر الفعالة، في الطماطم والبطيخ والبابايا والعنب والخوخ والبطيخ والتوت البري الغنية بالليكوبين، فيما تحتوي اللحوم البيضاء والأسماك والمحار والبيض والمكسرات على تركيزات عالية من السيلينيوم. وكلهاعناصر موصى بها في حمية البحر الأبيض المتوسط وتساعد في خفض خطر الإصابة بأمراض السرطان.

ليس ذلك فحسب، بل أن بعض مرضى سرطان البروستاتا؛ قد يكون علاجهم أكثر فاعلية عند اتباعهماحمية البحر الأبيض المتوسط. كذلك وجدت دراسةٌ حديثة عُرضت في UEG Week 2022، أن النظام الغذائي مرتبطٌ بشكل كبير بالاستجابة المُحسنة لأدوية العلاج المناعي لدى الأشخاص المصابين بسرطان الجلد المتقدم.

حمية البحر الأبيض المتوسط تحمي من أمراض القلب والخرف والسرطان-رئيسية واولى
حمية البحر الأبيض المتوسط تحمي من أمراض القلب والخرف والسرطان

كيف تعمل حمية البحر الأبيض المتوسط؟

سؤالٌ مشروع، خاصةً أن الآلية الدقيقة التي يفيد فيها النظام الغذائي المتوسطي الصحة غير واضحة؛ إلا أن ثمة أدلة متزايدة على أن هذا النظام يمكن أن يكون له 5 تأثيرات رئيسية:

  1. خفض الدهون.
  2. الحماية من الإجهاد التأكسدي والالتهابات وتكدس الصفائح الدموية.
  3. تعديل الهرمونات وعوامل النمو التي تدخل في عوامل تطورمرض السرطان.
  4. تقييد بعض الأحماض الأمينية.
  5. التأثير على ميكروبيوم الأمعاء لإنتاج مستقلبات تفيد صحة التمثيل الغذائي.

وفي تفسير أوضح لهذه المزايا، قال الدكتور ليرد لـ MNT:"قد تساهم أحماض أوميغا 3 الدهنية (الفيتوستيرول والريسفيراترول) والفيتامينات، والبوليفينول في انخفاض مستويات الالتهاب (السيتوكينات الالتهابية)؛ كما قد تُحسَن وظيفة المصدر الباطني. ومن خلال تقليل مستويات الالتهاب، تحسين تدفق الدم، وتحسين حساسية الأنسولين، وتحسين التمثيل الغذائي للدهون، فإنك تُقلَل بشكل افتراضي أيضًا بعض عوامل الخطر الرئيسية للأمراض القلبية الوعائية، والتدهور المعرفي، والسرطانات، والسكري."

كي نستفيد بصورة قاطعة من هذه العناصر الغذائية في شكلها الطبيعي، وجدت الدراسات أنه من المفيد التركيز على حمية البحر المتوسط؛ التي تحوي الكثير من هذه العناصر. مع الإشارة إلى تحذير الخبراء من وجوب عدم اعتماد المُكمَلات فقط للحصول على هذه العناصر، بسبب الآثار الجانبية التي يمكن أن يُخلَفها تناول جرعات زائدة منها.

ختام القول، كل تغيير في حياتنا؛ حتى وإن كان صغيرًا للغاية في البداية؛ يمكن أن تكون له فوائد صحية كبيرة. ومفتاح أي نظام غذائي صحي، هو تناول الكثير من الخضروات والحبوب الكاملة والدهون الصحية والبقوليات؛ وكلها تجدينها في حمية البحر الأبيض المتوسط. على أن الأهم، الالتزام بهذه التغييرات وجعلها طويلة الأجل ومُستدامة لمنحكِ فوائد صحية جمة.